"رصاصة ترامب".. وكرسي الرئاسة

إذا كان الغرب يتفاخر بأنه من نقل إلينا الديمقراطية وتداول السلطة أظن أن ترامب وهو رجل من مجتمع ديمقراطي وينتمي إلى مجتمع ليبرالي وضّح ما يخفيه الآخرون من حب "كرسي السلطة".
الخميس 2024/07/18
"فايروس" حب السلطة كاد يكلفه حياته

حالة الإصرار التي يظهرها المرشح الرئاسي دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض رغم كل التحديات التي يتعرض لها سواء المحاكمات القضائية أو حالة التشويه لصورته السياسية وصلت إلى أن كاد يفقد حياته، ذكرتني بتصريحات للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في عام 2009 وهو يغادر البيت الأبيض، وكان قد حكم الولايات المتحدة لولايتين متتاليتين يقول فيها: لو لم يمنعني الدستور الأميركي لتمنيت أن أحكم إلى أن أنقل بنعش من البيت الأبيض (رويترز 03 نوفمبر 2009)، وهو بذلك التصريح وكأنه يفشي سراً يحاول الكثيرون في المجتمعات الغربية التنكر له مع أن ممارساتهم تؤكد رغبتهم بالتمسك بالسلطة كأي زعيم في العالم.

عاش أغلبنا على اعتقاد خاطئ واستمر الإعلام الغربي وباحثوه يروجون لنا هذا الاعتقاد الذي مضمونه بأن حب “كرسي السلطة” آفة مقتصرة على مجتمعات الجنوب سواء كان هذا الجنوب العربي أو الأفريقي وحتى الآسيوي، لكن في الحقيقة من يتأمل تصرّفات رؤساء الحكومات والدول الغربية سيجد أنهم لا يختلفون عن المجتمعات الأخرى في العالم في الرغبة بالبقاء في السلطة أطول فترة، ولكن يبدو أنهم، لو سمحت لهم الظروف الدستورية، لن يترددوا لحظة في الاستمرار في “كرسي الرئاسة” إلى حين حملهم على نعش؛ فالبشر يمتلكون جينات متشابهة إن لم يتم ترويضها أو التحكم فيها.

◄ ادعاء الغرب الزهد في كرسي الرئاسة أمر لا يطابق الواقع، بل إن قوة الدستور الذي اتفق عليه الجميع للحفاظ على الوضع القائم هي التي تفرض احترامها

ينبغي علينا مراجعة الكثير من الأفكار والقيم المصدرة لنا من “الآخر” الغربي ونقدها بالطريقة التي لا تغوينا كثيراً لدرجة أننا نرتكب أخطاء في حق مجتمعاتنا، فمسألة اقتصار التشبث بالسلطة أو “فايروس” حب السلطة والكرسي غير موجود في الغرب أمر غير صحيح، بل حتى مسألة الانتقال السلمي أو شرعية الصندوق كلها مفردات خُدعنا بها كثيراً وإلا ما تفسير أن رؤساء في الثمانينات من أعمارهم – جو بايدن ودونالد ترامب – ما يزالوا متمسكين بكرسي الرئاسة، هذا غير أنهم يواجهون ضغوطاً لعدم الترشح ومع ذلك فهم مصرون إلى درجة أن أحدهم كاد يفقد حياته ومع ذلك ظل متشبثا بالكرسي.

واهم من يعتقد أن العرب أو دول الجنوب فقط هم من يحبون الحكم وكرسيّه، بل الأمر “جينات” موجودة في الإنسان بمجرد أن يصل إلى السلطة!

وإذا كان الغرب يتفاخر بأنه من نقل إلينا الديمقراطية والمشاركة السياسية وتداول السلطة وهو منبهر بما نقله، أظن أن ترامب وهو رجل من مجتمع ديمقراطي وينتمي إلى مجتمع ليبرالي بالمعنى الحقيقي وضّح ما يخفيه الآخرون من حب “كرسي السلطة”، فهو معروف عنه صراحته ووضوحه أكثر من غيره أو بشكل “وقح”. بل مقاومة الرئيس بايدن حتى لو كان بمساعدة زوجته، وهي تهمة أخرى رسّخها الغرب عن دور الزوجات في إقناع أزواجهن على البقاء في السلطة مثلما كان يقال عن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك والرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في تونس، الحقيقة هي إذا أتيحت الفرصة لهم في البقاء في المنصب (الكرسي) سيبقون إلى الأبد ولن تجد من يرغب بنفسه في تسليم السلطة بسلاسة وطواعية.

◄ من يتأمل تصرّفات رؤساء الحكومات والدول الغربية سيجد أنهم لا يختلفون عن المجتمعات الأخرى في العالم في الرغبة بالبقاء في السلطة أطول فترة

الفرق بيننا كعرب والغرب أننا لا نجيد فن إخفاء الحقيقة والتلاعب بالألفاظ، بل ما زالت الشجاعة التقليدية القائمة على صفاء النية سواء في تصديق كل ما هو قادم من الغرب وفي الإعلان عن ممارستنا لأفكارهم الديمقراطية كما يريدون لنا. وليست تلك الانتخابات ومهرجانات السياسة التي يقيمونا إلا حفلات لإنفاق الأموال لتصدير الأفكار والقيم، يمارسونها للحفاظ على استقرار مجتمعاتهم في حين أن ما يريدونه لنا هو تغيير وضعنا القائم.

ادعاء الغرب الزهد في كرسي الرئاسة أمر لا يطابق الواقع، بل إن قوة الدستور الذي اتفق عليه الجميع للحفاظ على الوضع القائم هي التي تفرض احترامها، وأن المقولة التي يرددها البعض من أن ما يقوم به هو تكليف لا تشريف، هي فهم الأمور بمنطق مقلوب، وذلك الذي أنتج رؤساء من فصيلة نيلسون مانديلا، ومهاتير محمد خلال فترته الرئاسية الأولى ومعهم سوار الذهب، الذين تنازلوا عن السلطة برغبتهم، وهذا استثناء القاعدة.

خلّونا نتفق أن كرسي الرئاسة “فايروس” جاذب لكل الناس، لذا ينبغي ألا يتهم أحد العرب فقط، ومن يسمع أو يقرأ لمن جربوا الجلوس على الكراسي الرئاسية كما فعل الرئيس بيل كلينتون عليه أن يدرك حقيقة الأمر.

9