كتاب يستعيد وجوه وهبي إسماعيل حقي

وهبي إسماعيل حقي برز باعتباره الإمام والمؤلف في الموضوعات الدينية والقصص والروايات والترجمة من العربية إلى الألبانية.
الثلاثاء 2024/07/23
كاتب ومثقف ألباني أثرى الثقافة العربية

عمان - يتناول كتاب “وهبي إسماعيل حقي.. رائد الترجمة بين الأدبين الألباني والعربي” من إعداد وتقديم الباحث محمد. م الأرناؤوط

بعضا من سيرة الكاتب والمترجم الألباني وهبي إسماعيل حقي (1919-2008)، الذي ذهب إلى القاهرة للدراسة فيها واختار مصر «وطنا ثانيا» بعد أن تعمق في اللغة العربية وآدابها والثقافة الإسلامية، حيث برز اسمه بسرعة في أربعينيات القرن العشرين في أهم المجلات الثقافية التي كانت تصدر آنذاك مثل «الرسالة» و«الثقافة» و«الهلال» كاتبا ومترجما لأعلام الأدب الألباني الحديث.

ومع إسهامه الريادي في هذا المجال ساقته الظروف في 1949 إلى ديترويت بالولايات المتحدة ليتولى إدارة «المركز الإسلامي الألباني»، حيث تابع عمله هناك في التأليف والترجمة والنشر حتى وفاته في 2008 ليترك لنا إرثا غنيا باللغات الألبانية والعربية والإنجليزية.

ولد وهبي إسماعيل حقي سنة 1919 في مدينة شكودرا بشمال ألبانيا، التي تعد من أقدم المدن في ألبانيا ولاتزال مستمرة من ألفي عام ونيف. والتي تحولت خلال الحكم العثماني إلى مركز للثقافة الألبانية الإسلامية مع انتشار الإسلام في شمال البلاد. وقد برز هذا لاحقا مع ضعف المركز (استانبول) واستقواء الولاة على رأس الباشويات الذين سعوا إلى المزيد من القوة وحتى إلى الاستقلال.

 ولادة وهبي إسماعيل جاءت في فترة حرجة بالنسبة لمصير المدينة
 ولادة وهبي إسماعيل جاءت في فترة حرجة بالنسبة لمصير المدينة

وقد جاءت ولادة وهبي إسماعيل في فترة حرجة بالنسبة لمصير المدينة. إذ مرت عليها تقلبات سياسية كبيرة خلال فترة تاريخية حرجة خلال الحرب العالمية الأولى وما قبلها وما بعدها، من عدم الاستقرار وتقلب الاحتلالات عليها.

كان والد إسماعيل حقي إماما معروفا في المدينة ومثقفا يعمل في مكتبة غنية بآلاف الكتب في اللغات العربية والعثمانية والفارسية، ونظم الشعر باللغة الألبانية في الحروف العربية في استمرار للتراث الثقافي الذي تشكل في البلاد خلال عدة قرون، وقد ترك ذلك تأثيرا كبيرا على نشأته.

أما انتقاله للقاهرة فقد تزامن مع توجه الطلاب الألبان للدراسة في القاهرة بدلا من استانبول منذ 1923، حين تأسست «الجماعة الألبانية المسلمة» التي أصبحت تمثل المسلمين أمام الدولة وترعى شؤونهم الدينية والثقافية بعد أن استقلت عن مشيخة الإسلام في استانبول. وقد تخرج من الأزهر في صيف 1945. لكنه لم يتمكن من العودة إلى وطنه بسبب سيطرة النظام الشيوعي على الحكم في بلده وإعلانه البلاد ملحدة، وبالتالي لم يكن هناك مكان للمتدينين فيها. لذلك قرر أن يجعل مصر «وطنه الثاني».

