تونس تطور لوجستيات التخزين لدعم الأمن الغذائي

فتحت تونس في إستراتيجيتها للأمن الغذائي بابا جديدا لتعزيز دور لوجستيات تخزين الحبوب وأسطول النقل، بما يقطع مع التلكؤ في معالجة الهدر الذي أثر على توفير الطلب في ظل التحديات التي تتمثل في الجفاف واضطراب سلاسل التوريد والتمويل.
تونس - تخطط الحكومة التونسية لتوسيع شبكة صوامع الحبوب وتحسينها في جميع أرجاء البلاد مع تحقيق هدف زيادة فترة المخزون الاحتياطي من الإمدادات، والتي تقدر في المتوسط بنحو أربعة أشهر.
ودخلت السلطات مرحلة جديدة من بلورة رؤيتها الهادفة إلى بلوغ الاكتفاء الذاتي من الغذاء من خلال الإعلان الثلاثاء عن خطة لتشييد صوامع جديدة بداية من العام 2025 مع دعم قاطرات نقل الحبوب لمقاومة أزمات أسعار السلع بشكل أفضل مستقبلا.
وتفرض التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي البلد، الذي يمر بأزمة اقتصادية ومالية حادة، تسريع وتيرة اعتماد كافة الوسائل الكفيلة التي ستساعده على مواجهة التقلبات التي يعاني منها العالم بفعل تواتر الأزمات وتأثيرات الاحتباس الحراري.
وتشهد تونس ذات المناخ شبه الجاف تراجعا كبيرا في تساقط الأمطار، وشح في الموارد المائية منذ أكثر من خمس سنوات، كما هو الحال في منطقة شمال أفريقيا، ما أثّر بشكل مباشر على الزراعة وخصوصا قطاع الحبوب.
وفي خضم ذلك، تثير المشكلات اللوجستية وقلة صوامع التخزين جدلا سنويا داخل الأوساط الاقتصادية في كل مرة ينطلق فيها موسم الحصاد، وذلك بالنظر إلى عجز الدولة عن تحديث طرق معالجة سلاسل الإنتاج وتقليص كميات إهدار المحصول.
وفي مسعى لتدارك الوضع، كشفت الرئيس المدير العام لديوان الحبوب سلوى الزواري أن الديوان سيقوم بتشييد مخازن حبوب جديدة في كل من ولاية (محافظة) سوسة ومدينة رادس التابعة لولاية بن عروس خاصة، وأنه لم يتم تشييد مخزن حبوب منذ سنة 1985.
ولم تذكر الزواري في مقابلة مع الإذاعة التونسية الرسمية بدقة عدد الصوامع أو المخازن، التي سيتم بناؤها، كما لم تحدد تكاليف إنجاز المشروع الذي سيساعد في تفادي تلف المحصول. ولكنها قالت إن “ديوان الحبوب ليست له مخازن مهيأة كما ينبغي”، مشيرة إلى أن بعض شركات القطاع الخاص قامت بتشييد مخازن خاصة مما يساعد على خزين كميات الحبوب.
ولفتت رئيسة الديوان التابع لوزارة الفلاحة إلى أنه أحيانا تكون أسعار الحبوب في الأسواق الدولية مناسبة، لكن تونس لا يمكنها توريد كميات كبيرة بسبب ضعف قدرات التخزين. وبفعل الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار القمح في الأسواق العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ عقدين، لتبلغ في مايو 2022 أكثر من 430 دولارا للطن أي أكثر من ضعف مستوى الأسعار قبل ذلك بعام.
ورغم أن السعر الرسمي لرغيف الخبز الفرنسي ظل على حاله لأكثر من 15 عاما، محتفظا بالقيمة 0.19 دينار (6 سنتات تقريبا)، لكن تكلفة الدعم الحكومي ارتفعت بشكل كبير بسبب كثرة التحديات والضغوط التي تواجه المالية العامة.
وصارت تونس، التي تستورد 95 في المئة تقريبا من القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز، تنفق حوالي 250 مليون دولار إضافية على المشتريات من الخارج، وهذا مبلغ طائل من المال بالنسبة إلى بلد يواجه تحديات اقتصادية.
