اتهام إسرائيلي محرج لتركيا ورد تركي أكثر إحراجا: لم نسلح حماس

أنقرة- وجدت القيادة التركية نفسها في موقف محرج لتؤكد أنها ليست في وارد تقديم الدعم العسكري للفلسطينيين، بعد أن اتهمتها إسرائيل بتوريد السلاح لحركة حماس.
وجعل الاتهام الإسرائيلي أنقرة في وضع حرج؛ فهي لا تستطيع أن تعلن موقفها الذي يقوم على النأي بالنفس وعدم إثارة غضب إسرائيل والولايات المتحدة من التدخل في الملف بشكل يجعلها في مرمى غضب واشنطن وتل أبيب ويهدد مصالحها معهما، وفي الوقت نفسه لا تريد إحداث صدمة لحلفائها الإسلاميين وجمهورهم الذي مازال يعتقد في شعارات الرئيس رجب طيب أردوغان الداعمة لحماس.
وجاء الرد التركي متوترا في بيان صادر عن وزارة الخارجية وصف فيه اتهام إسرائيل لأنقرة بالضلوع في دعم حركة حماس بأنه “أكاذيب” و”قلة احترام”، وهو ما يؤكد حجم الحرج التركي من إثارة العلاقة مع حماس.
وفي منشور بالتركية على منصة إكس اتّهم وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الرئيس التركي بـ”توفير أسلحة وأموال لحماس لقتل إسرائيليين”. وأعلن كاتس أن أجهزة أمنية إسرائيلية فكّكت “خلايا إرهابية” كانت تتلقى الأوامر من “مقر حماس في تركيا”.
ولا يعود سبب التوتر إلى حديث كاتس عن تمويل حماس وتسليحها، وإنما هو ناجم عن جر أنقرة إلى الرد؛ فهي لا تقدر على السكوت عن الاتهام الذي يمكن أن يهدد مصالحها مع الأميركيين، خاصة في ظل تهدئة التوتر في الأشهر الأخيرة ووعد إدارة الرئيس جو بايدن تركيا بمساعدتها في الحصول على طائرات أف 16.
ولا شك في أن ورود الاتهام بتمويل حماس في هذا الوقت سيمهد لعودة التوتر بين واشنطن وأنقرة في حال فاز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر القادم وحاز ولاية جديدة، وهو أمر متوقع في ظل انسحاب بايدن.
وإذا كان النفي التركي لدعم حماس وتسليحها سيرفع عن أنقرة الحرج أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه يضاعف الحرج بالنسبة إلى أردوغان في علاقته بحماس وجمهورها الإخواني في المنطقة، الذي كان ينظر إلى الرئيس التركي على أنه زعيم إسلامي بيده أوراق ضغط كثيرة يمكنه استعمالها لنصرة حماس وبقية الحركات الإخوانية. لكن هذا الرهان لم يتحقق منه شيء، وبات الإسلاميون يشعرون بأن أردوغان تخلى عنهم كليا في مقابل مصالح تركيا.
◄ إذا كان النفي التركي لدعم حماس سيرفع عن أنقرة الحرج أمام إسرائيل، فإنه يضاعفه في العلاقة مع حماس
ولا يثق الفلسطينيون، ومن ضمنهم قادة حماس، في أردوغان الذي تخضع مواقفه لتقلبات المزاج، ولا ينسون خطابه شديد اللهجة ضد إسرائيل في فترة من الفترات ثم عودته لبناء علاقات متينة معها على كل المستويات وسعيه لفتح الباب أمام مرور الغاز الإسرائيلي عبر بلاده باتجاه أوروبا.
كما أن التهويش التركي بالحد من التعاملات التجارية لم يمنع ارتفاع الصادرات التركية إلى إسرائيل بنسبة 35 في المئة خلال فترة الحرب على غزة. ووفقًا لبيانات وزارة التجارة في تركيا بلغت الصادرات التركية إلى إسرائيل 319.5 مليون دولار في نوفمبر الماضي، وارتفعت بنسبة 34.8 في المئة خلال ديسمبر إلى 430.6 مليون دولار.
ورغم التكذيب الذي صدر في بيان الخارجية التركية للمعلومات الإسرائيلية الخاصة بدعم حماس، يُنتظر أن تتحرك أنقرة لمنع استعمال الأراضي التركية في نقل أسلحة أو جمع تبرعات أو تقديم خطاب دعائي ضد إسرائيل. كما يُنتظر أن تزيد السلطات التركية ضغوطها على عناصر حماس الموجودين على أراضيها كي تؤكد للإسرائيليين أنها محايدة.
وكان أردوغان قد رد على التكهنات بشأن استضافة قادة حماس في بلاده إذا غادروا قطر تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية بالقول إن مكانهم الطبيعي هو الدوحة. وفُهم توضيح أردوغان على أنه رسالة إلى حماس يفيد مضمونها بأن تركيا لن تخاطر باستقبال قادة تطاردهم إسرائيل بسبب أنشطة عابرة للدول، وذلك بالرغم مما رافق زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى أنقرة من تأويلات أشارت إلى أن الزيارة ترتب لهذا الانتقال.
وفي لقائه بهنية لم يلمّح الرئيس التركي، لا من قريب ولا من بعيد، إلى موضوع استقبال قادة حماس. وتحدث عن الشأن الفلسطيني حديثا عاما ومعهودا؛ حيث دعا إلى الوحدة وأقرّ بضرورة إيصال المساعدات إلى غزة.
ويتساءل المراقبون “إذا كانت تركيا لم تدعم المقاومة ولم ترسل شيئا إلى غزة قبل الحرب وأثناءها، فعلام دق الطبول وشحذ الهمم والمزايدة على أطراف أخرى في المنطقة تدعو إلى التهدئة وتدعم المسار التفاوضي؟”.
وجاء في بيان للخارجية التركية أن “وزير الخارجية الإسرائيلي يحاول التستر على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين بسلسلة من الأكاذيب والافتراءات وقلّة الاحترام”. وتابع البيان “الدعاية الإسرائيلية القذرة والضغوط النفسية على بلادنا ورئيسنا لن يكون لهما أي تأثير”.
وذكّرت الوزارة بأن نحو 40 ألف فلسطيني قتلوا بأيدي الجيش الإسرائيلي في غزة، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع، منذ اندلاع الحرب التي أشعل فتيلها هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
واتّهمت “أعضاء حكومة نتنياهو” بأنهم “يسعون لإطلاق حرب إقليمية للبقاء في السلطة”، ودعت إلى سوقهم للمثول أمام العدالة الدولية. وشدّدت على أن “تركيا ستواصل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بالعيش في عدالة وسلام وقول الحقيقة”.