مهرجانات الرطب في الإمارات موسم الامتنان للنخلة

زراعة نخيل التمر وكل المنتجات المتعلقة به، ليست مجرد نشاط اقتصادي قديم متوارث في الإمارات، بل هي ثقافة تتناقلها الأجيال وتراث ارتبطت به فنون عديدة، كما شكل عنصرا أساسيا في الهوية الإماراتية، شأنها شأن بقية الأقطار العربية، إذ النخيل يتجاوز وظيفته كشجرة مثمرة إلى ركيزة من ركائز الحضارة العربية.
شيماء يحيى
دبي - تحتفي مدن الإمارات هذه الأيام بموسم جني البلح، وتنظم بهذه المناسبة عدة مهرجانات كبرى تجمع مزارعي النخيل، ومصنعي المنتجات القائمة على البلح، ومحبي الرطب.
تعرض المهرجانات أنواعا فاخرة من البلح، وتستقبل المئات من الزوار يوميا للاطلاع على منتجات النخيل، وشراء احتياجاتهم منها، ويتعرفون على سلع يتم إنتاجها من التمر والنخيل.
عروض ومسابقات
يستمتع زوار “مهرجانات الرطب” بعروض فنية مستوحاة من التراث الإماراتي، فيما يتعرف المزارعون على أفضل طرق زراعة النخيل وكيفية الاهتمام بعمليات الزراعة وفحص التربة ومعالجتها، والتوسع في مزارعهم. ومع تعدد مهرجانات الرطب وزيادتها على مستوى الإمارات، يجد المزارعون منافذ كبرى لعرض إنتاجهم من البلح والاحتفاء به، ويعتبرون هذه المهرجانات موسما لـ”الامتنان للنخيل”.
وتكتسب هذه المهرجانات طابعا خاصا، حيث كانت لشجرة نخيل التمر أهمية كبيرة في حياة الإماراتيين منذ القدم، وشكل التمر دورا مهما في تلبية الاحتياجات الغذائية للقبائل التي كانت تسكن الصحراء على مر العصور، بما في ذلك القبائل التي سكنت أراضي دولة الإمارات.
ويتميز الرطب بقيمة غذائية عالية، بينما كانت الجذوع والجريد وأجزاء أخرى من النخيل تستخدم قديما في البناء والحرف اليدوية وصناعة الأدوات المنزلية.
كما تعتبر شجرة النخيل عنصرا ثقافيا أصيلا يشكل هوية الإماراتيين، وحولها تنسج الكثير من العناصر التراثية الأخرى الراسخة في وجدان كل شخص، ما يجعل الاحتفاء بالنخيل احتفاء بعنصر ثقافي وتراثي راسخ.
ومن أبرز هذه المهرجانات، مهرجان “دبي للرطب” الذي ينظمه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بدبي، والذي يهدف إلى تعزيز قيمة النخلة، والتشجيع على زراعتها والاهتمام بها، باعتبارها تمثل رمزا تراثيا وثقافيا مهما في مجتمع الإمارات.
ويقول عبدالله حمدان بن دلموك الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث “يشهد المهرجان المنعقد حاليا إقبالا كبيرا من المزارعين والزوار ومحبي التمور من مختلف أنحاء الإمارات، وأيضا إقبالا من السائحين من مختلف الجنسيات، وهو ما يحقق أهدف المهرجان بالمحافظة على زراعة النخيل وتحسين جودة إنتاجها من التمور”.
ويتابع “تعمل مهرجانات الرطب في الإمارات على تعزيز موقع دولة الإمارات، في قطاع الثروة الزراعية بشكل عام وترسيخ مكانتها في مجال زراعة النخيل بشكل خاص، والتي تشتهر بتنوع وجودة أصنافه”. ويضيف “يتميز ‘دبي للرطب’ بتنظيم منافسات بين الجهات الحكومية المعنية برعاية زراعة النخيل، ومسابقات للمهتمين بزراعة النخيل في منازلهم”.
