واشنطن تمضي في تهيئة الأجواء لمفاوضات جنيف رغم لاءات البرهان

نجاح المبادرة الأميركية مرتبط بكبح التيار الإسلامي في السودان.
السبت 2024/08/03
هل تنجح تحركات توم بيرييلو في دفع البرهان إلى الحوار

تواجه المبادرة الأميركية لحل الأزمة السودانية الكثير من المطبات، أخطرها موقف التيار الإسلامي الذي يختطف سلطة القرار في الجيش، ولا يزال يصر على إجهاض أي مبادرة للسلام.

الخرطوم - تحاول الولايات المتحدة تجاوز الارتدادات السلبية لمحاولة اغتيال قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان قبل أيام من انطلاق مفاوضات جنيف، ما طرح أسئلة حول قدرتها في الضغط عليه كطرف يتحفظ على الذهاب إلى سويسرا.

واستكمل المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو جولته الأفريقية بزيارة إثيوبيا، مساء الأربعاء، بعد زيارات سريعة قام بها لكل من مصر وكينيا وجيبوتي.

وكان من المقرر أن تتضمن زيارة بورتسودان ولقاء البرهان، غير أن خلافا حول الترتيبات اللوجستية ومكان انعقاد اللقاء عرقله، حيث طلب المبعوث الأميركي عقده في مطار بورتسودان لاحترازات أمنية، لكن الجيش رفض ذلك.

وأصبحت الإدارة الأميركية بحاجة إلى فتح قنوات اتصال جديدة مع قائد الجيش للتعرف على موقفه من اجتماعات جنيف في الرابع عشر من أغسطس، وتأمين خطوات تهدئة تواجه رفضا من مجموعات محسوبة على التيار الإسلامي في الجيش.

وعقب استهداف طائرتين مسيرتين حفل تخرج طلاب من الكلية الحربية بولاية البحر الأحمر حضره البرهان، الأربعاء، قال قائد الجيش “إنه لن يتفاوض مع قوات الدعم السريع ولا يخشى الطائرات المسيرة”، في إشارة لممانعته تلبية الدعوة الأميركية.

كمال بولاد: أوراق الضغط الأميركية مبعثرة، وتسيطر عليها التناقضات
كمال بولاد: أوراق الضغط الأميركية مبعثرة، وتسيطر عليها التناقضات

وفي الوقت الذي نفت فيه قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن استهداف البرهان، أشارت أصابع الاتهام إلى عناصر إسلامية داخل الجيش تخشى من مغبة التوقيع على اتفاق سلام يفضي إلى تهميشها مرة أخرى وخروجها من معادلة السلطة في المستقبل.

ويصطدم الموقف الأميركي بالموافقة المشروطة للحكومة السودانية على المشاركة في محادثات سويسرا، والتي قد تسهم في إجهاض جلوس الجيش على طاولة تفاوض مباشرة، وعلى بيرييلو إقناع القوى الإقليمية القريبة من الجيش السوداني، مثل مصر، الضغط عليه للانفتاح على المباحثات الجديدة.

يقول مراقبون إنه على الولايات المتحدة كبح التيار الإسلامي الذي وجد في محاولة اغتيال البرهان فرصة للمزيد من إشعال الحرب، بحجة أن ما حدث في ولاية البحر الأحمر التي طالتها الهجمات العسكرية لأول مرة يشير إلى أن المعارك اقتربت كثيراً من المناطق التي يتحصنون فيها بشرق السودان.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الولايات المتحدة مضطرة للضغط على الجيش بما يفوت الفرصة على قوى دولية معادية لها قد تدخل على خط مساندة البرهان على نحو أكبر بعد محاولة اغتياله، ومن ثم سيكون على الجيش دفع ثمن باهظ لهذا التعاون.

وقد تؤدي مساعدة الاستخباراتية الأميركية بالمعلومات في تحديد هوية مرتكبي محاولة اغتيال البرهان، وبالتالي تعزيز الثقة في واشنطن كوسيط في المباحثات، ويمكن أن يشكل ذلك مدخل مهم بالنسبة للإدارة الأميركية، وسيتحول الموقف إلى أزمة، إذا تبين أن من حاولوا الوصول للبرهان عناصر من داخل الجيش.

وكشفت مصادر سودانية لـ“العرب” أن محاولة اغتيال البرهان يمكن أن تستثمرها واشنطن لممارسة ضغوط نوعية على الجيش في حالة وجود تواطؤ من داخله أو تمثيلية من خارجه، وقد تكون أداة لحث الأطراف القريبة منه والرافضة لمفاوضات جنيف على أن استمرار الحرب ليس في صالحها، وضرورة الذهاب إلى الاجتماعات وأن التهدئة قد تبنى عليها عملية سياسية مستقبلية لا تتجاوزها بشكل نهائي.

