البنك المركزي يرسم صورة إيجابية للاقتصاد المصري

تراجع الدين الخارجي وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي يعززان قدرة البلد على التصدي للأزمات.
الجمعة 2024/07/26
لا تترددوا في استغلال كل دولار بحوزتكم

عكست بيانات البنك المركزي المصري قبل أيام صورة إيجابية للاقتصاد وأظهرت أن الدين الخارجي سجل أكبر تراجع تاريخي، مع القضاء على عجز صافي الأصول الأجنبية، ووجود تفوق في الاحتياطي الأجنبي على مستويات الأمان الدولية، وتحقيقه أعلى مستوى على الإطلاق.

القاهرة- رسم البنك المركزي في أحدث تقاريره صورة مُبشّرة عن الاقتصاد المصري، وكشف عن طفرة في تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية بزيادة 200 في المئة، متضمنة ارتفاعا يفوق مئة في المئة في تحويلات المغتربين، مقارنة بمستوياتها قبل تعويم الجنيه في مارس.

وتظهر الأرقام تراجع الدين الخارجي ليسجل 153.86 مليار دولار بنهاية مايو، مقابل 168.03 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023، بانخفاض قدره 14.17 مليار دولار بمعدل 8.43 في المئة، وهذا التراجع خلال أول خمسة أشهر يُعدّ الأكبر حجما في تاريخ المديونية الخارجية.

ودعّمت صفقة رأس الحكمة التي عقدتها مصر مع دولة الإمارات في فبراير الماضي خفض الدين الخارجي بنحو 11 مليار دولار، والممثلة في ودائع لدى المركزي، إذ تمثل الجزء الإيجابي في هذه الصفقة، حيث تم تحويل هذه القيمة إلى استثمار دون أعباء ديون جديدة.

مجدي شرارة: يجب استمرار التدفقات الأجنبية لاستدامة خفض الديون
مجدي شرارة: يجب استمرار التدفقات الأجنبية لاستدامة خفض الديون

وتكمن الخطوة المهمة في أن تبني القاهرة على المعدلات التي جرى الإعلان عنها، وهي فرصة ثمينة تتزامن مع إعلان المركزي أنه يتعين عليها سداد 37.5 مليار دولار التزامات خارجية خلال 12 شهرا تشمل الفترة من يونيو 2024 إلى يونيو 2025.

وتتمثل تلك الديون في أقساط وفوائد الدين الخارجي، مقابل 45 مليار دولار بنفس الفترة من العام المالي الماضي. ويعني هذا وجود فارق دولاري يصل إلى 7.5 مليار دولار، يمكن أن تستخدمها القاهرة في دعم مستلزمات الإنتاج لدى المصانع، ومن ثم زيادة الإنتاج والتصدير.

وهنا يظهر التنسيق اللازم بين السياستين المالية والنقدية الذي يعزز من تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة التشغيل والبعد عن الاعتماد على الأموال الساخنة.

وحسب بيانات المركزي، فقد وضعت القاهرة معدلات التضخم على مسار هبوطي مسجلة تباطؤا بشكل كبير إلى 27.5 في المئة خلال يونيو الماضي، وهو أدنى معدل منذ فبراير 2023، ما يسهم في استقرار الأسعار وتقليص الضغوط على شريحة من الأسر.

ويشير انخفاض التضخم والدين الخارجي إلى مؤشر إيجابي على تعافي الاقتصاد، وقدرته على تحقيق معدلات النمو المستهدفة، وكذا الاستدامة على المدى الطويل، وبالتالي استمرار تراجع وتيرة صعود الأسعار.

وعزز من تحقيق تلك المعدلات تطبيق سياسات نقدية وحزم إصلاحات هيكلية، منها تحرير سعر صرف الجنيه، وتقليص الدعم الحكومي، وحُسن إدارة التضخم عبر تعزيز استقلالية المركزي، والانضباط المالي، وضبط العجز في الموازنة.

وتتمحور جهود السلطات في خفض الدين الخارجي حول تطبيق برامج إصلاح اقتصادي وهيكلي عبر تخارج الدولة تدريجيا من بعض الأصول، بدعم من المؤسسات المالية الدولية وزيادة الإيرادات من القطاعات الاقتصادية المختلفة.

ولعب حُسن إدارة الدين الخارجي بصورة أكثر فعالية وتحسين شروط الإقراض دورا في تقوية أداء الاقتصاد عبر تحسين الوضع المالي والنقدي، وخفض أعباء خدمة القروض.

