ضغوط شعبية متزايدة على الإدارة الذاتية لأكراد سوريا لنبذ الخلافات

لا يخفي الأكراد في شمال شرق سوريا توجسهم من إمكانية حصول تطبيع بين دمشق وأنقرة، وما قد يشكله ذلك من تهديد للمكاسب التي راكموها طيلة السنوات الماضية، ويتضاعف منسوب القلق لدى المكون الكردي في ظل حالة الانقسام العمودي التي تشهدها ساحتهم السياسية.
الحسكة (سوريا) - يحاول وجهاء من الأكراد إقناع قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ”قسد” بأهمية المضي قدما في الحوار الكردي – الكردي المعطل منذ نحو خمس سنوات، في ظل حالة من القلق حيال التحولات التي تشهدها سوريا في علاقة بمحيطها ولاسيما المسار الجاري لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
ويخشى الأكراد من أن يفضي المسار الجاري تعبيده برعاية روسية في ضياع المكاسب التي حققها الأكراد طيلة السنوات الماضية والمتمثلة في تأسيس إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، وبناء مؤسسات خاصة بهم.
وأبدت تركيا مؤخرا رغبة في تطبيع العلاقات مع الرئيس بشار الأسد، ويقول محللون إن ضرب المشروع الكردي في شمال شرق سوريا، هو أحد أهداف تركيا الرئيسية من إعادة العلاقات مع سوريا.
ويلفت المحللون إلى أن دمشق تتقاطع في الموقف مع أنقرة حيال المشروع الكردي، وهي قد ترى في أن التعاون المشترك مع تركيا سيكون مفيدا، كما سيشكل ضغطا على الطرف الأميركي المتواجد في المنطقة، والذي يوفر الغطاء للإدارة الذاتية.
وحرص وجهاء أكراد قدموا من مناطق مختلفة في شمال شرق سوريا للقاء مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، على التأكيد على أهمية استئناف الحوار بين الفرقاء الأكراد، في ظل التحديات التي تواجه القضية التركية.
يحاول وجهاء من الأكراد إقناع قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ"قسد" بأهمية المضي قدما في الحوار
وقال المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية عبر موقعه الرسمي، الأربعاء إن ممثلين عن مناطق كوباني، والشهباء، وحلب، وعامودا، والحسكة، وصرين والدرباسية، ناقشوا مع عبدي دعم الحوار الكردي – الكردي، للحفاظ على التماسك والوحدة الوطنية الكردية والاستقرار في شمال شرقي سوريا.
ووفق ما نشرته “قسد” فإن المشاركين اعتبروا أن الحوار مع كل الأطراف “ضروري لتطوير الإدارة الذاتية وترسيخ مؤسساتها، كسبيل لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية للسكان”.
وطالب الوجهاء بتوسيع قرار العفو ليشمل العفو السياسي، لما له من دور في تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية والمجتمعية. وكانت الأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية شنت خلال الفترة الماضية حملة اعتقالات طالت نشطاء أكراد مناهضون، ومن ضمنهم قيادات وأعضاء ينتمون لأحزاب المجلس الوطني الكردي.
ويرى مراقبون أن تدخل الوجهاء وممثلي المناطق الكردية لإحياء الحوار الكردي – الكردي، يعكس وعيا بأهمية الوحدة في مواجهة منغصات الداخل والخارج، حيث أن حالة التفكك الراهنة هي ثغرات يستغلها الخصوم للنفاذ وضرب مشروع لطالما حلموا به وحققوا جزءا مهما منه بعد الأزمة التي ألمت بسوريا.
ويرى مراقبون أن التحدي الحقيقي يكمن في مدى رغبة الفرقاء الأكراد في اللقاء في منتصف الطريق ونبذ الخلافات جانبا خاصة خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
وتسود حالة من الانقسام العمودي الساحة الكردية بين تحالف الوحدة الوطنية، الذي يتزعمه الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، في ظل خلافات أيديولوجية وفكرية بينهما، فضلا عن انقسامات من حيث الولاءات.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 عمل حزب الاتحاد الديمقراطي وباقي الطيف السياسي الذي يتشاركه نفس الرؤى اليسارية القريبة من حزب العمال الكردستاني (حزب كردي في تركيا يخوض صراعا مع أنقرة) على تعزيز نفوذه في شمال شرق سوريا، مستغلا الفراغ الذي أحدثه انسحاب دمشق للتركيز على جبهات أخرى مشتعلة آنذاك.
وقد نجح الاتحاد الديمقراطي وذراعه وحدات حماية الشعب في فرض إدارة ذاتية للمنطقة، وعزز حضوره من خلال التحالف مع الولايات المتحدة في العام 2015 عبر تشكيل قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها الوحدات لمواجهة تنظيم داعش.
التحدي الحقيقي يكمن في مدى رغبة الفرقاء الأكراد في اللقاء في منتصف الطريق ونبذ الخلافات جانبا خاصة خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة
وتمكن الاتحاد الديمقراطي من توسيع نطاق سيطرته الجغرافية، بعد دحر تنظيم داعش في العام 2017، ولم يكتف الحزب بذلك بل عمل على تعزيز قبضته عبر الاتفاق مع نحو 24 حزبا سياسيا كرديا لتشكيل تحالف سياسي في العام 2020 أطلق عليه الوحدة الوطنية الكردية.
في المقابل عمدت القوى السياسية ذات التوجهات الليبرالية إلى تبني نهج مخالف من خلال تشكيل تحالف أطلق عليه المجلس الوطني الذي انضم إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يحظى بدعم من تركيا.
واعتقد المجلس أن بانضمامه للمعارضة السورية فإن ذلك سيؤهله للعب دور متقدم في المشهد السوري، لكن النكسات التي منيت بها الأخيرة أضعفته بشكل كبير، وهو يبحث اليوم عن إعادة التموقع في شمال شرق سوريا، لكن الاتحاد الديمقراطي يرفض منحه هذه الفرصة.
ويرى متابعون أن الإشكال الرئيسي الذي يعوق فرصة التوصل إلى اتفاق كردي – كردي هو الصراع على النفوذ فالاتحاد الديمقراطي يرفض أي شراكة قد تسبب له متاعب لاحقا، في المقابل فإن المجلس الوطني يصر على أن يكون طرفا فاعلا في الإدارة الذاتية كما يطالب بعودة قواته “بيشمركة روج” المتواجدة حاليا في معسكرات بشمال العراق.
ويقول المتابعون إن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على دفع الطرفين لطاولة الحوار، وقد أبدت بالفعل رغبة في رعاية عملية تفاوضية بين الطرفين، واستكمال ما تم التوصل إليه قبل نحو خمس سنوات.
في المقابل يعتبر البعض أن الاتحاد الديمقراطي وإن اضطر إلى الحوار مع المجلس الوطني فإن ذلك سيكون فقط من باب المناورة، فهو ليس على استعداد لمنح ما أنجزه طيلة سنوات على طبق الحوار للمجلس الوطني.