وتعد تلميحات صدرت من قبل بعض المصادر السودانية حول مسؤولية كتائب البراء الإسلامية استهداف قائد الجيش من العلامات التي تعزز التقديرات بشأن انقسام حاد في معسكر الجيش، ما يعني المزيد من الضعف في هياكله، بما يُبقي الفرصة مواتية للحصول على جزء من المكاسب السياسية عبر السلام، وليس الحرب. ويريد البرهان الخروج من عزلة نسبية تحيط به، وربما توفر له مفاوضات جنيف فرصة لتفكيكها، ما يشكل حافزا نحو الاتجاه إليه من جانب بعض الأطراف الإقليمية.

 وتدرك الولايات المتحدة ذلك وسوف تمضي في الضغط والإقناع، لأن حديث قائد الجيش حيال عدم التفاوض مع قوات الدعم السريع لا يمكن أخذه على محمل الجد، لأنه جاء بعد محاولة الاغتيال، وثمة مواقف سابقة تراجع فيها عما أعلنه.

وتخشى الولايات المتحدة من تهديد نفوذها في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي من قبل روسيا وإيران، ولديها رغبة حاليا أن تكون حلحلة الأزمة السودانية ضمن أدوات الاستعداد للانتخابات المقبلة، وتشكل تهيئة الأجواء أمام مفاوضات جنيف ضمانة قد تجعل واشنطن أكثر نشاطا الفترة المقبلة.

الإدارة الأميركية تسعى للضغط على أطراف على صلة بالجيش وقوى إسلامية للتمهيد لوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية حقيقية بين الجيش والدعم السريع، غير أنها قد لا تنجح في مهمتها

ومن المتوقع أن تزداد التحركات الأميركية نشاطا وتشهد تعاونا مع قوى إقليمية صديقة لها مصالح في استقرار منطقة البحر الأحمر وتجاوز النتائج التي ترتبت عن استهداف البرهان في قاعدة جبيت الواقعة على بعد مئة كيلومتر عن مدينة بورتسودان.

وقال القيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) كمال بولاد إن قدرة الولايات المتحدة على تجاوز المطبات في السودان ترتبط بمدى ارتباط تسوية الأزمة السودانية بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ومدى شعور واشنطن بالخطر الذي يمكن أن يحققه تقارب الجيش مع إيران وروسيا، وقد يكون ذلك دافعا قويا لإنجاز المفاوضات، بجانب مدى شعورها بالقلق من تدهور الأوضاع الإنسانية الكارثية في السودان.

وأوضح بولاد في تصريح لـ“العرب” أن العوامل الداخلية في السودان والمضي في تدويل الحرب يدفعان نحو إطالة أمدها وليس نحو إطفائها كما تسعى الولايات المتحدة عبر المفاوضات المقبلة في جنيف، وظهر ذلك في مواقف التيار الإسلامي الذي يتعامل مع استمرار الحرب كمنقذ له بعد إبعاده عن سلطة سيطر عليها نحو ثلاثة عقود، ويسعى للعودة إليها، حيث يعتقد الإسلاميون أن وقف الحرب يفتح الطريق إلى استكمال شعارات الثورة السودانية وصولاً إلى التحول الديمقراطي.

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تسعى للضغط على أطراف على صلة بالجيش وقوى إسلامية للتمهيد لوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية حقيقية بين الجيش والدعم السريع، غير أنها قد لا تنجح في مهمتها، ويدفع السودانيون ثمنا لذلك.

وأوضح كمال بولاد لـ“العرب” أن أوراق الضغط الأميركية مبعثرة، وتسيطر عليها التناقضات، وكان يمكن استخدامها في مرحلة سابقة بالضغط على قائد الجيش لإبعاد الإسلاميين وإعادة بناء المؤسسة العسكرية، أو الضغط على القوى الإقليمية لممارسة دور أكبر لإطفاء الحرب، ولم يقد التناقض بين هذه الأوراق واختلاف حسابات الولايات المتحدة مع كل طرف إلى نتيجة إيجابية مباشرة على الأرض.

وكانت الخارجية الأميركية قد وجهت منذ أسبوعين دعوة للجيش والدعم السريع للمشاركة في محادثات بسويسرا في منتصف أغسطس، وردت الأخيرة بالموافقة، فيما طلبت وزارة الخارجية السودانية ما أسمته بـ“توضيحات ومشاورات استباقية حول الأجندة والأطراف”.

2