الحشرة القرمزية تفتك بمحاصيل التين الشوكي في المغرب العربي

خطط لزراعة أصناف مقاومة للآفات ومحاولة التعايش مع المشكلة بيولوجيا.
الاثنين 2024/07/22
من المبكر إحصاء الخسائر

تكافح الجهات الزراعية في المغرب العربي، التي بدأت منذ أشهر في سباق مع الوقت من أجل التصدي لآفة دمرت حقول الصبار المنتجة للتين الشوكي، والذي يعتبر أحد المجالات المدرة للدخل بالنسبة إلى الكثير من المزارعين وقد يؤثر على الشركات التي تستثمر فيه.

الشبيكة (تونس) - تمتد زراعة التين الشوكي على طول الطريق المؤدية إلى منطقة الشبيكة التابعة لولاية (محافظة) القيروان في وسط تونس، لكنها فقدت اخضرارها وغطتها طبقة لزجة تشبه الصوف الأبيض بسبب انتشار الحشرة القرمزية.

اكتسحت هذه الآفة دول المغرب العربي منذ سنوات، ويهدد انتشارها الآن بانهيار مجال زراعي حيوي للعديد من السكان المحليين، وحتى للمستثمرين.

وبدأ انتشار هذه الحشرة بالمنطقة خلال 2014 في المغرب، ثم وصلت تدريجيا إلى الجزائر وتونس في العام 2021، وهي عبارة عن طفيليات تلتصق بألواح شجرة الصبّار وتمتص عصارتها ما يتسبب في تلفها بالكامل بينما لا تشكل خطرا على الإنسان والحيوان.

ويمثل التين الشوكي مصدرا مهمّا للفاكهة وتستخلص منه زيوت طبيعية ومستحضرات تجميل تشكل مصدر رزق لآلاف العائلات في هذه الدول. وبفعل هذه الآفة تلفت ما بين 40 و50 في المئة من المساحات الإجمالية المزروعة تينا شوكيا في تونس، ولم تتضرر بعد المساحات المهيكلة المخصصة للتصدير.

وتُبذل جهود حثيثة لحماية هذه الأجزاء التي تشكل ثروة ومورد رزق أساسيا للمتساكنين، حيث يصل سعر اللتر الواحد من الزيت الطبيعي المستخلص من هذه النبتة إلى 4 آلاف يورو، بحسب السلطات التونسية.

ولم يعد للمزارع الخمسيني في منطقة الشبيكة عمر نويرة بصيص أمل في إنقاذ التين الشوكي، الذي زرعه على مساحة تقدر بنصف هكتار. وتحوّل حقله بالكامل إلى نباتات جافة بعدما طالها الضرر من كل جانب.

وكان يطمح لتصدير منتوجه بعدما أصبح قطاع تثمين هذه النبتة واستغلالها يلقى إقبالا متزايدا من الأسواق الخارجية.

إبراهيم الشرميطي: القضاء على الآفة في تونس بات مسألة أمن قومي
إبراهيم الشرميطي: القضاء على الآفة في تونس بات مسألة أمن قومي

ويقول نويرة “أردت في البداية أن أجعلها مرحلة تجريبية لإنتاج ثمرة سلطان الغلة (التسمية المحلية للتين الشوكي)، وأطوّر تدريجيا الاستثمارات، وأبحث عن عملاء خارج البلاد خصوصا لزيوتها الطبيعية”.

ويضيف لوكالة فرانس برس “لكنّ المرض وصل وأصبح سلطان الغلّة عليلا ولا يوجد دواء، وتركتُ فكرة الاستثمار”.

وتنشط 40 شركة لإنتاج التين الشوكي البيولوجي المعد للتصدير وتستغل 150 ألف عائلة هذه الزراعة كمصدر رزق في البلاد، التي تصنف كثاني أكبر منتج لهذه الفاكهة في العالم بنحو 550 ألف طن سنويا، كما تستثمر 40 شركة في عمليات تحويله وتصديره.

ويفضل المزارعون غرس التين الشوكي لأنه يقاوم الجفاف، ويساهم في ترسيم ملكية الحقول وحماية التربة من التآكل.

وخلال السنوات الأخيرة تحوّلت منتجات هذه الفاكهة إلى مجال واعد اتسعت زراعته على مساحة 600 ألف هكتار منها نحو 150 ألف هكتار مخصصة للاستثمار والتصدير.

أمّا في المغرب، وهو أول الدول المتضررة في المنطقة قبل عقد من الزمن، فيُزرع التين الشوكي على إجمالي مساحة تبلغ 160 ألف هكتار.

