بوادر "مرور قوي" لمرشح السلطة في انتخابات الرئاسة الجزائرية

مؤسسات الدولة لم تفصل بعد بين تبون المرشح وتبون الرئيس المنتهية ولايته.
الأحد 2024/07/14
تبون في طريق مفتوح

يبدو أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون سيجد الطريق نحو قصر المرادية معبّدة مرة أخرى في سباق الفوز بولاية رئاسية ثانية، في ظلّ مساعي التحالف الحزبي إلى زيادة نسبة المشاركة، مقابل قطع الطريق أمام المعارضة حول عدم شرعية السلطة القائمة.

الجزائر- خلا إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن نيته في الترشح لولاية رئاسية ثانية من مظاهر التسويق الانتخابي المفترضة في مرشح ينتظر أن يخلف نفسه دون منازع، فاكتفى بتصريح مقتضب ضمن لقاء إعلامي مع قناة تلفزيونية، بينما ظهر مدير ديوانه ومستشاره الإعلامي في مبنى سلطة الانتخابات لسحب استمارات التزكية.

وانطلقت حملة التعبئة الشعبية الداعمة لترشح الرئيس تبون، لولاية رئاسية ثانية، حيث التقت السبت بالعاصمة أحزاب تحالف الأغلبية النيابية، وهي جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة المستقبل، وحركة البناء الوطني، لبدء حملة الحشد الشعبي من أجل تحقيق فوز ساحق لمرشحهم.

كما نظمت ما يعرف بـ”التنسيقية الوطنية للمجتمع المدني”، وهي واحدة من التنظيمات الأهلية التي استحدثت بعد مجيء تبون في 2019، في إطار الشراكة بين السلطة والمجتمع المدني، لقاء لمنتسبيها ورموزها من أجل نفس المهمة، مع إضافة مهمة إقناع الشباب بالاقتراع يوم التصويت، من أجل ضمان مشاركة واسعة، وإنهاء هيمنة المسنين على صناديق الاقتراع.

عبدالمجيد تبون يعتبر أحد الخريجين الأوفياء لمنظومة السلطة التي تدير البلاد، حيث عاصر أغلب رؤساء الدولة

ويريد التحالف الحزبي والأهلي ضخ دماء جديدة في الاستحقاق القادم، برفع نسبة المشاركة وتحقيق شرعية شعبية واسعة لمرشحهما، وحرق أوراق المعارضة حول عدم شرعية السلطة القائمة، بدليل نسبة المشاركة المتدنية التي أفرزت تبون رئيسا للبلاد في 2019، حينما لم يصوت عليه إلا خمسة ملايين من ضمن 24 مليون جزائري مدون في القوائم الانتخابية. 

وكان رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، قد توقع في تصريح أدلى به لقناة تلفزيونية محلية بأن “فوز تبون في الانتخابات سيكون بأكثر من 90 في المئة أو أقل بقليل”، وهو ما يؤشر على غلق مبكر للاستحقاق لصالح مرشحهم، ويقطع الطريق على أكثر من 30 راغبا عبّروا عن نيتهم في خوض الانتخابات الرئاسية. 

وقرر الرئيس عبدالمجيد تبون، خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أقل من شهرين في الجزائر، كمرشح مستقل يحظى بدعم القوى السياسية والمجتمع المدني والنشطاء المستقلين، الأمر الذي سيبقي المسافة متساوية بينه وبين القوى الداعمة، ويجعل الرجل في منأى عن ضغوط توزيع الكعك السياسي بين شركائه. 

ولاحت معالم “المرور القوي” لمرشح السلطة، من خلال الشكل الذي تم به الإعلان عن ترشيح تبون، فقد تم في مبنى حكومي (قصر الشعب)، وفي تصريح مقتضب ضمن لقاء مع قناة تلفزيونية، أسسها الفريق الرئاسي العام 2021، لتجاوز مناورات المؤسسة التلفزيونية العمومية التي تتنازعها الأجنحة النافذة في السلطة.

