الإنسان المنغمس كائن جديد له واقع وأدب وحياة وموت مختلفين

عمان - يتناول كتاب “العهد الآتي في ظل الثورة الصناعية الرابعة” للكاتب الأردني محمد سناجلة، التحديات التي تطرحها الثورة الصناعية الرابعة في شتى نواحي الحياة.
يناقش الفصل الأول من الكتاب، الذي صدر عن وزارة الثقافة الأردنية، “مستقبل الموت” بعيدا عن أطروحات الفلسفة والأدب، وقريبا من التطورات التقنية والعلمية وآفاقها المستقبلية.
وجاء الفصل الثاني بعنوان “مستقبل الطب والمرض”، مستشرفا انتهاء أمراض السرطان والعمى والسمع، ومتوقعا أن الكآبة ستكون مرض العصر القادم في ظل المعطيات والتطورات الحالية والمستقبلية التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة.
أما الفصل الثالث فجاء بعنوان “مستقبل الوظائف والعمل”، ويتحدث عن التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، فمن المتوقع أن يتم الاستغناء عن حوالي 85 مليون وظيفة ومهنة حالية، ولكن الكاتب يستشرف في المقابل الفرص الكثيرة التي تطرحها الثورة الصناعية الرابعة لسوق العمل، إذ سيتم توفير نحو 90 ألف وظيفة ومهنة جديدة مقابل المهن والوظائف التي انتهى زمنها.
ويتحدث الفصل الرابع عن مستقبل الزراعة والغذاء، ويوضح الكاتب فيه أن الزراعة الرقمية ستقود مستقبل الإنتاج الغذائي في العالم خلال العقود المقبلة، مؤكدا أن التحول للزراعة الرقمية أمر حتمي مع ازدياد أعداد البشر وحاجتهم المستمرة للمزيد من الطعام.
ويتحدث سناجلة عن “مستقبل الإنترنت” في الفصل الخامس من كتابه، مشيرا إلى أن إنترنت المستقبل ستتجسد في “الميتافيرس” التي هي عبارة عن جسر تقني بين عالمين. ويتناول الكاتب بالتفصيل الصراع على “الميتافيرس” بين كبرى الشركات العالمية والدول التي تحاول السيطرة على إنترنت المستقبل، وكذلك الفرص الاستثمارية التي تتيحها الميتافيرس وخصوصا في قطاع العقارات الرقمية.
وجاء الفصل السادس مختلفا في عنوانه الذي يؤكد أن “الذكاء الاصطناعي هو المستقبل”. ويطرح الكاتب فيه عددا من الأسئلة الجوهرية مثل: هل يمكن أن يتحد العقل البشري مع العقل الاصطناعي لتشكيل إنسان جديد خارق؟
وأفرد الكاتب مساحة واسعة للفصل السابع الذي جاء تحت عنوان “مستقبل الأدب والرواية في ظل الثورة الصناعية الرابعة”، مرجحا شيوع “الإنسان المنغمس”، أي المنخرط تماما في العالم الافتراضي باستخدام حواسه الخمس، فهو يحس ويرى ويسمع ويشم ويتذوق داخل هذا العالم، وهو مختلف عن الإنسان الافتراضي الذي لم يكن قادرا في ظل الثورة الصناعية الثالثة على استخدام حواسه الخمس كافة، وهذا هو الفرق الأساس بين “الإنسان الافتراضي” و”الإنسان المنغمس”.
ويوضح الكاتب أن هذا الإنسان الجديد بمجتمعه الجديد بحاجة إلى أدب مختلف ورواية من نوع آخر للتعبير عنه، مؤكدا أن أدب ورواية “الواقعية الرقمية” هي أدب المستقبل. ويشرح في هذا السياق نظرية “الواقعية الرقمية” بإسهاب، مستعرضا “الواقعية الرقمية/ النظرية العامة” التي تتحدث عن الشكل والأسلوب، و”الواقعية الرقمية/ النظرية الخاصة” التي تتحدث عن “الإنسان المنغمس” بمجتمعه الجديد.
إنترنت المستقبل ستتجسد في “الميتافيرس” التي هي عبارة عن جسر تقني بين عالمين
يقول الناقد والمفكر المغربي سعيد يقطين في معرض تقديمه للكتاب “يأتي هذا الكتاب ليحمل رؤية استشرافية للمستقبل الذي دشّن منذ ثمانينيات القرن الماضي مع ما أحدثته الثورة التكنولوجية الجديدة للمعلومات والتواصل، والذي بات يتطور بوتيرة تجعل من الصعوبة بمكان مواكبتها أو التساؤل بصددها ومناقشة ما تطرحه من قضايا وإشكالات على المصير الإنساني”.
ويشير يقطين إلى أن هناك قيمتين خاصتين يجسدهما هذا الكتاب، تكمن أولاهما في “استجماع المؤلف لما تفرق من معلومات حول المستقبل الذي يتطور بوتيرة لم يسبق أن تحققت في أيّ حقبة من حقب تطور التاريخ الإنساني”، فهو “يبدأ من مستقبل الموت، وينتهي بالإبداع، مرورا بقضايا حيوية متعددة تتصل بالإنسان في علاقته بالواقع والممكن، والمحتمل، والمفترض، والحال والاستقبال”.
أما الخاصية الثانية فتتمثل – وفقا ليقطين – في أن الكتاب “يفتح إمكانات للحوار العربي حول هذا المستقبل الذي يخطَّط له، ويصنَع خارج مجال المساهمة العربية فيه”.
ويضيف “لقد بدأنا دخول العصر الرقمي من دون أن نفتح بخصوصه أيّ نقاش فكري أو معرفي أو فلسفي على الصعيد العربي. فكان اشتغالنا بما وفرته التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل عبارة عن (أدوات) أو (وسائل)، ولكن من دون تصور أو رؤية دقيقة تمكّننا من الاستفادة منها والمشاركة فيها على غرار ما تشهده البلدان المتطورة”