الأجهزة الذكية في العطلة المدرسية.. "وجبات رقمية" يتعين استهلاكها باعتدال

الرباط - ينتظر الأطفال العطلة الصيفية بفارغ الصبر، لكونها الفترة التي تتيح لهم الاستمتاع لأطول وقت ممكن بممارسة أنشطتهم المفضلة وقضاء لحظات من المرح والترفيه، غير أن البعض منهم يقبلون بشراهة على “الوجبات الرقمية” الجاهزة في محاولة لكسر الملل، ما قد يلقي بهم في براثن الإدمان عبر نافذة التسلية وفضول الاستكشاف.
فبمجرد انتهاء السنة الدراسية يفتتح الأطفال من مختلف الأعمار يومهم بولوج عالم رقمي لا قيود ولا حدود له، تكمن قوته في الجاذبية الخطيرة لفيديوهات وألعاب إلكترونية تظهر بمجرد الضغط على شاشات أجهزة ذكية يؤدي سوء استخدامها وعدم ضبطها إلى الإضرار بنموهم المعرفي، كما يمكنها أن تحد من قدرتهم على الإبداع والتفكير في مواجهة المشكلات بشكل سليم ومنطقي.
وتقول أسماء، وهي أم لطفل في العاشرة من عمره، إن الساعات التي يقضيها ابنها منغمسا في العالم الرقمي تتضاعف خلال العطلة الصيفية، إلى درجة أنه لم يعد يشعر بالوقت، أو حتى يتفاعل مع الآخرين من حوله، كما لم يعد يستهويه القيام بأنشطة أو بمهام أخرى قد تكون ضرورية ولا تقل أهمية عن سواها، وهو أمر بات يثير غضبها وأحيانا قلقها.
وتقر أسماء، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بأنها غالبا ما تقع في حيرة من أمرها بين ترك طفلها يستمتع بلوحه الإلكتروني، أو منعه منها حماية له من تأثيراتها السلبية على صحته وسلوكياته، مؤكدة أن ضبط استخدام طفلها للأجهزة الإلكترونية أصبح أمرا معقدا بالنسبة إليهما معا نتيجة تعلقه الشديد بالعالم الافتراضي.
◙ الأطفال محاطون بأجهزة إلكترونية متعددة الأصناف ومتاحة داخل البيت وخارجه وبالتالي لم يعد ممكنا التخلص بصفة قطعية من هذه الأجهزة
هذا التعقيد يعزوه أستاذ علم النفس الاجتماعي مصطفى الشكدالي إلى سياق الرقمنة الذي ولد فيه أطفال اليوم، فهم محاطون بأجهزة إلكترونية متعددة الأصناف ومتاحة داخل البيت وخارجه، وبالتالي لم يعد ممكنا للكبار والصغار “التخلص بصفة قطعية من هذه الأجهزة لأنها أصبحت أسلوب حياة”، معتبرا أن حرمان الأطفال بصفة نهائية من تناول “وجبات رقمية هو بمثابة منعهم من الحياة".
وبحسب الشكدالي، فإن الأطفال هم رقميا أكبر من آبائهم الذين يلجون في سن متأخرة إلى العالم الرقمي، بينما يسبر أغواره الأطفال في الخامسة من عمرهم، وهو ما يجعلهم في الكثير من الحالات يساعدون آباءهم على استخدام الفضاء الإلكتروني لقاء بعض المهام. ويضيف أستاذ علم النفس الاجتماعي في تصريح مماثل أنه يجب على الآباء أن يدركوا أن لهذه الوسائط وظيفة تنشيئية وأن يتمكنوا من خلق أفق ولو كان بسيطا فكريا، حتى يمكن لأطفالهم أن يتعاملوا مع المواقع الإلكترونية وفي الوقت نفسه مع الواقع، مشددا على أنه لا بد أن يكون هذا التفاعل خلاقا بين الواقع والمواقع.
وبخصوص طرق استثمار العطلة بشكل مفيد، أكد الشكدالي أنه يتعين على الآباء حث أبنائهم على ممارسة أنشطة بدنية من قبيل كرة القدم حتى يكون للجسد حضور، وبالتالي يغيب ولو لحظيا الاتصال المباشرة بالعالم الرقمي. كما دعا إلى تشجيع الأطفال على ممارسة هوايات مفيدة وعلى كتابة قصص قصيرة، واكتساب خبرات جديدة، وقضاء بعض الوقت في تعلم لغة جديدة، وتخصيص الوقت لتبادل أطراف الحديث معهم، وأيضا تكليفهم ببعض المهام البسيطة.
وما من شك أن أخذ هذه “الوجبات الرقمية” أمر لا مفر منه بالنسبة إلى الأطفال لامتلاك القدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، لكن يبقى على عاتق الآباء بناء أسس الفكر النقدي لأبنائهم كي يعوا ما يشاهدونه وما يقرأونه في العالم الافتراضي وحتى يستفيدوا إيجابيا من الوسائط الرقمية والمنصات ويحسنوا استعمالها بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع.