مخاطر بنوك الظل تهدد استقرار النظام المالي العالمي

يواجه استقرار النظام المالي تهديدات كبيرة مع تنامي نشاط بنوك الظل، بعدما فرضت نفسها بقوة بديلا عن الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة عبر عمليات يحيط بها الكثير من الغموض، حيث يعمل المنظمون على معالجة أوجه القصور في هذا المجال الناشئ.
نيويورك- اقترح مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) قواعد جديدة من شأنها أن تسمح له بجمع تفاصيل دقيقة حول تعرض القطاع المصرفي لبنوك الظل، وهي خطوة تظهر كيف يحاول المنظمون فهم المخاطر وحدود هذا النهج.
وترتبط الأموال عبر هذه القنوات باستثمارات مُحمَّلة بالمخاطر، وعمليات للمراهنات والمراباة، وما يسمى بـ”إقراض النظراء”، أي إتاحة الفرصة للأفراد والشركات الصغيرة للاقتراض من المستثمرين عبر الإنترنت.
وابتكر الخبير بول مكولي مصطلح “الظل المصرفي” في العام 2007، لكن الإقراض خارج نطاق النظام المصرفي التقليدي كان موجودا منذ سنوات طويلة.
وبنوك الظل، وهو مصطلح شامل للمؤسسات المالية غير المصرفية مثل الصناديق الخاصة ومقدمي خدمات الرهن العقاري، تخضع للتنظيم الخفيف والغموض.
ويقول الخبراء إنه باعتبار أن البنوك هي الركيزة الأساسية للتمويل فقد طبقت الحكومات أنظمة حماية ودائع الأفراد، والحد من المخاطر التي تتحمَلها المؤسسات المصرفية.
وأعرب المنظمون وخبراء الصناعة عن مخاوف متزايدة بشأن المخاطر النظامية التي قد تكون مختبئة هناك، خاصة في مجالات مثل الائتمان الخاص والإقراض للصناديق الخاصة حيث تظل أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول مما تتوقعه السوق.
ونمت بنوك الظل حيث جعلت اللوائح الإقراض أكثر كلفة بالنسبة إلى البنوك في بعض المناطق. وعلى مدار الشهر الماضي قامت رويترز بسؤال المحامين والمصرفيين وغيرهم في السوق عما كانت تفعله الجهات التنظيمية الأميركية للتعامل مع مثل هذه المخاطر.
وأكد أحد المصرفيين أن المنظمين كانوا يطلبون من شركته، وهي أحد البنوك الكبرى في وول ستريت، تفاصيل حول تعرضها الإجمالي للشركات الفردية، التي لديها عمليات ظل مصرفية مترامية الأطراف، مثل شركات الأسهم الخاصة الكبيرة.
وقال المصرفي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة، لرويترز إنهم “يريدون أيضا معرفة ما إذا كان البنك يقرض شركة محفظة بهذه الأموال”.
وفي أواخر يونيو الماضي نشر المركزي الأميركي مقترحا لتغيير القواعد، والذي من شأنه أن يسمح له في الأساس بجمع هذا النوع من المعلومات من أكبر البنوك بطريقة أكثر اتساعاً وتنظيماً.
وتريد الهيئة التنظيمية من البنوك أن تقدم لها بانتظام معلومات مفصلة حول إقراضها لبنوك الظل، بما في ذلك أشياء مثل نوع الكيان والضمانات المستخدمة للإقراض وكيفية تقييمها.
كما تسعى الهيئة إلى معرفة ما إذا كانت الشركة التي أقرضها البنك مملوكة لجهات راعية مالية. وقد أبلغ منشور سوبستيك، المسمى “بنك ريغ بلوغ”، عن هذا الاقتراح في وقت سابق هذا العام.
ولكن على الرغم من هذه الجهود، فإن الهيئات التنظيمية ستظل عمياء عن مجالات كبيرة من هذا القطاع. وعلى سبيل المثال يقدر المركزي الأميركي إجمالي تعرض البنوك في السوق المحلية للمؤسسات المالية غير الوديعة بنحو تريليوني دولار في نهاية عام 2022.
