"تخيل" سيكودراما موسيقية تختتم مهرجان الحمامات الدولي بتونس

العرض يشكّل حالة درامية بمضامين جمالية تخاطب العقل والعاطفة وتنفذ إلى العمق الإنساني.
الاثنين 2024/08/05
عمل فني تجريبي

تونس - اختتم مهرجان الحمامات الدولي دورته الثامنة والخمسين على إيقاع معالجة درامية ونفسية للموسيقى تستحضر على الخشبة فنونا متنوعة، من خلال عرض “تخيل” للموسيقي كريم ثليبي من إنتاج مسرح أوبرا تونس.

وعلى مسرح الحمامات تجلى عمل فني تجريبي من تأليف وتوزيع كريم ثليبي عن رواية للأديب محسن بن نفيسة “غدا.. يوم القيامة”، وهو نتاج بحث علمي ومخبري وكتابة أركسترالية معاصرة.

يقدم العرض من خلال الأوركسترا السمفوني والفنانين المؤدين قصة عجوز تسكن رصيف محطة قطار، تفترش الأرض، تبيع نهارا بعض الحلي، وتنام ليلا في المكان نفسه. تمضي السنين الطوال، وتزداد عزلة العجوز واغترابها، تُختزل عندها مفاهيم الحياة والجسد حتى تصاب بالعمى وتتخلص من قدرتها على رؤية نظرات الآخرين لها. تفرح بهذا العمى لأنه سينقلها نهائيا إلى عالم آخر تهتم فيه بداخلها بعيدا عن عالم البصر والألوان والاهتمام الزائف بنظرة الآخر إليها.

وكان الروائي محسن بن نفيسة أوضح في تصريحات صحفية أنّ “العرض هو تعبير عن حكاية كريم ثليبي الشخصية، حكايته مع امرأة مسنّة كان يلتقيها بساحة برشلونة في العاصمة تونس، كلما قدم عبر القطار من الجنوب التونسي، فشغلته لسنوات إلى أن جسّدها في سيكودراما موسيقية أساسها ذاكرته وذكرياته عنها، حركاتها وانفعالاتها وحتى المكتوم في صدرها، فتبنّيت حكايته وكتبت بعض المشاهد الخاصة للعرض وفق ما سمعته منه”.

عناصر بصرية وصوتية وحسية تضافرت على الخشبة لترسم ملامح أخرى للصراع والألم حيث حضرت الكوريغرافيا بإمضاء عبدالقادر دريحلي والسينما عبر الشريط السينمائي بإمضاء عبدالحميد بوشناق ورامي جربوعي والمسرح من خلال إخراج وليد الدغسني.

وجهة نظر درامية تنقل اللحظات الانفعالية من خلال الأصوات والآلات والأوركسترا والكورال وتحولها إلى طاقة تغازل كل الحواس

وفي العرض أيضا مرفقات صوتية بإمضاء كريم ثليبي تستحضر الألم والوجع وتروي حكاية أم ابتلع البحر ابنها فما عادت دموعها تستجيب لحرقتها وتؤدي دورها في الشريط السينمائي الممثلة فوزية بدر التي وظّفت تعبيراتها ونظراتها لتستنطق المأساة.

تأويلات نفسية مختلفة ظهرت خلال العرض الذي يشكّل حالة درامية بمضامين جمالية تخاطب العقل والعاطفة وتنفذ إلى العمق الإنساني في إطار صراعه مع  جسده وإرثه المنهك بالوجع.

وعلى نسق موسيقى الأوركسترا السمفوني التونسي بقيادة المايسترو محمد بوسلامة، وبحضور الفنانين ناي البرغوثي وزياد الزواري وهيثم الحذيري ومحمد علي شبيل وحسين بن ميلود وهادي فاهم وصابر رضواني وسيرين هرابي وحمدي الجموسي ونصرالدين الشبلي، وأصوات أوبرا تونس اتخذ العرض أبعادا سيكولوجية توغل في الدواخل وتقحم المشاهد في الحكاية.

وكما عنوانه، يتيح العرض تخيلات لامتناهية وينفتح على تأويلات واحتمالات كثيرة استنادا إلى قراءة موسيقية متطورة ومعاصرة، تنبع من جماليات الموروث الموسيقي التونسي لتخلق تجليات تدعو إلى التفكير.

ويقترح “تخيل” وجهة نظر درامية تنقل اللحظات الانفعالية من خلال الأصوات والآلات والأوركسترا والكورال وتحولها إلى طاقة تغازل كل الحواس وتدغدغ الذكريات وتوغل في دواخل النفس.

وفي العرض الخاص بمهرجان الحمامات الدولي لفتة للملحمة الفلسطينية من خلال ديو بين الفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي والفنان التونسي صابر الرضواني حيث التقى الموروث الموسيقي الفلسطيني والتونسي فيما ظهرت صور من المجازر في الشاشات في عمق الخشبة قبل أن تتوشح بالراية الفلسطينية.

وهذه السيكودراما الموسيقية توجِد سبلا بين لغة الموسيقى ولغة الجسد وفيها تتعدد العناصر الفنية التي تراوح بين ما هو تسجيلي وما هو حي مباشر ويحدث أن يلتقيا في ذروة الانفعالات.

Thumbnail
15