هيئة الانتخابات التونسية تحتكر الرقابة على الإعلام

هل يخلف تجميد عمل "الهايكا" فراغا على مستوى ضمان شروط التعدد والتنوع في وسائل الإعلام خلال الانتخابات.
الثلاثاء 2024/07/16
تجربة مختلفة

سحبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس البساط من تحت أقدام الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في مراقبة أداء وسائل الإعلام مع انطلاق الفترة الانتخابية. وأقرت عددا من الموانع والمحظورات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما تؤكد نقابة الصحافيين أنّ نزاهة الانتخابات وشفافيتها مرتبطان أساسا بتوفير مناخ إعلامي حر وتعددي وديمقراطي.

تونس - أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أنها انطلقت في رقابة الفضاء العام الذي يتضمن جميع وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية في كل ما له علاقة بالشأن الانتخابي تزامنا مع انطلاق الفترة الانتخابية، موردة جملة من المحظورات والقيود، لتقطع الطريق على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهايكا” وتسحب صلاحياتها في الرقابة على الإعلام.

وأفاد الناطق باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري الاثنين أن المقصود برقابة “الفضاء العام” خلال الفترة الانتخابية التي انطلقت الأحد هو “رقابة شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والمرئية والإلكترونية الخاصة والعمومية” وذلك استعدادا للانتخابات الرئاسية، مشددا أن ما ورد في بيان الهيئة بخصوص “موانع الفضاء العام” خلال الفترة الانتخابية لا “يتعلق بالنقد البناء لعمل الهيئة”.

وأضاف الناطق باسم الهيئة في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن هذه الرقابة التي تنطلق لمدة شهرين قبل الحملة الانتخابية “مضبوطة بالقانون الانتخابي والقرارات الترتيبية الصادرة عن الهيئة” وهي تخص منع الإشهار السياسي وتحجير بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة بالانتخابات إلى جانب منع تخصيص رقم هاتف مجاني بوسائل الإعلام أو موزع صوتي أو مركز نداء لفائدة مترشح أو حزب.

ومع هذا الإعلان يبدو أنه لم يعد هناك سلطة للهايكا في الإشراف على وسائل الإعلام فيما يتعلق بالانتخابات القادمة، وهو ما كان سببا في معارك قضائية بين الهيئتين.

محمد التليلي المنصري: "موانع الفضاء العام" لا تتعلق بالنقد البناء لعمل الهيئة
محمد التليلي المنصري: "موانع الفضاء العام" لا تتعلق بالنقد البناء لعمل الهيئة

وكانت الهايكا تقوم برصد التغطية الإعلامية وتصدر تقريرا مفصلا حول أداء مختلف المؤسسات، مع فرض عقوبات مالية على وسائل الإعلام السمعية البصرية التي لم تراعِ ضوابط وشروط التغطية، لكن هيئة الانتخابات تعتبر أن هذه المهمة من صلاحياتها في فترة الانتخابات، لتصبح هي المشرفة على التغطية الإعلامية، وهي التي تتولى وضع الشروط والضوابط. بينما اعتبرت الهايكا أن هذا القرار يمثل مصادرة لصلاحياتها وإقصاء لدورها الرقابي على وسائل الإعلام.

وسبق أن طالبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بـ”استرجاع السلطة الكاملة في مجال مراقبة وسائل الإعلام بمختلف أصنافها بما فيها الرقابة على الشبكات الاجتماعية”.

لكن هشام السنوسي، عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، اعتبر في تصريحات سابقة أن سعي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى إلغاء دور الهايكا وعدم التنسيق معها بخصوص تغطية الانتخابات المحلية يأتي على خلفية انتقاد الهايكا للهيئة في الانتخابات التشريعية الماضية بسبب تجاوزها لصلاحياتها.

وأضاف أن ما تقوم به الهيئة العليا للانتخابات من تدخل مباشر في الإعلام هو تجاوز لصلاحياتها ومس من استقلالية العمل الصحفي. ونبه إلى أن ما يحدث في هذا الخصوص هو مس من شفافية الانتخابات وضرب للمقاربة التشاركية في عمل الهيئات.

ولن تكون مراقبة الانتخابات مثل سابقاتها باعتبار أن المرسوم عدد 8 لسنة 2023 سحب من الهايكا مسألة القرار المشترك مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي ينظم مراقبة وسائل الإعلام والتنسيق بشكل عام بينهما.