وتقول عنود البلوشي مدير “دبي للرطب”، “يهدف المهرجان إلى تحفيز المزراعين على زراعة النخيل والاهتمام بجودة إنتاج الرطب، ولا نريد لهذه الشجرة أن تكون ماضيا نحتفي به فقط”. وتضيف “يحرص المهرجان على تعريف المزراعين بأفضل الممارسات العالمية لزراعة النخيل وكيفية المحافظة عليها، وسبل إنتاج أنواع من البلح تتمتع بجودة عالية”.
وذكرت أن المهرجان يعد فرصة مثالية للمزراعين لتبادل الخبرات في مجال الزراعة وتحسين الإنتاج وتسويق إنتاجهم من الرطب. وتابعت “يشارك في المهرجان خبراء متخصصون في مجال الزراعة، وهؤلاء الخبراء لهم دور مؤثر وحيوي في تعريف المزراعين بأفضل وسائل الزراعة وإنتاج التمور وفق المعايير العالمية”. وأشارت إلى أن المهرجان يسهم في تعزيز التنافس في صناعة التمور ومشتقاتها محليا وعالميا.
وذكرت أن مسابقات المهرجان تهدف إلى تحفيز المزارعين على زراعة النخيل، ويتم تكريم المتميزين في إنتاج التمور وفق عدة شروط منها الحجم، والنقاوة، واللون، وتساوي الأحجام، والجودة.
وينظم المهرجان مسابقة “نخلة البيت” والتي لاقت إقبالا كبيرا من قبل الأسر والعائلات التي تزرع النخل داخل منازلها، ويبلغ مجموع الجوائز 242 ألف درهم (الدولار يعادل 3.67 درهم)، ومسابقة أكبر عذج، والتي تهدف إلى تقييم وزن كل عذج، وشهدت المنافسة استقبال أحجام ضخمة، حيث وصل وزن بعضها إلى ما يزيد عن 100 كيلوغرام للعذج الواحد، وتبلغ جوائز مسابقة أكبر عذج 67 ألف درهم.
أما في مسابقة نخلة الجهات الحكومية، فحصل قطاع مراكز الإصلاح والتأهيل بأبوظبي على المركز الأول، وجاء مركز شرطة الفقع بالمركز الثاني، والإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي في المركز الثالث.
ليوا للرطب
في إمارة عجمان يقام مهرجان “ليوا عجمان للرطب” سنويا، منذ 9 أعوام، بمشاركة العشرات من المزراعين. ويعد المهرجان وجهة مميزة تجمع عائلات المواطنين والمقيمين للتعرف على تاريخ الزراعة الإماراتية، وتنوع المنتجات الزراعية المحلية، والاطلاع على جهود تنميتها بما يسهم في الحفاظ عليها بين الأجيال المتعاقبة.
ويعرض المهرجان مجموعة واسعة من أنواع النخيل المثمرة والفواكه المحلية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات المصنوعة من التمور ومنتجات العسل المحلي، ويعرف الزوار بأهمية الزراعة، ويتيح لهم استكشاف التراث والثقافة الإماراتية الأصيلة.
ويضم المهرجان سوقا لإنتاج المزارعين من الرطب والعسل، وسوقا لمعروضات الأسر المنتجة وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وينظم المهرجان ورشا حرفية للتعريف بمنتجات النخيل وكيفية الاستفادة منها في صناعة منتجات متنوعة تفيد الأسر وأصحاب المزارع.
ويشهد المهرجان يوميا تقديم مجموعة من العروض الفنية للفرق الشعبية، والتي تتنوع ما بين الأهازيج والفقرات التراثية. ووصف الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس المجلس التنفيذي للإمارة المهرجان بأنه يجسد الحرص على دعم الزراعة والتراث الإماراتي.
وأضاف خلال جولته بالمهرجان، قبل أيام “يأتي تنظيم هذا المهرجان تأكيدا على أهمية الزراعة، التي تشكل جزءا رئيسا من حياة الإماراتيين منذ القدم والمحافظة على استدامتها للأجيال القادمة”.
وفي أبوظبي، يقام مهرجان ليوا للرطب، الذي تنظمه هيئة أبوظبي للتراث، ويهدف إلى مساعدة المزارعين في التعرف على أحدث أساليب الزراعة، وتبادل الخبرات لإنتاج أفضل وأجود أنواع الرطب.
