مصر تتخذ خطوات عملية لتطويق أزمة الديون

بدأت السلطات المصرية في انتهاج مجموعة من السياسات المالية الجديدة، التي سيتم العمل على تحقيقها خلال العام المالي الجاري، ومن أبرزها تقليص طرح أذون الخزانة، في مسعى لتطويق معدلات الديون المتفاقمة.
القاهرة - أدرجت الحكومة المصرية الجديدة مسألة مكافحة مخاطر الديون من ضمن أولوياتها، وكشف عن ذلك تقليص العطاءات المقبولة من أذون الخزانة خلال الربع الثاني من العام الجاري.
وتأتي الخطوة مدفوعة بحصول القاهرة على تمويلات مُسبقة مستفيدة من صفقة رأس الحكمة مع دولة الامارات، وتوسعها في الاقتراض خلال الربع الأول من 2024.
وسبق أن أعلن وزير المالية الجديد أحمد كوجك، عقب توليه منصبه في الحكومة الجديدة، أن أهم أولوياته مواجهة الديون والتضخم وتحفيز القطاع الخاص.
وحسب الإحصاءات الرسمية، فإنه لدى الحكومة فائض تمويلي يصل إلى نحو 11 مليار دولار منذ الربع الأول من هذا العام.
وكشفت بيانات صادرة عن معهد التمويل الدولي عن أن الدين الحكومي في مصر ارتفع إلى 81.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 400 مليار دولار بين يناير ومارس الماضيين مقارنة بنحو 80.5 في المئة على أساس سنوي.
وتشير التوقعات إلى زيادة الاحتياجات التمويلية للحكومة خلال الربع الجاري (يوليو وأغسطس وسبتمبر)، والذي يتزامن مع الربع الأول للسنة المالية الجديدة، ما قد يضع ضغوطا على عوائد أذون وسندات الخزانة ويدفع وزارة المالية لقبول عروض بفوائد أعلى.
وفي آخر عطاء للحكومة الأسبوع الماضي، تجاوز العائد على أذون الخزانة بالجنيه أجل سنة 26 في المئة لأول مرة منذ ثلاثة أشهر، إذ بلغ متوسط العائد المرجح 26 في المئة، بينما سجل أعلى عائد 26.25 في المئة، وأدنى عائد 25.95 في المئة.
وقبلت وزارة المالية 160 مليون دولار من 935 مليون دولار القيمة المطلوبة في العطاء، وسجلت العروض المقدمة من المستثمرين 1.5 مليار دولار.
وعززت التدفقات الدولارية التي دخلت البلاد من صفقة رأس الحكمة، ثم تعويم الجنيه والقضاء على السوق السوداء وصرف شريحة من قرض صندوق النقد الدولي، خطوة الحكومة الحالية مع سداد المستحق من الديون بواسطة تلك السيولة.
ومن المتوقع استمرار خطة الحكومة الفترة المقبلة بالرهان على التدفقات المرتقبة من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تقييد كل من الاستثمارات العامة والإنفاق على البنية التحتية.
وتهدف السلطات من وراء تلك الخطوة إلى السيطرة على معدلات الفائدة للسندات السيادية، مما ترتب عليه تراجع العائد عليها، وكذلك لأذون الخزانة لمستوياتها الحالية بالمقارنة مع 33 في المئة عقب تحرير سعر صرف الجنيه في مارس الماضي.
وأصبح لزاما على الحكومة أن تلجأ إلى مثل هذه الخطوة بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يطالبها بخفض معدلات الدين الذي تفاقم وارتفعت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي.
وتنطوي الخطوة على التقليل بشدة من الاقتراض المحلي والأجنبي، مع استبعاد طرح أدوات دين بالأسواق الدولية خلال الأجل القريب تماما لارتفاع سعر الفائدة بالأسواق الدولية، فضلا عن عدم الحاجة الماسة إلى ذلك.
