مناقشة الحبس الاحتياطي: جرعة أوكسجين لإنعاش الحوار الوطني في مصر

استدعاء قانون الحبس الاحتياطي يشير إلى أن الحكومة لديها رغبة في إدخال تعديلات عليه، تكسب من خلالها ثقة الرأي العام.
الخميس 2024/07/25
هل تفي السلطة هذه المرة بالتزاماتها

القاهرة - عادت جلسات الحوار الوطني للانعقاد في مصر بمناقشة قضية الحبس الاحتياطي والقواعد المنظمة لها، بعد يوم وحد من إعلان نيابة أمن الدولة العليا الإفراج عن 79 من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، في خطوة تشي برغبة في إنعاش الحوار الذي تشوهت أجزاء من صورته مع عدم تنفيذ كثير مما تمخض عنه من توصيات بعد انتهاء جولته الأولى.

وبدأ الحوار الثلاثاء مناقشة مدة الحبس الاحتياطي وبدائله والموقف حال تعدد الجرائم، والتعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ، وتدابير منع السفر المرتبطة بقضاياه، ويمكن أن يخرج بتوصيات في نهاية الاجتماعات، والتي قد تستمر أياما، تقوم الحكومة بترجمتها في شكل قوانين وتشريعات يقرها البرلمان على قانون الإجراءات الجنائية الذي يدخل ضمنه الحبس الاحتياطي.

وعمدت دوائر رسمية إلى كسر حدة التوتر وضخ جرعة أوكسجين جديدة بينها وبين أطراف في المعارضة، قاطعت الحوار مع انتهاء جولته الأولى في أغسطس الماضي، حيث لم تستجب الحكومة لمطالبها بشأن الإفراج عن أسماء بعينها، حيث تعتبرها اختبارا لجدية نوايا السلطة حيال تحقيق اختراق في ملف الحريات عموما.

ولم تلتزم الحكومة بتنفيذ جميع التوصيات المتوافق عليها من قبل، ولذلك استبقت مناقشة ملف المحبوسين احتياطيا على طاولة الحوار بقرار الإفراج عن دفعة جديدة.

وقدم مجلس أمناء الحوار الوطني الذي تشكل قبل حوالي عامين، الدعوة لشخصيات معارضة للمشاركة في الاجتماعات، أبرزها رئيس حزب الإصلاح والتنمية أنور السادات، والقيادي في الحركة المدنية الديمقراطية خالد داوود، ما عبر عن رغبة في إعادة زخم حوار بعث سابقا بإشارات إيجابية حول انفتاح السلطات على المعارضة، وفتح المجال أمامها لممارسة عملها السياسي بقدر أكبر من الحرية.

محمد سامي: حجم تجاوب المعارضة يتوقف على نوع الإشارات
محمد سامي: حجم تجاوب المعارضة يتوقف على نوع الإشارات

وثمّن الحقوقي البارز نجاد البرعي الانفتاح الحاصل في مناقشة ملف المحبوسين احتياطيا، واعتبره خطوة جيدة يمكن البناء عليها لتحقيق المزيد من المكاسب.

ويشير استدعاء قانون الحبس الاحتياطي، والذي كان محورا مهما في اجتماعات سابقة، إلى أن الحكومة لديها رغبة في إدخال تعديلات عليه، تكسب من خلالها ثقة الرأي العام، إذ وجدت أن الإصلاح السياسي يوفر إليها دعما شعبيًا يساعدها على تجاوز ما تواجهه من انتقادات متكررة في مجالات خدمية واجتماعية مختلفة.

وظهر هذا المضمون في استحداث وزارة في الحكومة الجديدة مهمتها التواصل السياسي، يطلق عليها “وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي” يتولاها أحد أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني، وهو المستشار محمود فوزي.

وتدرك جهات حكومية أن التطرق إلى مسائل إجرائية يتم توصيفها على أنها ضمن مساعي الإصلاح أمر مقبول، وتحاول التأكيد على أنها تعمل على تحسين الأجواء السياسية من دون أن تتعرض لضغوط خارجية، وأنها تستجيب للمطالب الداخلية فقط لفتح المجال العام، على أن يكون هناك خطر على الأمن القومي، ما يدعم الخروج بتعديلات تتماشى مع جوهر الحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان.