زوار "مهرجانات الرطب" يستمتعون بعروض فنية مستوحاة من التراث الإماراتي وفقرات تسعى إلى استمرار زراعة النخيل
ويعد المهرجان من أبرز الفعاليات التراثية في أبوظبي ومن المقاصد السياحية التي تسلط الضوء على مكانة التمور في حياة الإماراتيين، كما يشكل منصة هامة تتيح للزوار التعرف على التمور وتذوق أصنافها.
وينظم المهرجان مسابقة “مزاينة الرطب” وهي الفعالية الرئيسية في المهرجان، حيث تتنافس المزارع الإماراتية على لقب “أفضل مزرعة للرطب”. ويضم المهرجان مزايدات لبيع الرطب، ويصل خلالها سعر الكيلو الواحد إلى أكثر من 6 آلاف درهم.
ويتضمن المهرجان محاضرات حول زراعة النخيل، وأمسيات شعرية من التراث المحلي، ويضم مساحات لعرض المعدات الزراعية الخاصة بزراعة النخيل ومنتجات الرطب. ويضم المهرجان الذي يقام منذ 20 عاما نحو 200 جناح وركن ومحل، تعرض منتجات التمور والأدوات المصنوعة من النخيل.
وعبر مسابقات المهرجان يتعرف الزوار على أنواع الرطب وفواكه الصيف، التي تزرع في دولة الإمارات. وشهد المهرجان مشاركة أكثر من 100 صنف من التمور، إضافة إلى مشاركة عشرات الأنواع من الفواكه المحلية المشاركة في مسابقة “سلة فواكه الدار”.
وينظم المهرجان مسابقة “المزرعة النموذجية” وهي مسابقة لتقييم مزارع المشاركين، وخلالها تزور لجنة تحكيم المزارع المشاركة، وتتأكد من تطبيق الاشتراطات المطلوب توافرها في كل مزرعة، ومنها النظافة العامة للمزرعة واستخدام أساليب الري الحديثة الموفرة للمياه والالتزام بالشروط والضوابط العامة لمكافحة الآفات الزراعية وأن تكون المزرعة محددة بسور وبوابة.
وتطلع لجنة التحكيم على متطلبات أخرى مثل توفر سكن ملائم للعمال وأماكن تخزين للمنتجات الزراعية وأماكن تخزين للمدخلات الزراعية مثل المبيدات والأسمدة وكذلك توفر أماكن لمخلفات المزرعة.
ويقول عبدالله المهيري، مدير عام هيئة أبوظبي للتراث بالإنابة، “يزور مهرجان ليوا للرطب الآلاف من الزوار يوميا، واستقبل في دورته الحالية الآلاف من الكيلوغرامات من الرطب”.
ويتابع “يعد المهرجان سوقا متنوعا يعرض الكثير من المحتوى المتخصص في النخيل والصناعات التحويلية من الرطب، ويقدم للزوار العديد من الفقرات والفعاليات المتنوعة التي تعكس حجم الاهتمام بالنخيل والتراث الإماراتي، ويحرص على توعية الجمهور بأهمية الزراعة وتسليط الضوء على أبرز التقنيات والأبحاث في مجال الزراعة، خصوصا زراعة النخيل”.
وتشارك في مهرجان ليوا للرطب مؤسسة “جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي”، التي تهدف إلى تحفيز المزارعين على زراعة النخيل وإنتاج أنواع من التمور بجودة عالية.
ويقول الدكتور عبدالوهاب زايد، أمين عام الجائزة، “نهدف من المشاركة في المهرجان في كل عام إلى نشر الوعي بثقافة نخيل التمر واستقطاب أكبر عدد من المزارعين والباحثين للتنافس ضمن فئات جائزة خليفة الدولية”. ويضيف “تقام المسابقة بصفة سنوية منذ 17 عاما، وانطلقت هذا العام في شهر يونيو الماضي ويستمر التسجيل حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر من العام الجاري”.