العالم امرأة

لا أحد يستطيع التشكيك في قدرات المرأة على القيام بأي تكليفات تُسند لها، سواءً على المستوى الوطني لكل دولة أو المستوى العالمي، لأنها أثبتت جدارتها في إدارة الكثير من المناصب التي كانت يوما تُحسب وفق العادة والعرف المجتمعي أنها من نصيب الرجل، على الأقل في دول مازالت تنظر إلى المرأة على أنها ذات قدرات محدودة ولا تصلح إلا في أعمال معينة.
ومن باب المثال، فكلنا يذكر مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في نهاية السبعينات إلى بداية التسعينات، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. الاثنتان حققتا إنجازات سياسية واقتصادية على المستوى العالمي وليس الإقليمي في أوروبا فقط، بل اتخذتا قرارات إستراتيجية لم يكن لدى سياسيين رجال في المنصب نفسه ما يكفي من الجرأة والشجاعة لاتخاذها، وهو ما دفع المراقبين إلى تسمية تاتشر بـ“المرأة الحديدية”.
طبعاً هناك الكثير من النساء سجلن إنجازات سياسية كبيرة في العالم، لكن نحن الآن أمام (احتمال) نقلة حقيقية في تقلد المرأة وإشغالها أعلى منصب في الولايات المتحدة وأهم منصب على مستوى العالم، فالرئيس الأميركي بحكم النفوذ الأميركي هو من يحكم العالم ولو شكليّا.
◄ تشير الاحتمالات إلى إمكانية فشل ترامب في الانتخابات القادمة، بل إن وجوده أمام هاريس قد يكون عاملاً مساعداً في وصولها إلى رئاسة الولايات المتحدة
بعد المناظرة الانتخابية التي جرت الأسبوع الماضي بين ممثلة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، نائب الرئيس الأميركي، والرئيس السابق دونالد ترامب، وتسجيل استطلاعات الرأي تفوقاً لهاريس في مقابل ترامب، ارتفعت حظوظ هاريس لأن تكون أول امرأة تترأس الولايات المتحدة وتسكن البيت الأبيض، وبالتالي تتسيد النظام العالمي.
“العالم امرأة”، عنوان كتابين أصدرتهما الأستاذة السعد المنهالي (رئيسة تحرير سابقة لمجلة ناشيونال جيوغرافيك). رصد الكتابان الإنجازات التي حققتها المرأة في المجال العام والمجال السياسي تحديداً في كل بقاع العالم.
وكانت المقالات متحيزة لعنصر المرأة، هذا الكلام قبل عقدين من الزمن تقريبا، ولكن المؤلفة كانت تتبع نجاحات المرأة على أساس أن الإنجازات تتحقق بالتراكم كما هي المعرفة. فهل تحكم أول امرأة العالم من خلال رئاستها للولايات المتحدة؟ وهل سيتسبب ذلك في إحداث نقلات غير معتادة في أماكن أخرى من العالم؟
تسيد الولايات المتحدة للنظام العالمي حتى رغم منافسة الصين لها، يعطي من يسكن البيت الأبيض صلاحية تسييس الشأن الدولي وإدارة شؤون العالم والتأثير في القرارات الدولية، ما يعني أن هاريس ستكون أول امرأة في عصرنا الحديث تحكم مصير العالم.
بالنسبة إلي هناك ثلاثة عوامل ترجح احتمالات أن تحكم أول امرأة العالم في فبراير من عام 2025:
◄ هناك الكثير من النساء سجلن إنجازات سياسية كبيرة في العالم، لكن نحن الآن أمام (احتمال) نقلة حقيقية في تقلد المرأة وإشغالها أعلى منصب في الولايات المتحدة وأهم منصب على مستوى العالم
الأول، الأداء السياسي الذي ظهرت به هاريس الأسبوع الماضي أمام الرئيس ترامب، حيث انتقمت لرئيسها جو بايدن بعد أن وضعته في موقف الصامت وغير القادر على المناورة الإعلامية التي اعتدنا عليها، لأن كل مناوراته لو حدثت ربما تضعه في موقف حرج بسبب صراحته.
الثاني، أن الولايات المتحدة بطبيعتها بلد العجائب، فكما كانت أول دولة تعين امرأة وزيرة للخارجية، فقد كانت أول دولة غربية يحكمها رئيس من أصول أفريقية، ثم أول امرأة سوداء نائبة للرئيس، وبالتالي فاحتمال أن تكون هاريس أول امرأة تحكم الولايات المتحدة وبالتتابع العالم أمر قابل للحدوث، بل أنا واحد من المرجحين لهذا الاحتمال.
العامل الثالث، في الغرب ليسوا كما في ثقافتنا العربية “اصبر على مجنونك لا يأتي أجن منه”، فهم يطبقون نظرية “المُجَرّب لا يُجَرّب”، ودونالد ترامب كان واضحا لهم في فترته السابقة، وبالتالي حتى لو أراد أن يغير حدة تعامله، لن يحدث ذلك بسهولة. ولذلك تشير الاحتمالات إلى إمكانية فشله في الانتخابات القادمة، بل إن وجوده أمام هاريس قد يكون عاملاً مساعداً في وصولها إلى رئاسة الولايات المتحدة.
ما جاء في المقال مجرد احتمال أو سيناريو قد يحدث وقد لا يحدث، ولكن علينا أن نقرأ نحن الشرقيين ما لا نريد حدوثه، حتى تكون لدينا القدرة على التعامل مع سوابق سياسية ونطبقها على مجتمعاتنا.