خلافات الفصائل السورية تتزايد قبل تفاهم الأسد وأردوغان

لندن- يستفز الزخم المتزايد المرتبط بإعادة إحياء العلاقات بين سوريا وتركيا بعض الفصائل السورية وسكان المناطق الخاضعة لسيطرة أنقرة، رغم أن تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد الإثنين تشير إلى أن التفاهمات بين الطرفين مازالت بعيدة التحقق.
وقال الأسد إنه لن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا إذا تمكن البلدان من التركيز على القضايا الجوهرية المتمثلة في كفّ أنقرة عن دعم “الإرهاب” وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
ويرجح محللون ردّ فعل قويّا من السكان الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في حال تم تطبيع العلاقات، خاصة بعد الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرا في مناطق سيطرة أنقرة ردا على الهجمات العنصرية ضد السوريين المقيمين في تركيا.
◄ انقسام الفصائل وتفاوت مستويات امتثالها لتوجيهات تركيا يثيران التساؤل عن مدى القدرة على السيطرة عليها
وبحسب هؤلاء المحللين كانت الهجمات العنصرية محفزا للاحتجاجات في شمال سوريا، لكنها ليست المتسبب الوحيد في نشوبها، مؤكدين أن السبب الرئيسي هو الاستياء العام المتزايد من المناقشات الأخيرة حول التطبيع المحتمل للعلاقات بين تركيا ونظام بشار الأسد.
وعلى الرغم من طابعها الشعبي كشفت الاحتجاجات عن الانقسامات بين مختلف فصائل المعارضة. وأظهر البعض دعما لدفع تركيا نحو التطبيع مع نظام الأسد، في حين تبنى آخرون مواقف معارضة ومستقلة رغم النفوذ التركي.
كما يثير الانقسام القائم بين الفصائل السورية المسلحة وتفاوت مستويات امتثالها لتوجيهات تركيا التساؤل عن مدى قدرة أنقرة على السيطرة على هذه الجماعات في المواجهات المستقبلية، وإعادة هيكلتها، واستبعاد الأعضاء والقادة المعارضين.
وبحسب تحليل منشور في معهد الشرق الأوسط تبرز خارطة النفوذ العسكري والأمني في الشمال السوري ستّة فصائل رئيسية في الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، بينما لا تزال إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام السنية.
ورغم اشتراك فصائل الجيش الوطني السوري في الأيديولوجيا نفسها إلا أنها تختلف في هيكلها وأدوارها، وهو ما دفع كل فصيل منها إلى تبني موقف متميز خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وكانت حركة التحرير والبناء، بقيادة أبوحاتم شقرا، من الفصائل البارزة. وتشمل مقاتلين نازحين من دير الزور في شرق سوريا وتسيطر على جرابلس وأجزاء من الباب. وهي أحد الفصائل التي شاركت في الاحتجاجات بنشاط.
واقتحم مقاتلوها المبنى الإداري لمعبر أبوالزندين ومنعوا الشاحنات التجارية من المرور قبل أيام من اندلاع الاحتجاجات الشعبية. كما انضم أعضاء حركة التحرير والبناء مباشرة إلى الاحتجاجات في الباب وجرابلس، وقادوا حملة من أعمال الشغب والعنف ضد المباني الحكومية، ومنعوا الموظفين الأتراك من أداء واجباتهم، واعتدوا على سائقي الشاحنات الأتراك، وأغلقوا معبر جرابلس الحدودي مع تركيا.
في المقابل أبدت جبهة فتح الشام، الناشطة في أعزاز، المزيد من ضبط النفس في دعمها للاحتجاجات. وبينما شجعت قاعدتها في أعزاز على الانضمام إلى المحتجين لم يشارك أعضاؤها المسلحون مباشرة. وركزوا بدلا من ذلك على حماية المباني الحكومية بإنشاء طوق أمني ومنع المتظاهرين من اختراقه. لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة الكاملة على الحشود عند معبر باب السلامة، حيث اقتحم المتظاهرون المبنى، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. وتمكنت الجبهة في النهاية من استعادة الهدوء بعد أن ناشد السكان المحليون المتظاهرين الحد من التوترات وتجنب العنف.