ولن تتوقف الحكومة عن طرح أذون الخزانة أمام المستثمرين ولكن ستقوم بتقليص العطاءات المطروحة بشدة كما الحال حاليًا في خطوتها الجديدة.
وتحمل الموازنة العامة مفاجآت، إذ تكشف عن استهدف الحكومة زيادة إصدارتها من أدوات الدين المحلية خلال العام المالي الجاري، بنسبة 16 في المئة تقريبا، لتصل إلى 56 مليار دولار، مقابل 48 مليار دولار مقدرة خلال العام المالي الماضي.
وتوقع المحلل الاقتصادي محمد النجار أن تستمر الحكومة في خطوتها الحالية حتى منتصف العام المالي الجاري أي حتى ديسمبر المقبل، لكن الظروف هي التي ستحكم بعد هذه المدة بمواصلة خفض معدلات الديون أو بدء الدوران إلى الخلف واللجوء إلى الاقتراض مجددًا.
وقال لـ”العرب” إنه “حال نجحت الحكومة في كسر الجمود ببرنامج الإصلاح الاقتصادي أو الدخول في صفقة استثمار مباشر على غرار رأس الحكمة يعقبها تدفق عملة أجنبية، ستكون بمثابة المنقذ للاقتصاد من تفاقم معدلات الديون”.
ورغم التغير المرتقب في سياسة الحكومة وجديتها في تفعيل برنامج الإصلاح، إلا أنه يأتي على حساب الطبقات الأكثر فقرا، التي تضررت أيضًا خلال الأعوام الماضية بعد ثبوت عدم جدوى البعض من خطوات البرنامج الذي تنفذه البلاد بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
ويرى محللون أنه لا توجد حلول أخرى لتقليص الديون الناشئة عن سوء تخطيط وتكريس الجهود في مشاريع بنية تحتية وعقارات سوى الاستثمار المباشر، لكنه يتحقق على المدى الطويل، ومن ثم تنتهج حلولا عاجلة لمواجهة خطر الديون حتى لا تظل مهددة للأجيال الحالية والمقابلة.
وأكد المحلل الاقتصادي نادي عزام أن الحكومة عازمة على تقليص معدلات الديون وعدم الإفراط في طرح أذون الخزانة بأيّ وسيلة وتقليل الإنفاق العام على حساب قطاعات رئيسية مثل التعليم والصحة.
وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أنه من الأمثلة على ذلك تأجير مستشفيات لمستثمرين لإدارتها، وتأسيس الجامعات الأهلية، إلى جانب السماح بالتوسع في الجامعات الخاصة، وهي خطوات في باطنها انسحاب الدولة لعدم تحمل تكاليف إضافية، وهو تحول سريع للرأسمالية.
وكشف البيان المالي للموازنة العامة، أن وزارة المالية قدرت الفجوة التمويلية للموازنة خلال العام المالي الجاري بنحو 59 مليار دولار، مقابل 45 مليار دولار مستهدفة خلال العام المالي الماضي.
وبحسب مشروع الموازنة، فإن سد الفجوة التمويلية خلال هذا العام المالي سيكون من خلال الحصول علي 1.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وإصدار سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار.
كما تنوي السلطات الحصول على قروض من مؤسسات دولية بقيمة 3 مليارات دولار إلى جانب مواردها، لذلك يظل عجز الموازنة هاجسًا يؤرق السلطات.
لكن توجد بعض المؤشرات المطمئنة في مسألة الديون والتي لا تقتصر على مقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي فقط، منها احتياطيات النقد الأجنبي والتي ارتفعت إلى نحو 46.4 مليار دولار الشهر الماضي، مقابل 46.1 مليار دولار في مايو، وفق بيانات البنك المركزي.
وجاءت هذه الزيادة رغم سداد مصر مبالغ ضخمة من ديونها المستحقة، والإفراج عن بضائع في الجمارك بقيمة تتخطى 17 مليار دولار، وإعادة بناء هذا الاحتياطي من النقد الأجنبي.