أوضاع سكان كردستان العراق تخصم من رصيد شعبية الحزبين الحاكمين وتلقي بظلالها على الانتخابات القادمة

أربيل (العراق) - يرصد متابعون لشؤون إقليم كردستان العراق حالة من الفتور الشعبي المتزايد إزاء الشأن السياسي للإقليم يجسّده عدم اكتراث السكان بالصراعات الحزبية التي دارت خلال الأشهر الأخيرة بشكل أساسي حول الانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم والتي بدت إلى حدّ الآن غائبة عن النقاشات الشعبية في الفضاءات العامّة ومواقع التواصل الاجتماعي، وانحسرت السجالات حولها بين الأحزاب وخصوصا الحزبين الحاكمين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني.
ورأت دوائر سياسية كردية عراقية أنّ عدم الاكتراث الشعبي بالسياسة في الإقليم يشكّل مؤشّرا مبكّرا على عزوف انتخابي يهدد الاستحقاق الذي تأجّل إجراؤه أكثر من مرّة لأسباب لم تنفصل عن صراعات الحزبين.
وتقرّر إجراء انتخابات برلمان كردستان العراق في العشرين من شهر أكتوبر القادم وذلك لأول مرة منذ 2018 بعد تأخرها لأكثر من عامين عن موعدها الأصلي في 2022.
وتوقّعت ذات الدوائر أن يُسجّل تراجع كبير في نسبة المشاركة قياسا بتلك المسجلة في الانتخابات الماضية والتي بلغت سبعة وخمسين في المئة. وقالت إنّ الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية وحتى الأمنية السائدة في الإقليم أفقدت سكّانه ثقتهم بالقيادة السياسية الممثلة بشخصيات بارزة من الحزب الديمقراطي الذي يقوده أفراد أسرة بارزاني ومنافسه الأول على السلطة حزب الاتّحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس الراحل جلال طالباني.
وبالغ الحزبان في خوض الصراعات المرتبطة بشكل مباشر بالمناصب السياسية والمكاسب المادية قليلة الصلة بمصالح السكان، وتضافر ذلك مع تواتر الأنباء عن حالات فساد في إدارة الإقليم متورّط فيها موظفون ومسؤولون منتمون للحزبين، ليسرّع تآكل القاعدة الشعبية لكليهما.
ولا تتردّد شرائح واسعة من سكان إقليم كردستان العراق في اتّهام قيادات الحزبين بالفشل في إدارة تجربة الحكم الذاتي وفي ضمان ظروف عيش ملائمة لهم وتوفير مواطن الشغل والخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وغيرها، فضلا عن حماية الأمن والاستقرار اللذين هبط مستواهما بشكل ملحوظ لعدة أسباب من بينها التدخل الخارجي وتحديدا التركي الذي تحوّل في الآونة الأخيرة إلى غزو عسكري واحتلال لمساحات شاسعة من أراضي الإقليم بتواطؤ من الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وتراجعت خلال السنوات الأخيرة حالة الاستقرار والبحبوحة الاقتصادية التي ميّزت السنوات الأولى من إنشاء الحكم الذاتي في الإقليم من قبل الولايات المتّحدة الأميركية، وتراجع معها حماس سكّانه للتجربة وولاءهم لقادتها.
وكثيرا ما استخدم الحزبان المال السياسي والتعيين في الوظائف الحكومية وسيلة لتوسيع قاعدة الأنصار ولجلب الأصوات الانتخابية الأمر الذي جعل الارتباط بين الحزبين وقواعدهما الشعبية مادية ونفعية محضة بعيدا عن أي ارتباطات فكرية أو قناعات أيديولوجية.
وكان من أبرز المشاكل التي واجهها الموظفون والعمال من سكان الإقليم خلال السنوات الأخيرة تأخر الحصول على رواتبهم جرّاء الخلافات المالية بين الحكومة المحلية والحكومة الاتّحادية التي كثيرا ما عرقلت حصول الإقليم على حصّته من موازنة الدولة العراقية.
وبدأت تلك الإشكالية تأخذ طريقها إلى الحلّ لكن بأساليب تنطوي على مشاكل للحزبين وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني الأكثر تمكّنا من أجهزة إدارة الحكم الذاتي والأكثر استغلالا لوسائلها ومقدّراتها.
وتفرض حلول إشكالية الرواتب تدقيقا صارما لقوائم موظفي الإقليم ما يعني تضييقا على عمليات التوظيف التي كان يمارسها الحزبان على سبيل المكافأة لأتباع كلّ منهما.
دوائر سياسية كردية عراقية تؤكد أنّ عدم الاكتراث الشعبي بالسياسة في الإقليم يشكّل مؤشّرا مبكّرا على عزوف انتخابي يهدد الاستحقاق الذي تأجّل إجراؤه أكثر من مرّة
كما تفرض “توطين” الرواتب بمعنى تحويلها مباشرة إلى مستحقيها عن طريق مصارف اتّحادية ودون المرور بالأجهزة الإدارية للإقليم.
ويعني ذلك أن يصبح هؤلاء الموظفون مرتبطين بشكل مباشر بأجهزة الدولة الاتحادية وغير مرتهنين في تأمين رواتبهم للحزبين الحاكمين في الإقليم.
كما يعني بالنتيجة عدم اكتراث السكان بمن يفوز في الانتخابات القادمة، بل عدم الاكتراث أصلا بإجراء الاستحقاق الهادف إلى ملء حالة الفراغ الدستوري الناجم عن غياب البرلمان، وهي حالة غير محسوسة لدى السكان الذين وقفوا بالتجربة على إمكانية تواصل السير العادي للحياة في الإقليم من دونه، لعملهم أن السلطات التي تحظى بها الشخصيات القيادية من أسرتي بارزاني وطالباني تفوق سلطة أي مؤسسات دستورية.
وتعليقا على حالة البرود الشعبي إزاء الشأن السياسي في إقليم كردستان العراق وعدم الاكتراث بالاستحقاق الانتخابي المنتظر يقول المحلل السياسي لقمان حسين إن “هذا الملف غائب عن نقاش الشارع الكردي ولا نكاد نسمع أي نقاش عن الانتخابات إلا في القنوات الإخبارية”.
ويضيف متحدثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنه “حتى منصات التواصل الاجتماعي ومساحات تليغرام ومجموعات الواتساب الكردية ليس فيها أي تفاعل ونقاش حول الانتخابات، وهذا الأمر يؤكد وجود توجه شعبي لمقاطعة كبيرة بسبب أوضاع المواطن الاقتصادية والمالية، وفشل الأحزاب في تقديم الخدمات له”.