وفي الوقت نفسه لا يزال موقف هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على إدلب وتتمتع بنفوذ كبير على الأمن في عفرين، غامضا. وحظرت الاحتجاجات الكبيرة في إدلب ووصفت وسائل الإعلام التابعة لها الهجمات العنصرية ضد السوريين في تركيا بمحاولة أصحاب النوايا السيئة الحضّ على “الفتنة”. لكن الوضع في عفرين يروي قصة مختلفة. وتسلل مسلحون ملثمون، قد يكونون مرتبطين بهيئة تحرير الشام، إلى الاحتجاجات في عفرين وجنديرس، وهو ما صعّد الاضطرابات إلى مواجهة مسلحة مع القوات التركية قرب مبنى السراي في عفرين.
وفي مقابل أدوار الجماعات المذكورة سابقا حافظت فرقة السلطان مراد بقيادة فهيم عيسى، وفصيل الحمزة برئاسة سيف أبوبكر، وفصيل السلطان سليمان شاه بقيادة محمد الجاسم، على موقف محايد أثناء العمل على احتواء الاحتجاجات. ونشرت قوات لحماية المباني الحكومية داخل مناطق نفوذهم وشاركت في قمع المتظاهرين.
وليست الانقسامات بين الفصائل العسكرية ودرجات امتثالها للأوامر والتوجيهات التركية جديدة. كما لم تنشأ نتيجة للاحتجاجات الأخيرة فقط؛ فعلى سبيل المثال داهم مقاتلون أصلهم من دير الزور، وهم حاليا أعضاء في حركة التحرير والبناء، ناحية تادف التي تسيطر عليها قوات نظام الأسد في 2018، رغم اعتراض تركيا.
كما رفضت حركة التحرير والبناء وفصائل جبهة الشام إرسال مقاتلين إلى دول مثل أذربيجان وليبيا والنيجر خلال السنوات الأخيرة. ولذلك حجبت تركيا الدعم عن هذه الجماعات خلال فترات معينة.
ومن جهتها أبدت فرقة السلطان مراد وفصيلا الحمزة والسلطان سليمان شاه حتى الآن استعدادا أكبر للامتثال لتوجيهات تركيا. وأرسلت على سبيل المثال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان والنيجر بناء على طلب أنقرة. كما عارضت تركيا أكثر من مرة تغيير قادة هذه الجماعات أو محاولات تقليص نفوذهم.
ويمكن أن يرجع اختلاف مستويات الامتثال لتوجيهات تركيا وأشكاله إلى تاريخ كل فصيل وقيادته وخلفية أعضائه الاجتماعية ومدى الدعم الشعبي الذي يحظى به. وكانت تركيا وراء تأسيس فرقة السلطان مراد وفصيليْ الحمزة والسلطان سليمان شاه خلال العمليتين العسكريتين “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
وكانت قبل ذلك بقايا صغيرة من كتائب داخل الجيش السوري الحر. ولم يكن لأنقرة في المقابل أي دور في إنشاء جبهة الشام وحركة التحرير والبناء. وهيمن خلفاء مجموعات أكبر، بما في ذلك لواء التوحيد ولواء الفتح و”أحرار الشام – القطاع الشرقي”، المعروفة محليا بأحرار عولان، وبعض فصائل الجيش السوري الحر التي تأسست عام 2012.
وتشمل العوامل الأخرى التي تسهم في الانقسام بين الجماعات خلفيات قادتها العرقية وتركيبة مقاتليها. ويُذكر أن فهيم عيسى وسيف أبوبكر من أصل تركي، لكن قادة جبهة الشام وحركة التحرير والبناء من أصل عربي.