وانطلقت وحدات رصد الفضاء العام التابعة للهيئة في “رصد كل المظاهر المخلة بسلامة المسار الانتخابي” على غرار الخطابات التي تتضمن الدعوة إلى العنف والكراهية، أو تضليل الناخبين ونشر الأخبار والإشاعات الكاذبة، أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالهيئة الانتخابية أو بالغير، أو تشويه السمعة أو النيل من العرض أو الكرامة أو الشرف وأكد المنصري أن “هذه الإخلالات مجرمة بالقانون العام “.

وأضاف في نفس الإطار أن وحدات الرصد هذه تحيل إلى الهيئة ما تجمعه من تجاوزات أو إخلالات كما يمكن للمواطن تقديم شكوى إلى الهيئة فيما يعتبره تجاوزا بالفضاء العام” مشيرا إلى أن الهيئة تقوم من جهتها وفي صورة وجود شبهة إخلال بالإحالة إلى النيابة العمومية التي تتولى التكييف القانوني للإخلال.

من جهتها، أكّدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنّ نزاهة الانتخابات وشفافيتها مرتبطة أساسا بتوفير مناخ إعلامي حر وتعددي وديمقراطي، يلعب فيه الصحافيون ووسائل الإعلام بشكل مستقل دورا أساسيا في إنارة الرأي العام وفتح نقاش عام حول القضايا المتعلقة بالانتخابات، وتوفير المعلومات الدقيقة والموضوعية قصد مواجهة خطابات التضليل والتوجيه.

وشدّدت في بيان أصدرته الإثنين، بعد يوم من انطلاق الفترة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقررة يوم 6 أكتوبر 2024 وانطلاق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مراقبة الفضاء العام، أنّه لا يمكن للصحافيين الحديث عن مسار انتخابي حقيقي دون توفر جملة من الشروط كضمان حرية العمل الصحفي واستقلالية الخطوط التحريرية للمؤسسات الإعلامية.

وطالبت بالاكتفاء في تنظيم العمل الصحفي بالقوانين الخاصّة (المرسومان 115 و116)، وتعليق العمل بالمرسوم 54 الذي اعتبرت أنّه أصبح “أداة لترهيب الصحافيين وتصفية الحسابات السياسية”، وإيقاف ما وصفتها بـ”البيانات التهديدية غير المسؤولية على غرار بيان وزارة العدل الصادر بتاريخ 14 يوليو الجاري”.

من جهة أخرى، بيّنت النقابة أنّ تجميد عمل “الهايكا” خلّف فراغا كبيرا على مستوى ضمان شروط التعدد والتنوع في وسائل الاعلام السمعية والبصرية وهو ما من شأنه المس من مصداقية التغطية الصحافية للانتخابات، موضحة أنّ ما عاينته من تجاوزات وشكاوى تتعلق بصنصرة مضامين في وسائل الإعلام العمومية تدعو إلى إعادة التفكير في ضمان استقلالية هذه المؤسسات حتى تكون فضاء لمختلف الحساسيات الفكرية والسياسية.

وفي هذا الإطار، دعت النقابة إلى الإيقاف الفوري لما وصفته بوضع اليد التي تمارسها السلطة التنفيذية على وسائل الإعلام العمومية، وتفعيل آليات التعديل الذاتي داخل هذه المؤسسات لضمان حق المواطن الدستوري في إعلام تعددي ومتنوع يحقق مبدأ المساواة بين مختلف المترشحات والمترشحين.

وأعلنت أنّها ستصدر في الأيام القليلة القادمة ورقة توجيهية حول القواعد المعتمدة لتحقيق هذا الهدف خلال كافة مراحل الحملة الانتخابية وإلى حين الحسم في الاعتراضات.

كما طالبت بإطلاق سراح جميع الصحفيين الموقوفين بسبب أدائهم لعملهم، وتنقية المناخ العام من كل تهديدات لضمان حرية التعبير داعية في الآن نفسه الصحفيين إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة والممارسات الفضلى في تغطية المسار الانتخابي.

يذكر أنه في الواحد والعشرين من أغسطس 2019 صدر قرار مشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهايكا يتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاتها.

لكن لاحقا تم إلغاء القرار المشترك ومنح الولاية الكاملة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أجل الإشراف على العملية الانتخابية كاملة، وهو ما سحب من الهايكا صلاحيات كبيرة.

5