الحكومة الجديدة تختبر صبر المصريين بزيادة جديدة في أسعار الوقود

اضطرت الحكومة المصرية إلى زيادة جديدة في أسعار الوقود في إطار الحفاظ على استمرار دعم صندوق النقد الدولي، لكنها تخاطر بزيادة غضب الشارع الذي استُنزف من تحمل أعباء الزيادات في الأسعار.
القاهرة - دخلت الحكومة المصرية في أول اختبار جدي منذ إعلان تشكيلتها الجديدة قبل أسابيع قليلة، معلنة عن زيادة أسعار أنواع من الوقود بنسب تصل إلى 15 في المئة.
وتستهدف الخطوة الدعم الموجّه للمحروقات وفقا لتفاهمات أبرمتها الحكومة السابقة مع صندوق النقد الدولي، والذي سينظر قبل نهاية الشهر الجاري في إمكانية منح القاهرة شريحة مؤجلة أم لا.
ونشرت الحكومة الأسعار الجديدة في الجريدة الرسمية الخميس، والتي بدأ العمل بها في اليوم نفسه، وتشمل زيادة سعر السولار (الديزل) من 10 جنيهات إلى 11.5 جنيه (0.24 دولار) للتر بزيادة نسبتها 15 في المئة، وزيادة سعر البنزين 80 من 11 جنيها إلى 12.25 جنيه للتر بنسبة زيادة قدرها 11.4 في المئة، والبنزين 92 من 12.5 جنيه إلى 13.75 جنيه بزيادة نسبتها 10 في المئة، والبنزين 95 من 13.5 جنيه إلى 15 جنيها بزيادة 11.1 في المئة.
وأبقت وزارة البترول المصرية على أسعار الوقود المستخدم في إنتاج الكهرباء والصناعات الغذائية، مثل السولار المستخدم في المخابز، عند مستوياتها الحالية.
وجاء قرار الحكومة وسط ضجر مواطنين من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة، حيث تنعكس الزيادة الجديدة على زيادة موازية في أسعار المواصلات والعديد من السلع التي ارتفعت أسعارها في الفترة الماضية بما يفوق تحمل قدرة هذه الشريحة على التحمل، على الرغم من برامج الحماية الاجتماعية التي تقدمها الحكومة لتخفيف الأعباء عن المواطنين، حيث تلتهم زيادة الأسعار حصة كبيرة من المساعدات الاقتصادية.
ودخلت حكومة مصطفى مدبولي اختبارا عمليا جادا، إذ عليها التعامل مع الزيادة المتوقعة في أسعار السلع الأخرى، وتقديم تطمينات للكادحين حول تخفيف وطأة الزيادة عليهم بالمزيد من ضبط الأسواق، ورفع قيمة المساعدات المادية.
وتراهن الحكومة المصرية على عدم خروج الغضب المكتوم لدى هؤلاء إلى الشارع بعد أن هيأت الأجواء لهذه الزيادة المتوقعة، وربما المزيد من الارتفاعات لسلع أخرى في المستقبل القريب، لرغبتها في نجاح برنامجها لإصلاح الهياكل الرئيسية في الاقتصاد، وفي مقدمتها رفع الدعم التدريجي عن الكثير من السلع الرئيسية، مثل الخبز والمحروقات.
وقال وزير التموين المصري شريف فاروق في بيان الخميس إن مصر لن ترفع سعر الخبز المدعوم المحدد عند 20 قرشا للرغيف حتى بعد زيادة أسعار السولار.
وهذه هي المرة الثانية التي ترفع فيها الحكومة أسعار الوقود منذ أن وسع صندوق النقد الدولي برنامج قروضه للبلاد إلى خمسة مليارات دولار في مارس الماضي، وتعهدت القاهرة آنذاك بخفض دعم الوقود في إطار اتفاقها مع الصندوق.
وصرح مدبولي الأربعاء أن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجيا حتى نهاية العام المقبل، لأن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل عبء زيادة الاستهلاك.
وسيعقد صندوق النقد اجتماعا الاثنين المقبل بهدف مناقشة نتائج المراجعة الثالثة للبرنامج الاقتصادي للموافقة على صرف دفعة جديدة لمصر، والتي كان سيتم صرفها في العاشر من يوليو، وهو ما فسره الصندوق باستكمال تفاصيل خاصة بالسياسات.
