البورصات العالمية تنتعش بعد يوم "اثنين أسود"

التقطت الأسواق الآسيوية والأوروبية أنفاسها بعد حصيلة دامية استفاقت عليها أسواق المال يوم الاثنين حيث بلغت خسائر أكبر 500 شركة في وول ستريت تريليوني دولار، مثيرة بذلك مخاوف وقلقًا في جميع أنحاء العالم.
لندن - يوم الاثنين كان يوما “أسود” على أسواق المال التي استفاقت على حالة من الخوف أدت إلى موجة من البيع في ظل تزايد المخاوف من ركود الاقتصاد الأميركي. وتراجعت الأسواق الآسيوية، وسجلت البورصة اليابانية أسوأ خسارة منذ العام 1987. كذلك هوت البورصات الأوروبية، مسجلة أدنى مستوى في عدة شهور.
وخسر مؤشر البورصة الأميركية الذي يضم أقوى 500 شركة (ستاندرد آند بورز 500)، في مستهل تعاملات الاثنين، نحو تريليوني دولار مما أثار القلق في جميع أنحاء العالم.
لكن محللي مصرف دويتشه بنك أفادوا عن “تغيير في التوجه يحصل الثلاثاء” في الأسواق المالية حيث عاد الهدوء إلى الأسواق بعد القلق الذي نتج الجمعة عن صدور تقرير حول الوظائف في الولايات المتحدة، كان مخيّبا للتوقعات.
وبمواجهة نسبة بطالة أعلى مما كان متوقعا وعدد من الوظائف المستحدثة أقل من الأرقام المرتقبة، سادت الأسواق خشية من أن يكون هذا مؤشرا لتباطؤ اقتصادي كبير في الولايات المتحدة نتيجة السياسة النقدية المعتمدة من الاحتياطي الفدرالي.
وزاد الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة الرئيسية إلى أعلى مستوياتها منذ عشرين عاما بهدف كبح الاقتصاد الأميركي وخفض التضخم إلى 2 في المئة بعدما وصل في يونيو 2022 إلى 9.5 في المئة بوتيرة سنوية، أعلى مستوياته منذ أربعين عاما.
ومع اقتراب خفض أول لمعدلات الفائدة يترقّبه المستثمرون، تخشى الأسواق أن يكون الاحتياطي الفدرالي انتظر أكثر مما ينبغي للتحرك، مجازفا بالتسبب بركود اقتصادي في الولايات المتحدة.
وقال محللو دويتشه بنك إن “التغيير في توجه” الأسواق الثلاثاء “يتزامن على ما يظهر مع تعليقات أوستن غولسبي” رئيس الاحتياطي الفدرالي في شيكاغو الذي صرح لشبكة سي إن بي سي في اليوم السابق أن بيانات الوظائف “لا تبدي في الوقت الحاضر انكماشا” وأن الاحتياطي الفدرالي “يمكنه انتظار بيانات أخرى قبل اجتماع سبتمبر”.
ولفتوا من جهة أخرى إلى أن النشاط في قطاع الخدمات في الولايات المتحدة عاود النمو في يوليو، وفق ما كشف مؤشر صدر الاثنين، معتبرين أن هذه البيانات “قد تكون ساهمت أيضا في إقناع الأسواق بأن التقرير حول الوظائف ليس سيئا بالقدر الذي ظنّوا”.
وفي طوكيو، ارتفع مؤشر نيكاي، المؤشر الرئيسي للبورصة، الثلاثاء بنسبة 10.23 في المئة غداة تسجيله تراجعا بمعدل 12.4 في المئة وأكبر خسارة بالنقط في تاريخه. وفي أوروبا، انتعشت الأسواق المالية الرئيسية بعدما أغلقت في اليوم السابق على تراجع حاد.
خلال الشهر الماضي، راهن المستثمرون بمليارات الدولارات على ارتفاعات كبيرة في أسعار أسهم التكنولوجيا. والآن تواجه استثماراتهم في صناديق الاستثمار القابلة للتداول المتخصصة في أسهم شركات التكنولوجيا خسائر كبيرة في ظل انهيار سوق الأسهم.