وبشأن نقل الحبوب، شددت الزواري على أهمية الاعتماد على شبكة سكك الحديد، التي تحتاج إلى إعادة تأهيل. وقالت إن “الديوان سيقوم خلال العام المقبل بشراء 60 قاطرة جديدة لتأمين نقل الحبوب".
وأوضحت أنه يجري حاليا الاعتماد على 400 شاحنة ثقيلة في نقل الحبوب، وهي غير كافية خاصة وأنه يجري يوميا نقل 300 ألف قنطار من الحبوب وقدرة الشاحنات في النقل لا تتعدى 80 ألف قنطار (8 أطنان)، ولذلك “من الضروري دعمها بالقطارات".
ومع اقتراب انتهاء موسم الحصاد قامت الدولة بتجميع 6.5 مليون قنطار (650 ألف طن) من الحبوب. ومن المتوقع أن يبلغ الحصاد حاجز السبعة ملايين قنطار (700 ألف طن)، وفق الزواري.
وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن 88 في المئة من الحبوب المجمعة هي من القمح الصلب، حيث تكافح وزارة الفلاحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة من القمح الصلب.
وتحتاج السوق المحلية 3.6 مليون طن من القمح والشعير سنويا لتأمين احتياجات قرابة 12 مليون نسمة، هم تعداد سكان البلاد. وفي ضوء الإنتاج المتوقع فإن البلد سيستورد نحو 2.9 مليون طن.
وفي العام الماضي، لجأت الحكومة إلى طرح مناقصات لشراء الحبوب من الخارج، وقد جاءت 39 في المئة من واردات تونس من القمح من روسيا، وفق ما تظهره البيانات الرسمية الحكومية.
◙ 700 ألف طن محصول القمح والشعير هذا الموسم، بينما الاستهلاك السنوي يبلغ 3.6 مليون طن
ولا يسهم ديوان الحبوب إلا بنسبة تناهز ثلاثة في المئة مع عملية جمع محصول الموسم الحالي، بينما يتكفل 23 مركز تجميع خاص وشركتان تعاونيتان بالمهمة، لكن الزواري أكدت أن الديوان تدخل في محافظتي القصرين وسيدي بوزيد “لأنه لا توجد بهما مراكز تجميع خاصة”.
وتتوزع في البلاد قرابة 189 مركز تجميع للحبوب، وأن أكبرها تتمركز في ولايات الشمال الغربي، وهي باجة والكاف وجندوبة، إضافة إلى زغوان والقيروان التي شهدت تجميع 60 ألف طن.
ولفتت المسؤولة إلى ارتفاع كميات الحبوب المنتجة في محافظة قفصة من 1500 طن سنة 2019 إلى 10 آلاف طن خلال العام الجاري، خاصة وأن هذه الجهة تعتمد على المساحات المروية.
ويقاوم مزارعو الحبوب، الذي يعتبر أحد أهم المجالات الزراعية التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة، المنغصات في طريق تحقيق بعض الإيرادات لتغطية مصاريفهم في ظل التكاليف المرتفعة.
وتساهم الزراعة بنحو 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، لكنها تواجه مشاكل كبيرة أخرى من أهمها أن اثنين إلى 3 في المئة من المزارعين يغادرون القطاع سنويا من مجموع 500 ألف مزارع.
وبحسب التقديرات فإن أكثر من 80 في المئة من هؤلاء المزارعين يملكون أراضي صغيرة تقل عن خمسة هكتارات. وتشهد تونس كما باقي دول المغرب العربي تغيرات مناخية لافتة، وخلال السنوات العشر الأخيرة تساقطت أمطار منتظمة وكثيرة في سنتي 2015 و2019، أمّا بقية السنوات فكانت جافة.
وخلال موسم البذر في العامين الأخيرين كانت موجة الحرارة أعلى بثلاث درجات عن المعدلات العادية، مما شكل عاملا رئيسا في تقلص المحصول.