مخاطر تغير المناخ تثير التقلبات في أسواق النفط

تطغى حالة القلق على أوساط المحللين من أن التغير المناخي سيكون أكثر تأثيرا على صناعة الوقود الأحفوري في المستقبل كونها ستكون محددا لكميات الإنتاج، والتي ستترك بدورها بصمتها على الأسعار، مما قد يولد ضغوطا أكبر على اقتصادات الدول.
باريس - تحتل المخاطر المناخية مثل حرائق الغابات والأعاصير والكوارث الطبيعية، مكانة مهمة بشكل متزايد في تحديد الأسعار في أسواق النفط، في وقت لا يزال العالم يواجه صعوبة في التخلّص من الوقود الأحفوري عالي التلويث.
وكان الإعصار بيريل، الذي يعدّ من أحد أحدث الظواهر الجوية المتطرّفة، قد أسفر عن مخاوف في الأسواق تبلورت عبر رفع أسعار النفط الخام، مع اقتراب مروره عبر تكساس في أوائل يوليو الجاري.
وبحسب الوكالة الأميركية للطاقة، استحوذت تكساس على 42 في المئة من إجمالي إنتاج النفط الخام الأميركي في العام 2022، بينما تملك أكبر عدد من مصافي النفط الخام على المستوى المحلي.
ويقول هان تان المحلّل لدى شركة إكزينيتي رداً على أسئلة وكالة فرانس برس إنّ حوالي نصف إجمالي طاقة تكرير النفط في الولايات المتحدة يقع على طول خليج المكسيك.
وأكد أن ذلك الأمر يكفي ذلك لدفع الأسعار إلى الارتفاع، في ظل قلق المستثمرين بشأن احتمال انقطاع الإمدادات. ويوضح تان أن "الأسواق تخشى من أنّ الإعصار بيريل ليس إلا مجرد مقدمة لما يمكن أن يكون موسما مثقلا بالعواصف هذه السنة".
ويأتي ذلك فيما حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أنّ قدوم إعصار بيريل في هذا الوقت المبكر من العام، وتكثيفه السريع يمكن أن يُنذر بطبيعة العواصف للسنوات المقبلة.
وكانت حرائق الغابات التي شهدتها كندا في شهر مايو الماضي، قد دفعت أسعار النفط الخام للارتفاع، عندما شكّلت تهديدا لمقاطعة فورت ماكموري المعروفة بأنّها المركز العصبي لإنتاج النفط الكندي.
وتبدو تأثيرات المناخ على صناعة النفط في أميركا الشمالية أخبارا سارة بالنسبة لمنتجي تحالف أوبك+ الذين يراهنون أصلا على خفض الإنتاج منذ أكثر من عامين للحفاظ على الأسعار في مستويات مرتفعة.
وارتفعت أسعار النفط الأربعاء غداة هبوط خام برنت إلى أدنى مستوى في شهر، حيث ساعد هبوط المخزونات الأميركية في تبديد أثر مؤشرات على تباطؤ الطلب من الصين.
وفي حين زادت العقود الآجلة لخام برنت 27 سنتا، أي ما يعادل 0.32 في المئة إلى 84 دولارا للبرميل، صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 35 سنتا أو 0.43 في المئة إلى 81.1 دولار للبرميل.
وانخفض كلا الخامين القياسيين في الجلسات الثلاث السابقة، مع تسجيل العقود الآجلة لخام برنت 83.3 دولار الثلاثاء الماضي، وهو أدنى مستوى منذ 17 يونيو الماضي.
وفي حين أن الانتقال إلى مستقبل مستدام خال من الانبعاثات الصفرية أمر بالغ الأهمية، فإنه يتطلب قدرا أساسيا من الأهمية، حيث التحولات في جميع القطاعات الاقتصادية تقريبا، وهي لا تخلو من المخاطر بالنسبة للشركات والمجتمعات المتأثرة بها.
وتواجه الاقتصادات النامية والناشئة مجموعة من المخاطر الناجمة عن هذا التغيير السريع والفوضوي في كثير من الأحيان أكثر من الاقتصادات المتقدمة.