2
تريليون دولار خسائر مؤشر البورصة ستاندرد آند بورز 500 في مستهل تعاملات الاثنين
وأشارت وكالة بلومبيرغ للأنباء إلى أنه رغم تراجع مؤشر ناسداك 100 لأسهم التكنولوجيا في البورصة الأميركية خلال الشهر الماضي، استمر تدفق الأموال على الصناديق التي تستثمر في أسهم التكنولوجيا، وبخاصة في شركتي نيفيديا كورب وإنتل كورب المتخصصتين في صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث كان المستثمرون يتوقعون أن يكون التراجع قصير الأجل.
لكن بعض صناديق الاستثمار القابلة للتداول والتي تستخدم روافعها المالية لزيادة العائدات سجلت تراجعًا بأكثر من 10 في المئة مع انسحاب المستثمرين من السوق والاتجاه إلى الملاذات الآمنة. ويعني هذا زيادة خطر استمرار تراجع هذه الصناديق بشدة إذا بدأ المستثمرون في الاندفاع نحو الخروج منها.
وقد سجل سعر صندوق “دراكسيون ديلي سيمي كونداكتورز بول 3 إكس شيرز” لأسهم التكنولوجيا، والذي تلقى تدفقات نقدية بقيمة 2.8 مليار دولار خلال الشهر الماضي، انخفاضًا بنسبة 60 في المئة منذ 10 يوليو الماضي.
وسجل صندوق “برو شيرز الترا برو كيو كيو كيو” تدفقات نقدية بقيمة 830 مليون دولار خلال يوليو الماضي، وهي أكبر تدفقات شهرية له منذ 2022. كما حقق تدفقات بأكثر من 400 مليون دولار منذ بداية الشهر الحالي.
في الوقت نفسه، سجل صندوق “غرنايت شيرز 2 إكس لونغ نفدا ديلي” القابل للتداول، والذي يستثمر بكثافة في أسهم نيفيديا، تدفقات نقدية بقيمة 560 مليون دولار خلال الشهر الماضي بعد تسجيل 1.6 مليار دولار في الشهر السابق، وتراجع سعره في البورصة بأكثر من 50 في المئة خلال أقل من شهر.
وتبرز هذه البيانات مدى تجاهل المستثمرين للتحول الواضح في المزاج بسوق الأوراق المالية بعد أن أظهرت بيانات سوق العمل الأميركية الصادرة يوم الجمعة الماضي أن الاقتصاد الأميركي يبتعد عن مسار التراجع الناعم ويتجه نحو التراجع الحاد.
من هي كلوديا ساهم التي أثارت قلق الأسواق
• كلوديا ساهم (Claudia Sahm) هي خبيرة اقتصادية أميركية بارزة. عملت سابقًا في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبيت الأبيض. معروفة بتطويرها لما يعرف بـ”قاعدة ساهم”، وهي مؤشر يستخدم لتحديد احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود. تنص هذه القاعدة على أن الاقتصاد يدخل في حالة ركود عندما يكون متوسط معدل البطالة لمدة ثلاثة أشهر أعلى بمقدار 0.5 في المئة أو أكثر من أدنى مستوى له في الأشهر الإثني عشر السابقة.
ويقول مات مالي، كبير المحللين الاقتصاديين في شركة ميللر تاباك بلس للاستشارات، إن أكبر هاجس اليوم سيكون “البيع القسري”. إذا تلقى المستثمرون، وبخاصة الذين يستثمرون في صناديق الاستثمار القابلة للتداول، الدعوة إلى زيادة رصيد حساباتهم لدى شركة الوساطة المالية سواء بإضافة سيولة نقدية أو أوراق مالية أو ببيع أسهمهم الحالية، فإنهم سيضطرون إلى بيع أسهم هذه الصناديق حتى لو انخفضت أسعارها.
ولم تنجُ العملات الرقمية المشفرة بيتكوين وإيثر، حيث انخفضت الاثنين إلى أدنى مستوياتها. وتمثل عمليات البيع تحولًا كبيرًا بعد أيام فقط من التفاؤل الذي أنعشه خطاب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، والذي دفع عملة بيتكوين، أكبر عملة مشفرة في العالم، إلى تجاوز مستوى 70 ألف دولار للمرة الأولى منذ أكثر من شهر.