ويبلغ حجم الائتمان الخاص وحده الآن سوقا يقدر حجمها بقيمة 1.5 تريليون دولار، وفقا لمزود البيانات بريكين. وقال تشيب ماكدونالد، محامي الخدمات المالية ومقره أتلانتا، لرويترز إن “المنظمين يحاولون اللحاق بالأنشطة الجديدة المشابهة للعمل المصرفي”. وأضاف “لقد كان هناك الكثير من الحديث حول هذا الموضوع، لكنني لست متأكدا من أن هذا الاقتراح سوف يجيب عن الأسئلة”.
وهذه القضية لا تضيع على المنظمين. وقال رئيس هيئة الرقابة المصرفية في أوروبا خوسيه مانويل كامبا الأسبوع الماضي إن الهيئات التنظيمية تواجه “ثقوباً سوداء” في المعلومات لا يمكن إصلاحها إلا من خلال الكشف الإلزامي، مشيراً إلى عملية قد تستغرق سنوات.
ويقوم مجلس الاستقرار المالي التابع لمجموعة العشرين بجمع البيانات حول بنوك الظل وعلاقاتها بالمقرضين. وذكرت رويترز في ديسمبر الماضي أن بنك إنجلترا المركزي طلب أيضًا من البنوك الإبلاغ عن تعرضاتها الائتمانية الخاصة.
ولكن من غير الواضح كيف يتم توحيد هذه الجهود عبر الولايات القضائية والجهات التنظيمية. فمثلا تعتمد عملية جمع البيانات التي يقوم بها المركزي الأميركي على اختبارات الإجهاد السنوية التي تتحقق من قدرة البنوك الكبيرة على تحمل الصدمات الاقتصادية.
وذكر البنك في اقتراحه أن نمو بنوك الظل يشكل مخاطر على البنوك ولكن نقص البيانات يعيق “قدرته على قياس ومراقبة ونمذجة المخاطر الناجمة عن هذه التعرضات تحت الضغط بشكل مستمر”.
ويسعى الاقتراح إلى إصلاح ذلك من خلال البحث عن المزيد من “المعلومات الدقيقة” حول إقراض بنوك الظل في شكل يجمع بيانات مفصلة على مستوى القروض لإجراء اختبارات الإجهاد.
وتُستخدم النماذج السرية، التي تسمى “أف-آر.واي 14 أس”، أيضا على نطاق واسع عبر المركزي الأميركي للإشراف وتقييم مخاطر الاستقرار المالي.
ومن المحتمل أن تبدأ البيانات في نهاية هذا العام أو الربع الأول من عام 2025، حيث يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يمر بفترة تعليق ويضع اللمسات الأخيرة على القاعدة، على أن يقرر لاحقا إدراج المعلومات في اختبارات التحمل السنوية في المستقبل.
ومن ناحية أخرى تتزايد المخاطر مع تباطؤ الاقتصاد وتكيف نماذج الأعمال التي اعتمدت على أسعار الفائدة المنخفضة للغاية مع بيئة أكثر طبيعية. والبعض لن يفعل ذلك.
على سبيل المثال تجري شركة الأسهم الخاصة فيستا إكويتي محادثات للتنازل عن السيطرة على شركتها بلورالسايت لمقرضي الائتمان من القطاع الخاص، في أول عملية إعادة هيكلة كبرى لديون شركة اقترضت من بنوك الظل.
وقال أندرو متريك، أستاذ المالية في جامعة ييل ومدير برنامج الجامعة حول الاستقرار المالي، لرويترز إنه “لا يرى بديلا أفضل”.
وأضاف “النظر إلى البنوك يمكن أن يساعدك. إنها المحور الرئيسي في النظام”، لكنه أضاف أن المنظمين “بحاجة إلى القلق بشأن الطرق التي يتفاعل بها الائتمان الخاص مع الكثير من الأشياء، وليس فقط البنوك”.
ويساعد قطاع الظل المصرفي العديد من البلدان على سير اقتصاداتها بمرونة وسلاسة، فمن خلاله تحصل الشركات الصغيرة على القروض التي تحتاج إليها، ويحصل المدَّخرون على عوائد أفضل.