"سين، القمر في قطع" ملحمة خيالية تأملية وحميمية

الروائي الجزائري عبدالعزيز عثماني: لا ينتهي دور الروائي بعد نشر أعماله.
الثلاثاء 2024/07/30
الكتابة إعادة إنتاج العالم كما أفهمُه

الخيال وسيلة هامة لفهم الواقع وإعادة تصوره من زوايا مختلفة. ولطالما كانت القصص الخيالية والعجائبية وسائل لفهم أعمق للحياة وهذا ما يعيه جيدا الكتاب منذ قرون. إذ لا تعني الآمال الأدبية الخيالية انفصالا عن الواقع بل هي حفر فيه. فيما يلي حوار مع الروائي الجزائري عبدالعزيز عثماني الذي قدم مؤخرا رواية خيالية نالت حظوة كبيرة.

طلال المعمري

الجزائر- “سين، القمر في قطع” هو عملٌ روائي للكاتب الجزائري، عبدالعزيز عثماني، صدر باللغة الفرنسية بعنوان “Sîn, La lune en miettes”، عن دار القصبة للنشر، وتُوج قبل أيام بجائزة آسيا جبار الكبرى للرواية عن فئة الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية.

ويعد هذا العمل السردي، آسرًا بعمقه، ومكتوبًا ببراعة سرده الفريد ورؤيته الفنية الاستثنائية، ما جعل الجائزة تتوجه كأفضل نص روائي مكتوب بالفرنسية.

ملحمة خيالية

تدور أحداث الرواية في أمسية مقمرة صافية مع شظايا صامتة “زيوسودرا”، آخر ملوك قبل الطوفان، يُورث حكم بلاده إلى أحفاده وينسحب من عالم البشر. تعيش بعده أجيال عديدة وتزدهر، حتى ينجب بهاء، زعيم المستقبل، توأمان. وجرت العادة أن يُقدم الثنائي كمحرقة في النار. ومع ذلك، “إليبال”، كاهن معبد في مدينة “أور ساج”، وهو نفسه من نسل “زيوسودرا”، ينقذ أحد الطفلين من النيران ويعهد به إلى قبيلة بعيدة يحميها جبل جليل ترتفع منحدراته الشديدة مثل الجدران المسلحة.

في ذلك الماكن، بعيدًا عن موطنه الأصلي والمؤامرات بين الآلهة الصغيرة، يتعلم الطفل “هيفيل” أنه سيتعين عليه الذهاب بحثًا عن أصله والسر الذي يُوحده مع الحيوان الغريب المسمى “سين”. وبصحبة “زيمري” و”سامورامات”، ينطلق “هيفيل” في مهمة محفوفة بالمخاطر، دون أن يشك في أن الحيوان ذا القرن الواحد يمكن أن يكون نتيجة صراع قديم يتجاوز مصير البشرية نفسها. وفي فجر حرب مضطربة، سيتعين على “هيفيل” ورفاقه السفر عبر أمة تعاني من اضطراب كامل، بينما تعلن طائفة جديدة بصوت عالٍ نهاية العالم المعروف.

وعلى مدار فصول الرواية، يكشف الكاتب عن ملحمة خيالية تأملية وحميمية في نفس الوقت، تروي الحرب التي تشارك فيها العديد من الشخصيات من أجل البقاء على قيد الحياة في الاضطرابات الكبرى في العالم.

حول تجربة كتابة هذه الرواية، يقول عبدالعزيز عثماني “لم أتلق تدريبًا أكاديميا في كتابة الرواية، لكن الكتابة بالنسبة إلي تعد شغفًا أخصص له الكثير من وقت فراغي. وقد قرأت الكثير من الأخبار العلمية المتعلقة بالعلوم الاجتماعية، كما استمعتُ إلى البرامج الإذاعية وبودكاست المؤتمرات، وما إلى ذلك. أما بالنسبة إلى تدريبي الأكاديمي فهو أدبي بحت. لقد قدمت لي الأدوات النظرية والمعرفة بالاتجاهات الأدبية الرئيسة الكثير في مشواري الروائي”.

ويضيف “علاوة على ذلك، أعتقد أن الأدب والعلوم الاجتماعية يغذيان بعضهما البعض”. أما عن طقوسه في الكتابة، يقول عثماني “عندما أكتبُ، أبدأ من ملاحظاتي حول الأفراد والمجتمعات والعالم من حولي، بشكل عام، لمحاولة إعادة إنتاج واقعي في قصة خيالية لفهمه بشكل أفضل. وبصورة عامة، أنا أكتب قبل كل شيء لنفسي، لمحاولة وضع كلمات أكثر دقة عن العالم كما أفهمه”.

ويرى عبدالعزيز عثماني أن الأدب والعلوم الاجتماعية هي الأدوات الرئيسة للتفكير، أو على الأقل لمحاولة التقاط الواقع المعقد الذي يفلت منا في معظم الأوقات.

