اقتحام متظاهرين لقواعد عسكرية يعكس عمق الانقسام داخل إسرائيل

ضاعفت الاضطرابات الأخيرة التي عايشتها إسرائيل، والمتمثلة في اقتحام متظاهرين لقواعد عسكرية، حجم الانقسام داخل البلاد، وأظهرت تنامي نفوذ التيار اليميني المتطرف، لاسيما في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر.
تل أبيب - مرت إسرائيل بساعات حرجة، حينما أقدم متظاهرون من اليمين المتطرف على اقتحام قاعدتين عسكريتين، في وسط البلاد وجنوبها، بتحريض من مسؤولين يمينيين في الائتلاف الحاكم، ما يعكس حجم الانقسام الذي بلغته إسرائيل والذي طال المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وجاءت الاضطرابات التي استمرت لمدة اثني عشر ساعة، على خلفية إيقاف عدد من الجنود الإسرائيليين بتهم تتعلق بارتكاب انتهاكات جنسية بحق فلسطيني اعتقل في قطاع غزة ، ونقل على إثرها إلى المستشفى بسبب الإصابات.
وتعاني إسرائيل منذ اندلاع أحداث غزة في السابع من أكتوبر الماضي من انقسام سياسي ومجتمعي وأمني غير مسبوق.
ويرى متابعون أن حوادث اقتحام القاعدتين العسكريتين بمثابة جرس إنذار حيال ما وصلت إليه الأوضاع في داخل إسرائيل، لافتين إلى أن موقف الشرطة في التصدي لتلك الحوادث يطرح أكثر من نقطة استفهام. وتواجه الشرطة الإسرائيلية اتهامات من الجيش ومسؤولين ومعارضين بـ”التأخر المتعمد” في التحرك نحو حماية القاعدتين العسكريتين.
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت، في رسالة وجهها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الثلاثاء “يجب التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة بشكل حاسم وفوري.. إن الأحداث التي شارك فيها الوزراء وأعضاء الكنيست تخدم الحملة المعادية ضدنا، وهي ممارسة لصرف الانتباه عن الفظائع المرتكبة من قبل العدو ضد مواطني إسرائيل”.
ولفت غالانت إلى “أن عدم تواجد الشرطة لساعات طويلة استدعى انتشار قوات (من الجيش) على حساب المهام العملياتية”، في إشارة إلى الحرب المستمرة في غزة والتصعيد الحاصل مع حزب الله في لبنان.
وتوجه لرئيس الوزراء “أدعوكم إلى التصرف بقسوة ضد أعضاء التحالف (الحاكم) الذين شاركوا في أعمال الشغب، والأمر بإجراء تحقيق فوري لمعرفة ما إذا كان وزير الأمن القومي (بن غفير) قد منع أو أخّر عمل الشرطة، ردا على حوادث العنف التي تواطأ فيها أعضاء حزبه”.
واندلعت الاضطرابات عندما اعتقلت الشرطة العسكرية، الاثنين، تسع جنود احتياط خدموا في وحدة “القوة 100” في قاعدة “سديه تيمان” العسكرية التي استُخدمت كمرفق احتجاز لمقاتلي حماس المتورطين في عملية “طوفان الأقصى”، إلى جانب معتقلين آخرين ألقت القوات الإسرائيلية عليهم القبض في غزة.
وكانت العديد من التقارير في الصحافة الإسرائيلية والدولية تحدثت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تجري في القاعدة، وذهبت بعض منظمات حقوق الإنسان حد وصفها بأنها “غوانتانامو إسرائيل”، ما اضطر السلطات الإسرائيلية إلى إغلاق مركز الاحتجاز في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، فقد بدأ تحقيق الشرطة العسكرية في تجاوزات جنود الاحتياط التسعة قبل عدة أسابيع بعد نقل معتقل فلسطيني في المنشأة على عجل إلى المستشفى على خلفية نزيف من أحد أجزاء جسمه الحميمة.
وعندما وصلت وحدة الشرطة العسكرية إلى القاعدة، واجههم العديد من جنود الاحتياط ورفضوا الحضور للاستجواب.
وبعد التقارير الأولية ومقاطع الفيديو لمداهمة الشرطة العسكرية التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أصدر الوزيران اليمينيان، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وعدة وزراء من حزب الليكود التابع لنتنياهو بيانات تدين الاعتقالات.