وتكمن المشكلة في مدى إقناع المعارضة بجدوى الحوار، وأن حضور شخصيات بارزة قد لا يكفي لتحقيق الهدف المنشود، ففي أذهان البعض أن مناقشته تشبه الجري في مكان واحد، والمزايا التي تحققت من الحوار مع المعارضة تجاوزتها الأحداث، ومن المهم البحث عن مزايا جديدة حاليا.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة محمد سامي إن الحوار الوطني يناقش موضوعا على رأس أولويات المعارضة عندما بدأت أولى جلساته، وما جرى التأكيد عليه من قبل سيتم قوله مجدداً بشأن ألاّ يكون الحبس الاحتياطي مبرراً عقابيًا ويجب أن يوضع في مكانته الطبيعية كإجراء احترازي.

إيهاب الخراط: المعارضة تطمح إلى سقف أعلى مما رسمته الحكومة
إيهاب الخراط: المعارضة تطمح إلى سقف أعلى مما رسمته الحكومة

وأضاف سامي في تصريح لـ”العرب” أن المعارضة لديها رؤية واضحة بشأن التعامل الإيجابي مع الحوار، والعودة للانفتاح عليها والاستماع لرؤيتها من قبل الحكومة تجعل هناك تجاوبا ينطلق من مبدأ “أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبدا”.

وذكر أن الإفراج عن عشرات من المحبوسين ثم انطلاق جلسات الحوار بشأن قانون الحبس يعبر عن تغير في قناعات الحكومة التي أدركت بأنها في حاجة إلى طرح المزيد من المبادرات كي تخفف من التململ في الشارع، وإن لم يكن ذلك نتيجة مباشرة لقضية الحبس، وأن الصعوبات التي يواجهها المواطنون نتيجة ظروف معيشية.

وأشار سامي إلى أن حجم تجاوب المعارضة يتوقف على نوع الإشارات ومدى الرغبة في بدء إصلاح سياسي حقيقي، وأن خطورة الأوضاع الإقليمية المحيطة بمصر تجعل هناك رغبة من جانب المعارضة في إحداث تطور يساعدها على ممارسة دورها، وليس الدخول في صدامات خارج إطار العمل السياسي المتعارف عليه.

وناقش مجلس النواب المصري مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد الحبس الاحتياطي، تضمّنت وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم حالات التعويض عنه، تحقيقاً للغاية من كونه تدبيراً احترازياً، وليس عقوبة، وتقليص مدة الحبس لتصبح في قضايا الجنح أربعة أشهر بدلاً من ستة أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً في القانون الحالي، و18 شهراً بدلاً من عامين إذا كانت العقوبة السجن المؤبّد أو الإعدام.

وأكد نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط أن المعارضة تنظر للحوار الوطني باعتباره مدخلاً مهمًا لمعالجة الأزمات السياسية، وهناك قناعة بأنه بالإمكان إدارة حوار بين مكونات مختلفة للوصول إلى نقاط التقاء مشتركة، وأن المسافات ليست بعيدة، والتعويل على وجود رغبة حكومية جادة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن المعارضة تطمح إلى سقف أعلى مما رسمته الحكومة، والذي وضح في القضايا التي ناقشها الحوار خلال مرحلته الأولى، وفي التعامل مع توصياتها، ما يجعل هناك تخوفا من أن تكون المساعي الحالية لا تعبر عن تغير ملموس في رؤيتها للإصلاحات السياسية.

ومن المقرر أن يناقش الحوار الوطني قضايا اقتصادية واجتماعية مثل منظومة الدعم ومدى إمكانية التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من العيني، وتطوير منظومة الثانوية العامة (البكالوريا)، وسط تأكيدات حكومية على أنها سوف تسير بالتوازي في عملية التنسيق بين الوزارات لتنفيذ مخرجات مرحلته الأولى.

2