ولذلك، يقوم تجار النفط، الذين اعتادوا أكثر على تسعير الاضطرابات الجيوسياسية، في الوقت الحالي بتقييم المخاطر الناجمة عن أزمة المناخ، التي من الواضح أنها تأخذ منحى أكثر تعقيدا.
ويقول خورخي ليون المحلّل لدى ريستاد إنيرجي إنّ التغيّر المناخي يشكّل الآن "مصدرا رئيسا للخطر بالنسبة لأسواق النفط"، متوقعا في الوقت ذاته أن "يتصاعد في السنوات المقبلة بحيث يصبح أكثر وضوحاً وأكثر تطرفا".
وفضلا عن ذلك، يقارن محلّلون المخاطر المناخية بالمخاطر الجيوسياسية من حيث صعوبة التنبؤ بها، بينما تنعكس على الأسعار على أساس المخاطر المرتبطة بالعرض والطلب.
ولكنّ ليون يعرب عن اعتقاده أيضاً بأن "مخاطر المناخ أقلّ قابلية للإدارة على المدى القصير والمتوسّط". ويضيف أنّ "هذا الأمر قد ينطبق على المدى الطويل أيضاً، من خلال تقليل انبعاثات الكربون".
وإذا كان الوقود الأحفوري هو المساهم الأكبر في ظاهرة الانحباس الحراري، فإنّ ذلك يعني أنّ اضطراب المناخ سيؤثر بشكل أكثر وضوحاً على عمليات شركات النفط والغاز.
ولخص تاماس فارغا المحلّل لدى بي.في.أم إنيرجي، ما يحصل بالقول إنّ "التغيير المناخي أثّر وسيؤثّر أيضاً على إنتاج" النفط، مشيرا في هذا الإطار إلى أنّ الطقس الأكثر حراً يؤدي إلى تعطيل عمل المصافي.
◙ إذا كان الوقود الأحفوري هو المساهم الأكبر في ظاهرة الانحباس الحراري فإنّ ذلك يعني أنّ اضطراب المناخ سيؤثر بشكل أكثر وضوحا على عمليات شركات النفط والغاز
وتم تصميم العديد من مصافي التكرير الأوروبية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لتحمل درجات الحرارة الباردة وليس الأكثر دفئا، وفقا لما ذكره تان. ويعتبر الوقود الأحفوري (الفحم والغاز والنفط) مسؤولا عن أكثر من 75 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
وللمرة الأولى، وافقت دول العالم على تسوية تاريخية خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) الذي عُقد في دبي العام الماضي، ما يمهّد الطريق للتخلّي التدريجي عن الوقود الأحفوري، رغم الامتيازات العديدة للدول الغنية بالنفط والغاز.
ومع ذلك، فإنّ النص الذي تمّ اعتماده بتوافق الآراء لا يدعو بشكل مباشر إلى وقف استخراج الوقود الأحفوري. وتقول إيبيك أوزكاردسكايا المحللة في شركة سويسكوت إنه "لا يمكننا أن نتوقع بشكل عقلاني من المستثمرين أن يعكسوا هذه الظاهرة بينما يحاولون زيادة أرباحهم".
وفي الواقع، يمكن الإشارة في هذا المجال إلى شركتي النفط البريطانيّتين الكبيرتين شل وبي.بي، اللتين تخلّتا عن بعض الأهداف المناخية في الأشهر الأخيرة. وبالنسبة لأوزكاردسكايا، طالما أنّ "التكاليف المالية للأضرار المناخية لا تتجاوز الفوائد"، فإنّ "الحل لا يمكن أن يأتي من الاقتصاد. لذا فإن الكرة الآن في أيدي الساسة".
وتؤكد لفرانس برس أنّ "التغييرات التنظيمية الملموسة والجذرية والعالمية ذات العواقب المالية الكبيرة، هي وحدها القادرة على توجيه رأس المال نحو الطاقات النظيفة والمستدامة".
وبالنسبة إلى الوكالة الدولية للطاقة، ينبغي لشركات الطاقة قبل كل شيء أن تأخذ زمام المبادرة حتى تتمكن من خفض الانبعاثات الناجمة عن عملياتها بنسبة 60 في المئة بحلول 2030.