كما شكل تكليف مدير ديوانه بوعلام بوعلام، ومستشاره لشؤون الإعلام كمال سيدي سعيد، لسحب استمارات التزكية الفردية، خرقا صريحا لحياد الإدارة وعدم انحياز مؤسسات الدولة، لأن الرجلين موظفان حكوميان وليس في مراسيم تعيينهما ما يتضمن مثل هذه المهام التي تتعلق بالمرشح تبون، وليس رئيس الجمهورية تبون.  

وتصف المعارضة الراديكالية في الجزائر، المرشح تبون، بكونه رأس السلطة الذي قاد حملة قمع واسعة، منذ الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد في العام 2019، وهو ما يستشف في معالم المرور القوي التي بدأت تلوح في أفق الاستحقاق الرئاسي.

وحتى الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية على فيسبوك، نقل قرار ترشحه وبث المقطع الذي جاءه فيه “نزولا عند رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب، أعتقد أنه آن الأوان أن أعلن أنني سأترشح لعهدة ثانية مثلما يسمح به الدستور، وللشعب الجزائري الكلمة الفاصلة في ذلك”. وأضاف “الانتصارات المحقّقة كلّها هي انتصارات الشعب الجزائري وليست انتصاراتي”.

وتابع “الخاص والعام يشهد بأن مداخيل الدولة تقوّت وبأن النزيف الذي عرفته الخزينة العمومية انتهى والجزائر استرجعت ما كان ممكناً استرجاعه من الأموال المنهوبة المقدرة بملايين الدولارات”.

وبهذا القرار، انضم تبون، إلى لائحة تتكون من 35 راغبا في الترشح للانتخابات الرئاسية، منهم أربعة نسوة، وشرعوا منذ أسابيع في سحب استمارات التزكية، لكن مهما كانت هوية الوجوه التي تستوفي الشروط اللازمة يبقى تبون هو المرشح الذي سيخلف نفسه في قصر المرادية، وسيكتفي هؤلاء بأداء دور “أرانب السباق ” في أحسن الأحوال.

المعارضة الراديكالية في الجزائر، تصف المرشح تبون، بكونه رأس السلطة الذي قاد حملة قمع واسعة، منذ الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد في العام 2019

ويعتبر عبدالمجيد تبون، أحد الخريجين الأوفياء لمنظومة السلطة التي تدير البلاد، حيث عاصر أغلب رؤساء الدولة، منذ أن كان رئيس دائرة، ثم واليا، ثم وزيرا، ثم رئيس وزراء، قبل أن يطاح به بعد 80 يوما من العام 2017، ويوضع على الرف بعد عقود من خدمة النظام القائم.

وشكل انتخابه نهاية العام 2019، بداية الهجوم المضاد الذي شنته السلطة ضد احتجاجات الحراك الشعبي، وخلال عهده تم حظر المظاهرات التي نظمها الحراك، كما تم تكثيف ملاحقات النشطاء المعارضين والصحافيين والأكاديميين، مستفيدا من القيود المفروضة على التجمّعات خلال جائحة كوفيد.

وفي شهر فبراير الماضي قالت منظمة العفو الدولية إنه “بعد خمس سنوات على اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، لا تزال السلطات الجزائرية تقيد الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”.

وأوضحت المنظمة في تقرير يستند إلى شهادات معتقلين وعائلات ومحامين إن “السلطات الجزائرية صعّدت قمعها للمعارضة السلمية” منذ قضت على احتجاجات الحراك في أوائل العام 2020.

وقالت مديرة منظمة العفو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هبة مرايف “إنها لمأساة أنه بعد خمس سنوات من نزول الجزائريين الشجعان إلى الشوارع بأعداد كبيرة للمطالبة بالتغيير السياسي وبإصلاحات، تواصل السلطات شن حملة قمع مروّعة، وأن مئات الأشخاص اعتقلوا بشكل تعسّفي”، مضيفة أن “صحافيين وناشطين ما زالوا خلف القضبان”.

2