غلاء الفنادق وشقق الإيجار ينغص موسم الاصطياف على التونسيين

وجدت أغلب الأسر التونسية متوسطة الدخل نفسها مضطرة للتداين من أجل قضاء موسم صيفي في فندق مرموق أو منزل شاطئي بسعر مناسب لموازنتها. وتلجأ العائلات التونسية إلى الاقتراض مع كل مناسبة نظرا لغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتغير نمط العيش وهيكلة الإنفاق. ونزولا عند رغبة أطفالها لا تتراجع الأسر متوسطة الدخل عن التداين والاقتراض ما يزيد من إنهاكها ويثقل أعباءها.
تونس ـ تزايد معدل تداين الأسر التونسية بشكل طفيف ومستمر بين سنوات 2015 و2019 (حوالي 41.6 في المئة من الدخل الوطني المتاح في المتوسط) ليرتفع في سنة 2020 إلى 52.4 في المئة، وفق تقرير للمعهد الوطني للإحصاء.
وأوضح التقرير، أن هذه الزيادة ناتجة عن القروض الاستهلاكية، وعلى وجه التحديد القروض الممنوحة لتجديد أو تطوير السكن والنفقات.
وتتمحور نفقات الأسر التونسية، عادة، حول العودة المدرسية ومستلزماتها وموسم الاصطياف.
وأرجع التقرير تدهور المقدرة الشرائية للأسر إلى تحمل الديون وشدة الظروف النقدية، وسواء كان التونسيون يقصدون الفنادق أو المنازل الشاطئية الموجودة في المدن الساحلية فإنهم مدفوعون للتداين نظرا لغلاء أسعارها.
وخلال الأعوام الأخيرة، زادت أسعار العقارات المعدة للإيجار في المناطق الساحلية التونسية التي يستفيد أصحابها من الطلب المكثف على إيجارات الشقق والفيلات المعدّة للاصطياف، والتي تشهد انفلاتاً غير مسبوق في غياب الأطر القانونية لحماية حقوق المواطنين.
التونسيون، سواء كانوا يقصدون الفنادق أو المنازل الشاطئية الموجودة في المدن الساحلية فهم مدفوعون للتداين
ويأتي ذلك، مدفوعاً بجاذبية الطلب المحلي والخارجي على هذا الصنف من الإقامات السياحية الذي يتجه نحو منافسة القطاع المنظم توجّهاً جدّياً. ومع زيادة الطلب يطلق أصحاب الأماكن المعدة للإيجار الصيفي العنان للأسعار في أشهر الذروة الصيفية، إذ يصل معدل إيجار الليلة الواحدة إلى نحو 400 دولار في بعض المناطق.
ووصلت أسعار الإيجارات في الشقق والفيلات السياحية هذا العام إلى مستوى 1250 ديناراً لليلة الواحدة بمحافظة سوسة (شرق). وقال الخبراء إن أسعار الإيجار الصيفي في جهة الساحل التي تعد واحدة من أهم المواقع السياحية في البلاد تشهد تبايناً ملحوظاً حيث تتميز منطقة “القنطاوي” بسوسة بالأسعار الأكثر ارتفاعاً لليلة الواحدة لفئة الفيلات التي تحتوي على مسبح لتتراوح الأسعار بين 600 دينار و1250 ديناراً أي ما بين 200 و400 دولار.
أما أسعار الإيجارات في منطقة الوطن القبلي شمال شرق البلاد يمكن أن تصل إلى 1000 دينار أي نحو 330 دولاراً لليلة الواحدة في الفيلات التي تحتوي على مسابح وذلك بجهة قليبية. أما جنوب البلاد فيمكن أن ينخفض سعر إيجار الليلة في الفيلات المجهزة بالمسابح إلى 750 ديناراً، أي نحو 250 دولاراً في مدينة جربة، بينما يقترب إيجار الليلة في شقة من 120 دولاراً .
وتضطر أغلب الأسر التونسية متوسطة الدخل للاقتراض أو التداين تلبية لرغبات أطفالها، من جهة، وضمانا لعطلة مريحة بعد موسم طويل من التعب، من جهة أخرى.
وقالت مها عون الله (أربعينية) أم لطفلين لـ”العرب”، “منذ جائحة كورونا لم تطأ قدمايا شاطئ البحر ولم أنعم بالتنزه أو بقضاء ليلة واحدة في أحد الفنادق التونسية”.
أسعار الإيجار الصيفي في جهة الساحل التي تعد واحدة من أهم المواقع السياحية في البلاد تشهد تباينا ملحوظا هذا العام
وأضافت، قررت هذا العام أن أخصص جزءا من ميزانيتي للاصطياف لكنني لم أنجح في ذلك فالتجأت للبنك وتحصلت على قرض شخصي قيمته 3 آلاف دينار (ما يعادل ألف دولار) وهو ما من شأنه أن يمكنني من قضاء ثلاث ليال في فندق 4 نجوم بمدينة الحمامات (شمال) رفقة زوجي وطفليّ.
