"الشعرُ لا يحمي المغفلات".. سعاد الخطيب شاعرة مجهولة بعد مجموعتها الخامسة

دون مقدمة توضيحية ودون تبرير للكتابة أقول إن ثمة كتبا شعرية تصدر دون أن تثير ضجيجا أو توضع في قائمة أكثر الكتب مبيعا، دون أن تحصد جائزة أو يشير إليها ناقد مرموق، لكنها كتب تنال مجدا أهم بالنسبة إلي من كل ذلك، إنك تقرأها فتشعر بالانبهار.
محاولا أن أعبر عن هذا الانبهار بالكتابة عنها أو بالكتابة لها، الكتاب خطاب إنساني عاطفي وجمالي ومعرفي يدعوك لأن تكتب ويحرضك على أن تتمثله وتتجسده، ويعني ذلك أن الكتابة الشعرية الأكثر جدية هي القادرة على تحويلك إلى شاعر حتى لو خيل لك أن ذلك يبدو شاقا.
من القصيدة التي تتصدر الديوان والتي تحمل عنوانا لافتا “أقرأ بسجية فلاحة” تقود سعاد الخطيب القارئ عبر كتابها الشعري “ظهري أوهى من غيمة” للتجوال في عالم شديد الخصوصية مع أنه عالمنا نحن، غير تاركة أي إحساس ضئيل بأنك تقرأ لشاعرة قد تعرفها عبر سيرتها الذاتية، ولعل هذا ما يتيح لك إمكانية الفهم والتأويل والاسترسال، أنت أمام شاعرة مجهولة تؤرخ لحياتها بلغة كثيفة وغير خالية مما هو غير شعري أيضا.
تكتب الشاعرة:
“أتجول في المدينة قذيفة هاون،
أمشي ولا أنفجر
أنفجر وحيدة على السرير”.
تضع الخطيب عبر تلك الإشارات تعريفا للحرب، كاشفة عن رغبة حقيقية في إنهائها في مكان ما والانطلاق نحو الحياة الأكثر اتساعا، فتشعرنا بالصبغة الإنسانية التي يخلقها الشعر، وهي بعد ذلك تنحاز إلى صورة شعرية أقل أذى على ذهنية القارئ فيما يخص الحرب وتداعياتها.
في نص آخر لافت توجز حكايتها بجزء صغير:
“لا أجرؤ على كتابة قصيدة لك،
أنا المطرودة من الألم”.
تحيل بذلك إلى أن إمكانية كتابة قصيدة سورية دون ألم أشبه بالمراوغة اللغوية، فقد حطم الخراب غدَ السوريين وأبقاهم أرواحا هائمة خارج مدنهم ولم يعد الوطن سوى احتمال بعيد للم الشمل وقد يساعد الشعر في تقليص المسافة فقط.
تحمل قصائد سعاد إذن كما هائلا من الإشارات والإحالات التي تنتقل بين اليومي والعام، بين الحرب وما تتركه من آثار وبين الحب وما يعنيه من بطولة شخصية أو خذلان فردي.
ينتزع الشعر عبر تلك القصائد معناه الفطري وأهميته الكونية من مفهومه المؤطر، فتبدو القصائد كأغنيات طفولية طافحة بالألم والصفاء الوجداني، ولا يقللُ ذلك من مهارته كصنعة فيما يخص اللغة والبناء الفني.
ثمة سؤال يواجهنا عند قراءة كل كتابة شعرية، هل الشعر مازال قادرا على قول طموحاتنا وآلامنا وأحلامنا؟
عند الإجابة على سؤال مثل هذا نحدد جدوى الشعر ونحوله من عقل إنساني نشط إلى حركة لها غاية محددة، وبما أن سعاد تمنح الشاعرة في قصيدتها بطولة الإنسانة السورية، فإنها لا تحاول قول شيء يخص الجميع إنما تطرح وجودها الخاص ولن يعنيها إن كان ذلك يعبرُ عن الجميع أو لن يعبر عن أحد.
فالشعر تلك الفردانية الراهنة والشفافية المليئة بالندوب، إننا أقل شيء أمام جرح سوري يلتئم بطريقته الخاصة، هذا هو الشعر، هذه هي اللحظة التي تقودنا الشاعرة نحوها للانتهاء عند الفهم الجوهري للشعر: “كل كتابة شعرية خالصة تنسج تعريفها الخاص للشعر برمته”.