نظام تأمين جديد يوسع قاعدة المحرومين من الحماية الاجتماعية في الأردن

يثير نظام تأمين جديد أقرته الحكومة الأردنية قبل أكثر من شهر ودخل حيز التنفيذ في أغسطس الجاري، غضبا في الأوساط الحقوقية التي عدته محاباة للمؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة على حساب حقوق العمال.
عمان - دخل نظام تخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص لسنة 2024، حيز التنفيذ مطلع أغسطس الحالي، وسط جدل واسع في الأردن حوله، حيث يقول خبراء وحقوقيون في المملكة إن النظام الجديد الذي أقره مجلس الوزراء في يونيو الماضي، يوسع قاعدة المحرومين من الحماية الاجتماعية.
ويهدف النظام الجديد، بحسب الحكومة الأردنية، إلى تنظيم أحكام تخفيض الاشتراكات الشهرية التي تؤديها المنشأة من أجور المؤمن عليهم المتعلقة بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص، وتحديد نسب التخفيض والشروط والقطاعات والأنشطة المستفيدة منه.
ويأتي إقرار النظام الجديد، بعد تعديلات طالت قانون الضمان الاجتماعي، وسمحت لأصحاب العمل بتخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة لعاملين بشروط.
ويصب النظام الجديد في صالح المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة، والتي عانت طويلا لاسيما من مخلفات جائحة كورونا، لكن ذلك على حساب العمال.
ووجه خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، الأحد انتقادات حادة لإقرار نظام تخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة. وقال الصبيحي في منشور على صفحته على “فيسبوك”، إن الأصل أن تعمل الدولة بكل أركانها ومؤسساتها على توسيع قاعدة المشمولين بنظم الحماية الاجتماعية لمواطنيها، أَمَّا أن تصدر أنظمة توسّع من نطاق الحرمان من الحماية وتقلّص من فُرَصها للمواطن، فهذا لا يمكن فهمه ولا يمكن تسويغه ولا يمكن قبوله.
ولفت خبير التأمينات إلى أن أكثر ما أثار غضبه في النظام الجديد هو التوسع في المنشآت المشمولة بالنظام الجديد، فلم تعد تلك المنشآت الصغرى أو متناهية الصغر التي لا يزيد عدد العاملين فيها عن 25 عاملاً فقط، والتي ربما تحتاج إلى نوع من التحفيز والتمكين حتى يصلب عودها، لكن النظام امتد مع الأسف إلى المنشآت متوسطة الحجم التي يعمل فيها ما لا يقل عن 26 عاملاً ولا يزيد عن 50 عاملاً.
ويسمح النظام الجديد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص بتخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين لديها ممن دون سن الثلاثين بنسبة 40 في المئة بالنسبة للمنشآت الصغيرة و30 في المئة بالنسبة للمنشآت المتوسطة.
وسيحرم ذلك الآلاف من العاملين والعاملات في تلك المنشآت من حق أساسي لهم، وسيُضعف من الحمايات الاجتماعية المقدمة لهم، وسيؤثر سلبا على رواتبهم التقاعدية مستقبلا.
وأوضح الصبيحي “باختصار هذا النظام يشمل حوالي 96 في المئة من المنشآت الخاضعة لأحكام قانون الضمان حالياً، أي حوالي 70 ألف منشأة فعّالة، والنسبة العظمى من المنشآت هي ما بين صغرى ومتوسطة ومن فئة المنشآت التي لا يزيد عدد العاملين فيها عن 50 عاملاً وفقاً لبيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهذا للأسف أشدّ وقعاً وأكثر ضرراً بالعاملين الذين تنطبق عليهم أحكام هذا النظام، والذين ستتأثر فترات اشتراكهم بالضمان تأثراً سلبياً مباشراً جرّاء تخفيض ما تدفعه المنشآت عنهم لقاء شمولهم بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة”.
وأضاف أن “هذا التوسع سيؤدّي إلى تشوّهات بالغة في منظومة الحماية الاجتماعية في الدولة فبدلاً من أن نسعى إلى ترسيخ أرضية الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها، نعمل على خلخلتها وتشويهها مع الأسف، وهذا النظام الذي توسّع بشكل كبير في شمول منشآت القطاع الخاص التي لا يزيد عدد العاملين فيها على 50 عاملاً، سوف يلحق الأذى بالعاملين الشباب الأردنيين الذين لم يكملوا سن الثلاثين ولم يسبق لهم الشمول بالضمان. فلن تُحتَسَب كامل خدماتهم في هذه المنشآت كاشتراكات ضمان وإنما جزء منها اعتماداً على نسبة التخفيض الممنوحة لها”.
النظام الجديد يصب في صالح المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة، والتي عانت طويلا لاسيما من مخلفات جائحة كورونا، لكن ذلك على حساب العمال
وشدد الصبيحي على التوسع الذي جاء به النظام المذكور ما من شأنه أن يوسّع من نطاق الحرمان من الحماية الاجتماعية أو الانتقاص منها على الأقل!..
وبدا واضحا أن حكومة بشر الخصاونة تريد استغلال الفترة المتبقية لها قبل الانتخابات النيابية المقررة في سبتمبر المقبل، من أجل تمرير حزمة من الإجراءات والقرارات التي يوصف بعضها بـ“غير الشعبي “، وبالتالي تعبيد الطريق أمام حكومة جديدة ستتولى عقب الانتخابات إدارة مرحلة سياسية جديدة في البلاد، تقوم على فسح المجال أمام تشكيل حكومات برلمانية مستقبلا.
وكان المرصد العمالي الأردني حذر في وقت سابق من الآثار السلبية للنظام الجديد للتأمين. وأشار إلى أن “هذا النظام يتناقض مع توجهات الدولة الأردنية لضمان انخراط الشباب في سوق العمل الذين قاربت معدلات البطالة بينهم الـ50 في المئة، إذ نرى أن هذا النظام سيصعب من مهمة البحث عن عمل للشباب، ما سيؤدي إلى زيادة معدلات البطالة العالية أصلا”.
واعتبر المرصد أن النظام الجديد سيشجع منشآت القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة على الاستغناء عن العاملين لديها ممن فوق سن الثلاثين واستبدالهم بعاملين أدنى من ذلك السن، بهدف التوفير من قيمة الاشتراكات التي يدفعونها إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي، ومن شأن ذلك دفع الشباب نحو المطالبة بالعمل في القطاع العام الذي يتمتع بحماية اجتماعية أفضل من القطاع الخاص.