وتابعت “ككل التونسيين لا يمكنني الاستغناء عن القروض حتى وإن كانت لمناسبات عادية. لقد دخل هذا السلوك ضمن عاداتنا، وأصبحنا نواجه غلاء المعيشة باللجوء إلى التداين أو الاقتراض مهما أحكمنا التصرف في رواتبنا”.
وتزداد حاجة الأسر إلى الاقتراض لمجابهة المصاريف. وأرجع المختص في الأسواق المالية بسام النيفر ارتفاع القروض المسندة للعائلات التونسية من 26.29 مليار دينار (1 دولار = 3.1 دينار) في سنة 2015 إلى 55.3 مليار دينار في سنة 2022 إلى حاجة الأسر للاقتراض لمجابهة المصاريف.
وأوضح النيفر في تصريح لبرنامج إذاعي الخميس 28 مارس 2024، أنه رغم ارتفاع نسبة الفائدة فإن حجم القروض الاستهلاكية خلال 2023 بلغ 4.7 مليار دينار.
وأكّد النيفر أنّ الـ55.3 مليار دينار لا تشمل قروض الأسر التونسية فقط بل تشمل أيضا قروض المؤسسات الفردية وقروض الجمعيات والمنظمات التي هدفها غير ربحي، كاشفا أنّ قيمة القروض التي تحصّلت عليها الأسر التونسية في 2023 تقدّر بـ28.5 مليار دينار .
وقال ”يبقى هذا الرقم مرتفعا جدا، حيث في سنة واحدة ارتفعت قيمة قروض الأسر التونسية بـ1.27 مليار دينار”.
وأكد ناصر القطاري خمسيني وأب لثلاثة أطفال أنه ككل عام يلتجئ إلى التداين ليقضي أسبوعا في فندق أو أسبوعين في منزل شاطئي بمنطقة سياحية تكون أسعارها في المتناول.
وقال القطاري لـ”العرب” إنه بحكم أن عائلته وفيرة العدد فهو يخيّر أن يقضي فترة الاصطياف في منزل قريب من البحر يتجمع فيه كل أفراد الأسرة بمن فيهم والدته المسنة.
وأضاف أنه لا خيار له سور الاقتراض لإرضاء أطفاله وزوجته التي تعمل طوال العام على راحتهم دون تعب أو تذمر والتي يحق لها، وفق قوله، أن تقضي أياما قليلة بعيدا عن حرارة الطقس المرتفعة.
وأشار القطاري إلى أن نفقات الأسر التونسية شهدت تطورا وكذلك تغيرا في السنوات الأخيرة، فما كان غير ضروري أصبح ضروريا.
وفي نتائج المسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر في سنة 2021، تبين أن متوسط الإنفاق السنوي للفرد يقدّر بـ5468 دينارا.
وبلغ متوسط الإنفاق السنوي للفرد 5468 دينارًا سنة 2021، مقابل 3871 دينارًا سنة 2015، أي بزيادة قدرها 41.3 في المئة. ويقابل هذا التطور متوسط نمو سنوي بالأسعار الجارية قدره 5.9 في المئة وهو ما يوازي نسبة التضخم المسجلة خلال هذه الفترة مما يجعل الإنفاق بالأسعار القارة شبه مستقر مقارنة بسنة 2015. ويتفاوت متوسط الإنفاق السنوي للفرد بشكل كبير بين مختلف الفئات الاجتماعية، حيث يتراوح بين 11767 دينارًا كمتوسط إنفاق للفرد لدى الخمس الأعلى في سلم الإنفاق الأسرى (20 في المئة الأعلى إنفاقا) و2014 دينارًا لكل فرد من أفراد أسر الخمس الأدنى (20 في المئة الأقل إنفاقا)، أي أعلى بحوالي ستة أضعاف.
وعلى مستوى الجهات، سجّلت أقاليم تونس الكبرى والوسط الشرقي أعلى مستويات لمتوسط الإنفاق السنوي للفرد، تقدر على التوالي بــ6847 و6130 دينارًا. من ناحية أخرى، حقّقت أقاليم الشمال الغربي والجنوب الغربي أعلى معدلات نمو سنوي خلال الفترة 2015 – 2021 وذلك بنسب مئوية تقدر على التوالي بـ8.9 في المئة و 7.9 في المئة.
وعرفت هيكلة الإنفاق الأسري سنة 2021 تغييرا يخالف المنحى الذي اتبعته في العشريات السابقة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت حصة التغذية في إجمالي الإنفاق من 28.9 في المئة سنة 2015 إلى 30.1 في المئة سنة بعد أن عرفت منحى تنازلي لعدة عقود. وبلغت هذه النسبة حوالي 35 في المئة بالنسبة إلى الأسر الأقل إنفاقا. من جهة أخرى، تراجعت حصة النفقات المخصصة للنقل بثلاث نقاط مئوية سنة 2021، بينما سجلت حصة النفقات الخاصة بـ”الرعاية الصحية والشخصية” ارتفاعا هاما مقارنة بسنة 2015 وذلك تزامنا مع تفاقم الأزمة الصحية.