الانجراف الساحلي يهدد الشواطئ رمز السياحة التونسية

البنك الدولي يقدر الكلفة السنوية لمشاكل التعرية بنحو 2.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
الأربعاء 2024/07/24
كم كلفة استجرار الرمال من القيروان؟

أضيفت مشكلة تآكل السواحل في تونس إلى أزمات أخرى تشهدها الدولة منذ سنوات على الأصعدة المالية والأعمال والبنى التحتية والخدمات، ما يستدعي التحرك على نحو أسرع لمواجهة الانجراف الذي يهدد الشواطئ رمز السياحة للبلاد.

الحمامات (تونس)- تتولى جرافات تسوية أكوام من الرمال البيضاء لإحياء شاطئ تقلصت مساحته في مدينة الحمامات، إحدى الوجهات السياحية الرئيسية في تونس.

وتسارع انجراف السواحل في السنوات الأخيرة بفعل تزايد عمليات البناء الحضري، فضلا عن تفاقم تداعيات التغير المناخي.

ويعيش ما لا يقل عن 85 في المئة من سكان تونس البالغ عددهم أكثر من 12 مليون نسمة على الساحل، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ حوالي 40 في المئة، وفقا للبنك الدولي.

وقبل أيام قليلة من انطلاق فصل الصيف لهذا العام، جرت عملية إعادة جلب الرمال وتسطيحها بوسط مدينة الحمامات الواقعة على بعد 60 كيلومترا جنوب العاصمة، بإشراف وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي التابعة لوزارة البيئة التونسية.

بوكس

وجلبت شاحنات في يونيو الماضي، نحو 750 حمولة من الرمال، ما يعادل 15 ألف متر مكعب، من منطقة القيروان وسط البلاد، على بعد أكثر من 100 كيلومتر، ووُضِعَت على هذا الشاطئ الذي يمثل رمزا سياحيا تعتمد عليه بشكل أساسي البلاد لجذب الزوار.

وخلال المواسم الجيدة يمكن أن تمثل السياحة 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما توفر الآلاف من فرص العمل في بلد تتجاوز فيه معدلات البطالة 16 في المئة وتبلغ 40 في المئة بين الشباب.

وتمثل الشواطئ الممتدة من شمال تونس إلى جنوبها إلى جانب المناطق الصحراوية والواحات، إحدى أهم الوجهات، التي تسعى السلطات إلى التسويق لها في الخارج لاستمالة السيّاح الأوروبيين الباحثين عن أشعة الشمس على سواحل المتوسط.

وتعمل تونس على جذب أكثر من 10 ملايين سائح خلال هذا الموسم، وتتجاوز الأرقام القياسية المسجلة قبل العام 2011.

وتعرض ما يقرب من نصف شواطئ تونس البالغ طولها 670 كيلومترا لتهديدات شديدة بسبب تآكل السواحل اعتبارا من عام 2020، وهو رقم تضاعف أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1995 وفقا لوكالة حماية السواحل.

وقامت الوكالة ببناء جدران لحماية الساحل من الأمواج وتأمين الرمال من مقلع رمال قريب لإعادة بناء الشواطئ. وقبل أربعة أعوام كان لديها حماية أفضل لمسافة 32 كيلومترا من الساحل.

وتبلغ الكلفة السنوية التقديرية للتعرية الساحلية من حيث الأضرار التي لحقت بالأراضي والمباني القريبة من الشاطئ ما يعادل 2.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس، مقابل 0.7 في المئة في ليبيا، و 0.4 في المئة في المغرب، و0.2 في المئة في الجزائر.

ويقول الكاتب العام لجمعية التربية البيئية بالحمامات شهاب بن فرج لوكالة فرانس برس “يمثل هذا الشاطئ رمزا لمدينة الحمامات منقوشا في خيالنا منذ الطفولة”.

ويظهر تقرير للبنك الدولي في العام 2020 أن “التآكل الساحلي في الحمامات ساهم في فقدان 24 ألف متر مربع من الشاطئ على مدى 13 عاما بين 2006 و2019، مع اختفاء ثلاثة إلى 8 أمتار من الشاطئ سنويا”.