وقالوا إن القيادة العليا للقوات الإسرائيلية “تذلّ الجنود الذين يواجهون الإرهابيين وأخبروا أنصارهم أنهم قادمون إلى القاعدة في جنوب إسرائيل للاحتجاج على الاعتقالات”.
وبعد ذلك بوقت قصير، وصل مئات المتظاهرين إلى القاعدة، من بينهم نواب من حزبي بن غفير وسموتريتش اليميني المتطرف، واقتحموا القاعدة حيث يُحتجز عشرات المعتقلين من حماس، ولم يغادروا إلا بعد عدة ساعات عندما اتضح أن جنود الاحتياط الذين تم اعتقالهم لم يعودوا هناك.
ثم انتقل المتظاهرون إلى قاعدة عسكرية أخرى تبعد 30 دقيقة شمال تل أبيب تستضيف مقر الشرطة العسكرية ومركز احتجاز تابع للقوات الإسرائيلية والمحكمة العسكرية الإسرائيلية. واقتحموا المحكمة وحاولوا اقتحام مركز الاحتجاز للإفراج عن جنود الاحتياط.
وانضم العديد من أفراد الوحدة التي كان جنود الاحتياط جزءا منها إلى المتظاهرين وهم يرتدون الزي العسكري ومسلحين ويرتدون أقنعة للوجه.
ووفقا لما نقله موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤولين في القوات الإسرائيلية، اتخذت الشرطة الخاضعة لإشراف الوزير بن غفير، “موقفا متساهلا إزاء أعمال الشغب، حيث امتنعت عن اعتقال أي من المتظاهرين في كلتا القاعدتين العسكريتين”.
وفي حالات شغب وعنف من هذا النوع تقع على الشرطة الإسرائيلية مسؤولية التعامل مع المدنيين، إلا في حالات الطوارئ التي تقرر فيها الحكومة السماح لجنود الجيش بالانتشار لمساندة الشرطة.
ولم يعلق نتنياهو على الحوادث باستثناء بيان من سطر واحد أصدره مكتبه بعد ساعتين من اقتحام القاعدة الأولى، يقول فيه إنه يدين اقتحام القاعدة ويدعو إلى الهدوء الفوري. بدوره، دعا الرئيس إسحاق هرتسوغ السياسيين الإسرائيليين إلى التحلي بـ”المسؤولية”.
وكتب هرتسوغ على منصة “إكس”: “نحن في واحد من أصعب وأكثر الأسابيع تحد من حيث الأمن – يجب ألا نزيد من أعباء مقاتلينا وقادتنا. دعونا نقوي الجيش الإسرائيلي وقادته وندين أي هتافات لا تسعد سوى أعدائنا.”
وكان زعيم المعارضة يائير لابيد وصف الاثنين ما حدث بأنها ليست أعمال شغب، إنها محاولة انقلاب من قبل ميليشيا مسلحة ضد رئيس وزراء ضعيف غير قادر على السيطرة على حكومته”.
وقال الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات في الجيش عاموس يادلين في منشور على منصة إكس، الثلاثاء “الاقتحام الإجرامي وغير الشرعي لقواعد الجيش، بقيادة وزراء وأعضاء كنيست وبمشاركة جنود مسلحين يرتدون الزي العسكري، يعبر عن تجاوز الحدود والخطوط الحمراء، وهو ما لا تستطيع الدولة التي تريد الحياة أن تتحمله”.
وفقا لتقرير “أكسيوس”، تشير هذه الأحداث إلى “تنامي نفوذ التيارات القومية المتطرفة في إسرائيل في ظل حكومات نتانياهو، لاسيما في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر”.
وأوضح التقرير أن هذه الأحداث، “علامة على تفكك سلسلة القيادة في القوات الإسرائيلية والقانون والنظام الداخلي للجيش، بتشجيع من السياسيين القوميين المتطرفين الذين وصفوا الجيش لسنوات بأنه مؤسسة “ليبرالية”، وقالوا إنه جزء من “دولة عميقة” يجب تفكيكها.
اقرأ أيضا:
• هل تكتفي إسرائيل بضربة حارة حريك في ردها على هجوم مجدل شمس