وقد انخرط في الحياة الثقافية العربية قراءة وكتابة خلال تلك السنوات وأسهم في أهم المجلات الثقافية العربية التي كان يكتب فيها كبار الكتاب العرب في القرن العشرين، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وعبدالقادر المازني وأحمد أمين وأحمد زكي وميخائيل نعيمة ومحمود تيمور ويوسف السباعي وبنت الشاطئ وغيرهم، الذين ارتبط مع أغلبهم بعلاقات صداقة.

وقد أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان المهد الذهبي سنة 1848 التي يقول عنها “ألحت عليّ الرغبة في الكتابة، وتوافرت لديّ الاستعدادات لها فكتبت بعض القصص التي تصور تقاليد وعادات بلادي الحبيبة ألبانيا”.

انتقل وهبي سنة 1949 إلى الولايات المتحدة بناء على دعوة من رئيس «الجمعية الألبانية المسلمة الأميركية»، التي كانت قد تأسست في ديترويت بولاية ميتشغن عام 1945 والتي كانت بحاجة إلى إمام ألباني متخرج من جامعة معروفة يوصل الدين بيسر إلى العمال والأطفال باللغة الألبانية، وهو ما كان ينطبق على وهبي إسماعيل حقي الذي كان يعرف أيضا اللغة الإنجليزية. فعمل هناك على إنشاء أول مسجد ومركز ثقافي.

في هذه المرحلة برزت الوجوه المتعددة لوهبي إسماعيل حقي باعتباره الإمام والمؤلف في الموضوعات الدينية والكاتب القصصي والروائي والمترجم من العربية إلى الألبانية. فأصدر مجلة فصلية، وأنشأ دار نشر ومكتبة، وبدأ بنشر أعماله باللغة الألبانية، وساهم بنقل بعض الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الألبانية مثل مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم، وغيرها من الأعمال.

انخرط في الحياة الثقافية العربية قراءة وكتابة خلال تلك السنوات وأسهم في أهم المجلات الثقافية العربية التي كان يكتب فيها كبار الكتاب العرب في القرن العشرين، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد

وبعد هذه التجربة الغنية في الترجمة من العربية إلى الألبانية وبالعكس قرر وهبي إسماعيل أخيرا خوض التحدي لترجمة القرآن الكريم إلى الألبانية. وكان علماء المسلمين في ألبانيا كغيرهم في العالم الإسلامي يرفضون من حيث المبدأ ترجمة القرآن على الرغم من مرور قرون على انتشار الإسلام بين الألبان، ويرون وجوب تعلمه وقراءته في العربية لأجل الصلاة اليومية على الأقل.

وقد بدأ منذ العدد الثالث لمجلة «الحياة الألبانية المسلمة» في 1950 نشر بعض سور القرآن التي لاقت الاستحسان («الفاتحة» و«البقرة» و«الحجرات» و«الفرقان» وغيرها)، ثم قرر ترجمة القرآن كاملا، وهو ما حدث بالفعل، فقد كان قد انتهى من طباعة الترجمة على الآلة الكاتبة وانطلق لجولة على بعض الدول العربية لتأمين تمويل لطبع الترجمة، ولكن الحقيبة التي وضع فيها الترجمة ضاعت وبقي ينتظر شهورا آملا أن تعود إليه.

ولما لم يعد قادرا على إعادة الترجمة، حث صديقه الدكتور فتحي مهديو أن يقوم بهذا العمل الذي كان يتوق إليه، وهو ما تحقق بالفعل عام 1985. ويذكر أن كتاب “وهبي إسماعيل حقي.. رائد الترجمة بين الأدبين الألباني والعربي” صدر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن.

أما محمد موفاكو الأرناؤوط فهو مؤرخ كوسوفي سوري ناشط منذ ثمانينيات القرن العشرين. صدرت له مجموعة كبيرة من المؤلفات الشخصية التي تناولت تاريخ ألبانيا والبلقان عموما، وتاريخ سورية والبلاد العربية، والتفاعل الحضاري بين المنطقتين. وصدرت له كذلك مجموعة كبيرة من الكتب المحققة والمحررة والترجمات.

13