وخلصت تقديرات لصندوق النقد الدولي في أبريل الماضي إلى أن مصر سوف تنفق 6.85 مليار دولار على دعم الوقود في عامي 2024 و2025، ونحو 5.07 مليار دولار في العام التالي.
وأكد الخبير الاقتصادي ياسر عمارة أن رفع أسعار المحروقات مرتبط أساسا باجتماع صندوق النقد ومناقشة صرف شريحة جديدة لمصر، مشيرا إلى أن فرص القاهرة تعززت في تلقي شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار، لأنه حال عدم رفع سعر المحروقات الآن لن تكون القاهرة مؤهلة للحصول على هذا التمويل.
قرارات الحكومة لا تستوجب زيادات جديدة في الرواتب والمعاشات وتقديم مِنح لمستحقي برنامج “تكافل وكرامة” الاجتماعي
وأضاف عمارة في تصريح لـ”العرب” أن القرار له آثار اجتماعية خاصة بالنسبة إلى ارتفاع سعر السولار الذي سيؤدي إلى رفع أسعار المواد الغذائية، لكن التأثير لن يكون كبيرًا، لأن معدلات التضخم المعلن عنها في يونيو الماضي من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) عند أدنى مستوياتها، مقارنة بارتفاع الأسعار في الفترة السابقة، وبلغت نحو 27.5 في المئة هبوطًا من 34 في المئة في بداية العام الجاري.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن ما يحد من ارتفاع معدلات التضخم هو وصول الأسعار إلى قمتها، فضلاً عن ترشيد الإنفاق والاستهلاك من قبل المواطنين، وأصبح الهدف الأساسي توفير السلع الرئيسية التي تعين الأفراد على مجابهة غلاء المعيشة.
وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن مصر مضطرة إلى اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة لعدم وفرة منتجات الطاقة المختلفة، حيث تفاقم ذلك مؤخرا مع نقص الغاز الذي تسبب في أزمة انقطاع الكهرباء بشكل متكرر، ومن ثم ازدادت الحاجة إلى استيراد المازوت والغاز لمعاجلة الخلل، وهو ما يجب أن تقوم الحكومة بتعويضه من خلال رفع الدعم عن المحروقات لعدم تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة عن المعدلات الحالية.
ومن المتوقع أن يؤدي قرار الحكومة إلى استمرار نهج البنك المركزي المصري في سياسته النقدية المتشددة، ومن ثم استبعاد خفض أسعار الفائدة قريبًا، ما يقوض مستهدفات الحكومة لتحقيق معدل نمو للاقتصاد عند 4.2 في المئة، لذلك اختلفت رؤية صندوق النقد الذي خفض النمو في مصر إلى 4.1 في المئة العام الجاري.
ولا تستوجب قرارات الحكومة زيادات جديدة في الرواتب والمعاشات وتقديم مِنح لمستحقي برنامج “تكافل وكرامة” الاجتماعي، مع ثبات سعر صرف الدولار في البنوك واستقرار نسبي للتضخم حتى الوقت الراهن.
ويستبعد محللون تحريكًا جديدًا في العملة يؤدي إلى خفض قيمة الجنيه المصري وارتفاع قيمة الدولار، خاصة أن مصر ستحصل على شريحة من صندوق النقد بقيمة 820 مليون دولار، ويتبعها الدعم المُعلن عنه مسبقًا من الاتحاد الأوروبي.
وتتفادى القاهرة الدخول في صدام مع صندوق النقد بعد خلافات كبيرة العام الماضي، كي تحافظ على ثقة المؤسسات الدولية وجذب التدفقات الدولارية المباشرة وغير المباشرة (الأموال الساخنة)، وهذا سوف تدفع ثمنه الطبقة الأكثر فقرًا.
وترى الحكومة المصرية أن المشكلة الأكبر في التعامل مع الصندوق ارتبطت بـ”تعويم الجنيه”، وهي مرحلة نجحت في عبورها، بينما الأمور الأخرى المتعلقة بالدعم باتت معتادة ومُعلنا عنها إعلاميًا بشكل متكرر من رئيس الحكومة المصرية.