بوكس

وفي هذه المنطقة، وصل التآكل “المذهل” بالفعل إلى مستوى “التدمير الكلي” لبعض الشواطئ خلال العامين الأخيرين، وفقا للجمعية.

وتواجه السواحل التونسية تهديدا فعليا بخسارة متر ونصف المتر من الخط الساحلي سنويا، مما أدى عمليا إلى اختفاء 90 كيلومترا من الشواطئ ويعرض للخطر 190 كيلومترا إضافيا من الخط الساحلي الرملي البالغ طوله 570 كيلومترا الصالحة للسباحة.

ويمكن أن تكون عملية جلب الرمال للشاطئ تقنية مفيدة من الناحية الجمالية والاقتصادية، لكنها “ليست حلاّ مستداما”، في تقدير بن فرج. وبالفعل، توجد حلول أخرى نافعة وذات جدوى على غرار إقامة كاسرات أمواج على الشواطئ.

وتشير الجمعية إلى حلّ آخر يتمثل في تركيب الأسوار الخشبية التي تثبت بالرمال على العديد من الشواطئ، ومكّنت من إعادة تشكيل الكثبان الرملية واستقرارها.

وبخلاف ذلك، فإن “الرمال قد لا تدوم طويلا، ويمكن أن تبتلعها عاصفة خلال أيام قليلة”، بحسب بن فرج، كما حدث في صيف 2023، “خلال أول عملية إعادة تهذيب للرمل”.

لكن هذه الحلول مكلفة جدّا، علما أن تكلفة إعادة تعبئة ثلاثة شواطئ بالرمال في مدينة الحمامات والمنستير وصفاقس قدرت بنحو 3.9 ملايين دينار (1.25 مليون دولار)، بحسب وكالة حماية السواحل.

وتقول مديرة فندق المنارة بالحمامات، والمسؤولة النقابية المحلية نرجس بوعسكر إن الشاطئ “هو واجهة الحمامات”. وتضيف “بالنسبة لنا، الأولوية هي استعادة الشاطئ الذي ابتلعه البحر، وأن لا نمس جمال المدينة”.

وتؤكد بوعسكر على أنها دقت ناقوس الخطر في الأشهر الأخيرة، وأعربت عن ارتياحها للوعي الذي أظهرته السلطات إزاء هذا المشكلة البيئية.

لكن إعادة البناء ليست سوى “حلّ موقت” لأن “من غير المعروف كيف سيكون تفاعل البحر”، بحسب المديرة التي تشدد على ضرورة تحقيق توازن بين حماية المناظر الطبيعية المفضلة لدى المصطافين والعمل الفاعل من أجل الحد من تآكل السواحل الرملية.

وترى الجمعية البيئية ووكالة حماية السواحل أن السبب الرئيسي لهذا التآكل التدريجي هو النشاط البشري عبر التوسع الحضري غير المراقب في عمليات البناء، فضلا عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يسبب المزيد من العواصف العنيفة وارتفاع مستوى سطح البحر.

85 في المئة من سكان تونس يعيشون على الساحل، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ حوالي 40 في المئة، وفقا للبنك الدولي

وعلى شاطئ وسط مدينة الحمامات، أدى البناء إلى اختفاء الكثبان التي تؤدي دورا مركزيا في التجدد الطبيعي للرمال.

وتندد الوكالة بعمليات تهيئة الشريط الساحلي والتي لم تأخذ في الاعتبار مجاري الأودية المسؤولة عن جلب 85 في المئة من الرواسب إلى الساحل.

ويؤكد مسؤول في الوكالة الحكومية، لم تذكر فرانس براس هويته، “لم تتم دراسة الإنشاءات بطريقة تحترم الديناميكيات الساحلية”.

والشواطئ الأكثر تضررا من التآكل هي على وجه الخصوص تلك الموجودة في المناطق الحضرية، كما هي الحال في الحمامات وغيرها من المدن الساحلية مثل المنستير أو سوسة، بحسب بن فرج.

11