كما ساعد ذلك في زيادة القدرة على الاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحسين القوة الشرائية للمواطنين، والقدرة التنافسية للصادرات في الأسواق العالمية.

153.86

مليار دولار نسبة تراجع الدين الخارجي بنهاية مايو 2024 مقارنة مع 168 مليار دولار بنهاية 2023

وقال الخبير الاقتصادي أشرف غراب إن “أبرز الأسباب وراء تراجع الدين الإجراءات التي اتخذتها الدولة منذ مارس الماضي، ودخول حصيلة كبيرة من النقد الأجنبي، والقضاء على السوق السوداء للعملات، ما ساهم في زيادة تنازل الحائزين عن الدولار للبنوك الرسمية”.

وأضاف لـ”العرب” أنه “ترتبت على ذلك عودة تحويلات المغتربين إلى قنواتها الرسمية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، وهو ما زاد من الاحتياطي الأجنبي، وأسهم في تراجع الديون الخارجية”.

وأشار غراب إلى أن زيادة الاحتياطي وخفض الديون يمنحان قوة دفع للنمو، ويوفران رسالة إيجابية للمؤسسات الدولية بأن اقتصاد البلاد قادر على التصدي للأزمات مع استدامة توفير العملة الأجنبية اللازمة لسداد الديون.

وحسب معهد التمويل الدولي، فقد نجحت مصر في سداد 25 مليار دولار من دينها العام المحلي والخارجي منذ مارس الماضي، ما يؤكد قوة الاقتصاد، مع نظرة أكثر تفاؤلا بشأن المستقبل.

ومن المزايا المهمة لتراجع الدين الإسهام في رفع قيمة الجنيه ومساندة السلطات على تحقيق مسار نزولي للتضخم، ويقود ذلك إلى تحسين التصنيف الائتماني لمصر، وكلها عوامل تصب في زيادة الحصيلة الدولارية.

أشرف غراب: قرارات الإصلاحات الاقتصادية سبب مهم في التطور
أشرف غراب: قرارات الإصلاحات الاقتصادية سبب مهم في التطور

وأكد خبير الاستثمار والتمويل مجدي شرارة أن المعدلات التي أعلن عنها المركزي ترسم صورة جيدة لمستقبل الاقتصاد عبر استمرار تحسن الوضع المالي والنقدي مع توقعات بالمزيد من الانخفاض في مستويات الدين، شرط استمرار تدفق العملة الأجنبية.

ومن المؤشرات المهمة للغاية التي أعلن البنك تحسن منحنى العائد على سندات مصر الدولارية أجل يناير 2027 حيث تراجع من 22.86 في المئة خلال أكتوبر 2023 ليصل إلى مستوى 9.2 في المئة في يونيو 2024، بفارق 13 نقطة مئوية.

وقد ساهم ذلك في تقليص تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية، ويبرهن على ثقة المستثمرين الدوليين في إجراءات الإصلاح.

وأوضح لـ”العرب” أن تراجع الدين الخارجي ينتج عنه انخفاض عجز الموازنة العامة لتراجع تكلفة الديون، ويمثل مؤشرا إيجابيا للاستثمار الأجنبي، كما يمنح مصر فرصة للاقتراض من الأسواق الخارجية حال اضطرت إلى ذلك.

وتحتاج السلطات أن تتحرّك بالتوازي للتغلب على المعوقات التي تعرقل الصناعة وتوطينها لخفض الواردات وانتشار المنتجات المحلية خارجيا، لتحقيق مستهدفاتها من النمو، كي تحدث استدامة لخفض الديون وتعزيز ما في حوزة البنك المركزي من عملات أجنبية.

ولفت شرارة إلى أن تخفيف العبء عن الموازنة، يتطلب استمرار تحسن صافي الأصول الأجنبية وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، لتحقيق توازن أكبر في الميزان الخارجي.

ومن المعدلات شديدة الأهمية التي ترسم صورة مهمة عن وضع الاستثمار، عقود مبادلة مخاطر الائتمان المصرية لأجل عام وهي بمثابة عقد يسمح للمستثمر بمبادلة أو تعويض مخاطر الائتمان الخاصة به مع مخاطر مستثمر آخر.

وشهدت هذ العقود تحسنا بنحو 2333 نقطة أساس بين مايو 2023 ويونيو 2024 لتبلغ 346.3 نقطة أساس، في دلالة على تراجع مخاطر أدوات الدين الخاصة بمصر.

11