◄ الكاتب لا يفكر في كيفية استقبال القارئ لأعماله ويفضل أن يكتب قصة يرغب في قراءتها، وتشبه حالته وأسئلته

ويؤكد عثماني أيضًا أن المؤلفين المعاصرين، مثل الروائية الكاميرونية ليونورا ميانو (1973)، والروائيتين الأميركيتين توني موريسون (1931-2019)، وأورسولاك. ليجوين (1929- 2018)، أثروا بشكل كبير على علاقته بالأدب والكتابة.

وظائف الأدب

من جهة أخرى، يقول الروائي “في الواقع، لا أفكر أبدًا في كيفية استقبال القارئ لأعمالي، وأفضل أن أكتب قصة أرغب في قراءتها، وتشبه حالتي الذهنية الحالية وأسئلتي. كما أحب أن أقول لنفسي إن القارئ قادرٌ على إدراك الأصالة في القراءة التي أقدمها له”.

أما عن تقنيات السرد، فيقول “التقنية ليست سوى العنصر الأخير الذي يتدخل في اختياراتي أثناء عملي التحضيري لكتابة رواية. وعندما تكون لدي فكرة أكثر أو أقل دقة عن قصتي، أقوم باختيار تقنيات السرد التي يمكن أن تخدمها على أفضل وجه؛ إذا اخترتُ، على سبيل المثال، راويًا عليمًا بكل شيء، فأنا أعلم أنني سأحرم نفسي من بعض العناصر التي تُبقي القارئ في حالة تشويق، مثل علامات الحذف. وفي الوقت نفسه، يقدم لي إمكانيات لا حصر لها للتعامل مع الموقف وداخل الشخصيات، وإذا اخترتُ راويًا شاهدًا، فهذا يسمح لي بإبعاد نفسي عن القصة وحرية كبيرة في الزمن. الأمر كله يتعلق بالاختيار والوعي بالطريقة التي أريد بها بناء قصتي”.

يشدد عثماني على ضرورة أن تُنظم المؤسسات الثقافية ودور النشر لقاءات تجمع بين المؤلفين والجمهور في الجامعات، والمكتبات البلدية، والمؤسسات التعليمية، حتى لا تُنسى الرواية بعد أسابيع قليلة من صدورها خلال معارض الكتاب.

كما يؤكد حلمه بأن يرى الروائيين يُدعون إلى المدارس الثانوية لتأطير ورش كتابة مع طلاب المدارس الثانوية.

◄ الكتابة تبدأ من ملاحظات حول الأفراد والمجتمعات والعالم من حول المؤلف لإعادة إنتاج واقعه في قصة خيالية لفهمه

وفي هذا السياق، يقول عثماني “للروائي دورٌ اجتماعي لا ينتهي بعد نشر أعماله، فهو بمثابة مرآة للمجتمع. صحيحٌ أن لديه لحظات من الإبداع حيث ينسحب هو نفسه، ويقف على الهامش ويراقب، لكن في بقية الأوقات، يجب أن يكون في قلب المدينة، فهو نبض المجتمع، والقصة التي يُنتجها، مثل كل الفنون، هي ما يقربُنا من إنسانيتنا المشتركة، وهنا يكمن بالتحديد البعد العالمي للأدب. وهذا أيضًا ما يجب أن يطمح إليه كل مؤلف”.

ويتابع “إذا نظرنا إلى القاسم المشترك بين ليكليزيو ​​أو كواباتا أو غارسيا ماركيز أو سوينكي، بصرف النظر عن حصولهم جميعًا على جائزة نوبل، فإنهم جميعًا نجحوا في إعادة ربطنا بإنسانيتنا العميقة، على الرغم من أنهم يخاطبوننا من بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة تمامًا”.

يُشار إلى أن الروائي عبدالعزيز عثماني وُلد سنة 1990 ببوفاريك بمحافظة البليدة (جنوب الجزائر)، وتلقى دورة جامعية في مهنتي الأدب والنشر بفرنسا، قبل أن يعود إلى الجزائر ويدرس الأدب المكتوب بالفرنسية، وهو كاتبٌ شغوفٌ بعلم الآثار والأنثروبولوجيا، وبدأ كتابة روايته الأولى عام 2015، أثناء إقامته في فنزويلا. وفي كاراكاس، تعرف على البيئة الثقافية لأميركا اللاتينية، واكتشف مسرح القارة وأدبها الذي واصل تأثره به.

وبعد عودته إلى الجزائر العاصمة في عام 2018، شارك في إنشاء وإدارة “Le Pupitre”، وهي مساحة تعليمية فنية، أطر فيها ورش عمل في الكتابة، كما قاد العديد من المشاريع بالتعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية. وتعد “سين.. القمر في قطع”، أول رواية ينشرُها عبدالعزيز عثماني خلال مشواره الأدبي.

12