ونفذت الرباط “خطة طوارئ” في العام 2016 لمكافحة الحشرة بالاعتماد على المعالجات الكيميائية واقتلاع نباتات الصبار المصابة ودفنها وإجراء الأبحاث البيولوجية لاختيار الأصناف المقاومة القادرة على الصمود أمام هذا المرض وتحييده. وفي أغسطس 2022، قدرت السلطات الزراعية في المغرب المساحات التي تلفَت بنحو 120 ألف هكتار.

وظهرت الحشرة في الجزائر خلال 2021 بمدينة تلمسان الحدودية مع المغرب، وبادرت السلطات الزراعية آنذاك إلى حجر المناطق المتضررة وأمرت باقتلاع كل النباتات المصابة.

◙ 550 ألف طن معدل الحصاد السنوي لتونس، التي تصنف كثاني منتج للتين الشوكي في العالم

وتنتشر زراعة التين الشوكي في البلد النفطي على 60 ألف هكتار وهي ثمرة يعشقها الجزائريون حتى أن هناك مهرجانا مخصصا لها في منطقة القبائل.

وفي ليبيا، ينمو الصبّار بشكل طبيعي في شمال البلاد، وفي المناطق الزراعية، حيث يتم اعتماده لترسيم حدود الحقول بتسييجها. وتستورد الثمرة بشكل حصري من تونس.

ويوضح الباحث في علم الحشرات إبراهيم الشرميطي أن مناخ المنطقة الجاف ساعد الحشرة القرمزية على الانتشار بسرعة كبيرة، إذ تكيفت مع التغير المناخي الذي يتميز "بتزايد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة".

وتواترت سنوات من الجفاف الحاد في المنطقة عبر تراجع نسب تساقط الأمطار وتسجيل درجات حرارة قياسية. ويرى الشرميطي أن "سبب انتشارها هو غياب مراقبة شديدة وصارمة لنقاط عبور المسافرين عبر الحدود".

ولا يستبعد الباحث اكتساح الحشرة كل المزارع في تونس، بما فيها تلك المعدة للتصدير والاستثمار، ويوضح "عاجلا أم آجلا ستصل بسرعة من خلال عامل الرياح"، معتبرا أن القضاء عليها مسألة “أمن قومي".

ويعرب الشرميطي عن اعتقاده أن “القضاء على الحشرة القرمزية مستحيل، وإنما يمكن التعايش معها عبر جلب حشرة الدعسوقة، والتي تفترس القرمزية ولا تؤثر على النظام البيئي”.

عيسى الدرهم: الدفيئات تستعمل في المغرب للإكثار من الدعسوقات
عيسى الدرهم: الدفيئات تستعمل في المغرب للإكثار من الدعسوقات

وتسير تونس على خطى المغرب. ويقر المكلف بالإدارة العامة للصحة النباتية بوزارة الزراعة التونسية رابح الحجلاوي بأن سبب الانتشار السريع “بطء الإجراءات الإدارية” للتصدي لها.

وسعت السلطات الزراعية التونسية إلى كبح الآفة في البداية من خلال اقتلاعها النبتات التالفة وردمها وحرقها، لكنّ التدخل لم ينجح واكتسحت الحشرة عشر ولايات.

وبحسب الحجلاوي، لذلك تم الانتقال إلى “المقاومة البيولوجية بالاعتماد أولا على الإكثار من أصناف الصبّار المقاوِمة للحشرة ثم جلب حشرة الدعسوقة”.

وطوّر المغرب بدوره زراعة ثمانية أصناف من الصبار المقاوم للقرمزية في العام 2022 وشرع في جلب وإدخال حشرة الدعسوقة، وخصص 417 ألف دولار لمساعدة المزارعين.

وسلمت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في يونيو الماضي، نحو 100 دعسوقة لتونس في إطار برنامج تعاون لمكافحة الآفة بقيمة تقدر بنحو 550 ألف دولار.

وتُستعمل الدفيئات في المغرب للإكثار من “مسعودة” (الدعسوقة) لأنها “تحتاج للغذاء وإذا اختفت الحشرة القرمزية فلن تجد ما تتغذى عليه لذلك نلجأ إلى تربيتها”، وفقا لعيسى الدرهم، رئيس منظمة مؤسسة دار سي حماد.

وتبقى مخاوف السلطات الزراعية التونسية قائمة، وخصوصا إذا طالت الحشرة مزارع المناطق الداخلية المهمشة على غرار ولاية القصرين، والتي يمثل التين الشوكي مصدر الرزق الوحيد فيها تقريبا، ما قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية.

◙ محصول مهم يهدده انتشار الحشرة الضارة

10