كيف سينتهي الأمر وما الذي ينتظر الأسواق؟ للإجابة على السؤال توجهت الأنظار إلى كلوديا ساهم، وهي خبيرة اقتصادية أميركية بارزة عملت سابقًا في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبيت الأبيض ومعروفة بتطويرها مؤشرًا يستخدم لتحديد احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود يعرف باسم “قاعدة ساهم”.
القاعدة تقول إن الاقتصاد يدخل حالة ركود عندما يكون متوسط معدل البطالة لمدة ثلاثة أشهر أعلى بمقدار 0.5 في المئة أو أكثر من أدنى مستوى له في الأشهر الإثني عشر السابقة. هذا المؤشر “التجريبي البحت” والذي يفتقر إلى “أساس نظري”، كما يذكّر رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة “لومبارد أودييه آي إم” فلوريان إيلبو، بلغ 0.53 في المئة في يوليو 2024.
يوضح الخبير أنه منذ نشر تقرير البطالة الأميركية الجمعة، والتي ارتفعت أكثر من المتوقع إلى 4.3 في المئة، وهو أعلى معدل للبطالة منذ أكتوبر 2021، فإن الأسواق “تستنتج بوضوح أننا سنشهد ركودًا” وتغرق في المنطقة الحمراء.
رغم هذه الأرقام، فإن كلوديا ساهم نفسها تشكك في انطباق مؤشرها هذه المرة، وقالت في مقابلة مع مجلة فورتشن الأميركية نشرت الجمعة “لا أعتقد أننا حاليًا في حالة ركود”. وأضافت “لا ينبغي لأحد أن يشعر بالذعر الآن، حتى لو بدا الأمر كذلك للبعض”، لأن هناك مؤشرات رئيسية للاقتصاد “لا تزال تبدو جيدة للغاية”. وأشارت ساهم إلى أن دخل الأسر مستمر في النمو، في حين يظل الاستهلاك واستثمار الشركات مرنين. وتابعت “هذه المرة قد تكون مختلفة حقًا”.
ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن ساهم قولها إن هذه الزيادة في معدل البطالة كانت في الماضي تتسق مع “بواكير الركود”. وأضافت ساهم “ربما لم نصل إليه (الركود) لكننا نقترب منه بصورة غير مريحة”.
الخبير الاقتصادي الروسي ألكسندر نازاروف، الذي توقع “أرمجدّون البورصات” قبل عام ونصف، وحذر من خطر انهيار البورصات والاقتصادات في الغرب، وأشار إلى أن البنوك المركزية الغربية بين فكي التضخم وأسعار الفائدة، يذهب بعيدا في توقعاته، ويقول: “ستحاول البنوك المركزية تجنب ذلك من خلال طباعة النقود وإعطائها لكل من لديه مشاكل. لكن الحقيقة هي أنه مع كل موجة من هذا القبيل يزداد حجم المشكلات وفي كل مرة يكون من الضروري طباعة المزيد من الأموال. وفي إحدى هذه الموجات، سيتم فقدان السيطرة وسيكون هناك إما انهيار انكماشي وإغلاق الاقتصاد العالمي، أو سيبدأ التضخم المفرط”.
ويضيف: “تذكروا أننا نمرّ بكل هذه الأحداث بفضل حقيقة أن الولايات المتحدة قامت بفك ارتباط الدولار بالذهب في سبعينيات القرن الماضي، وبدأت في طباعة النقود غير المدعومة بالسلع بشكل غير محدود.
لقد عاش الأميركيون والأوروبيون حياة جيدة في العقود الأخيرة بفضل حقيقة أن عملاتهم تتمتع بمكانة العملات العالمية. تصرفوا بشكل غير مسؤول، وأساؤوا استخدام حقهم في طباعة العملات العالمية، وأنشأوا هرما عالميًا من الديون، سيدفع الكوكب بأكمله ثمن انهياره”.
وختم المنشور قائلًا: “بدأنا الآن ننتقل من الموت بسبب الانهيار الانكماشي إلى الموت بسبب التضخم المفرط إذا امتد انهيار سوق الأوراق المالية اليابانية إلى أسواق أخرى، وإذا استأنفت البنوك المركزية الغربية برامج التيسير الكمي”. ويختتم نازاروف بنصيحة قائلًا: “احتفظوا بمدخراتكم بالذهب والفضة، ولكن ليس بالدولار واليورو”.