أهداف مجلس القضاء الأعلى العراقي لحماية الصحافيين تواجه واقعا قاتما

بغداد - أكد مجلس القضاء الأعلى في العراق العمل على ضمان حماية حرية التعبير وعدم استخدام الدعاوى كسلاح لتقييد الحرية، مشيرا إلى نية تشكيل محاكم النشر والإعلام في جميع المناطق الاستئنافية بالعراق لتحقيق هذا الهدف الذي يواجه تحديات عديدة في ظل تفشي ظاهرة الانتقام من الصحافيين خارج إطار القانون والمحاكم.
وقال عامر حسن رئيس محكمة النشر والإعلام التابعة للقضاء الأعلى في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن “مجلس القضاء الأعلى شارك في ورشة ‘كسر حاجز الصمت’ لتعزيز المساءلة الحكومية والمتابعة القضائية لحماية الصحافيين التي نظمتها منظمة اليونسكو”.
وأضاف أن "مشاركة المجلس تمثل حرصه بجميع الدورات والمؤتمرات المهمة التي تتعلق بالعمل الصحفي على فهم التحديات التي تواجه العمل الصحفي وفهم المشكلات والتحديات، ونسعى إلى إيجاد الحلول”.
وتابع أن "دور مجلس القضاء الأعلى في قضايا حرية التعبير عن الرأي يتضمن إيجاد آلية تضمن حماية حرية التعبير عن الرأي وترسيخ الحرية، فضلا عن عدم استخدام الدعاوى التي تقام ضد الصحافيين كسلاح لتقييد الحرية من خلال تشكيل محاكم النشر والإعلام في جميع المناطق الاستئنافية في العراق ومن خلال الاستعانة بخبراء الإعلام المنتدبين من نقابة الصحافيين والجهات الأخرى لإبداء آرائهم".
لكن العديد من الناشطين والتقارير الإخبارية يرصدون واقعا آخر لا يتعلق بالدعاوى المرفوعة ضد الصحافيين والإعلاميين، وإنما يتصل بالاستهداف المباشر لهم وتصفيتهم أو اختطافهم خارج إطار القانون وتفشي الإفلات من العقاب، ويشكل مقتل المحلل السياسي صاحب الحضور الإعلامي القوي في المنابر العراقية مثالا بارزا على هذا الواقع، بعد تبرئة قاتله.
وبرأت محكمة عراقية ضابط شرطة أدين في السابق وحكم عليه بالإعدام لقيادته مجموعة قتلت بالرصاص المحلل والمستشار الحكومي المعروف هشام الهاشمي قبل أكثر من ثلاث سنوات في بغداد، رغم اعترافاته.
ويبدو أن مجلس القضاء الأعلى يحاول أن يقذف بحجر في بحر الواقع القاتم، وقال مدير الاتصال والمعلومات في يونسكو العراق ضياء السراي إن "منظمة اليونسكو عقدت بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية وعدد من الصحافيين دورة ضمن سياق مشروع كسر حاجز الصمت لتعزيز المساءلة القانونية والإجراءات القضائية لسلامة الصحافيين ومكافحة الإفلات من العقاب".
وأضاف أن "المنظمة تسعى إلى نشر الثقافة لدى جميع الأطراف المعنية بمعادلة حرية التعبير، إن كان صحافيا أو إعلاميا أو ناشطا أو مدونا وصانع محتوى، إضافة إلى إشراك السلطات الثلاث، تشريعية وتنفيذية وقضائية".
لكن إلى جانب التدريب يقول صحافي، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن المهمة صعبة وطويلة وتتطلب جهودا كبيرة للمضي قدما في تحقيق العدالة والحماية للصحافيين حتى في أدنى مستوياته، مستشهدا بتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في أواخر العام الماضي، حيث أشارت إلى ما وصفته بالحرب القاتلة ضد الصحافيين العراقيين؛ إذ قتل ما لا يقل عن 282 منهم خلال السنوات الـ20 الماضية، بينما اضطر كثيرون إلى العمل من خارج البلاد.
وذكّر التقرير البريطاني بحادثة إلقاء قنبلة يدوية على قناة "يو.تي.في" في فبراير العام الماضي، والتي لم تنفجر. لكن الهجوم شكل نموذجا عن الاعتداءات التي تستهدف الصحافيين على مدى العقدين الماضيين.
وأوضح التقرير أن الهجوم ربما كان يستهدف مقدم برامج النقاش السياسي عدنان الطائي الذي انتقد الاستخدام المنفلت للأسلحة في العراق، وصرح بأن "أسئلتي لا تهدف إلى استفزاز السياسيين، بل تطلب منهم أن يبرروا، لكنها سرعان ما تتحول إلى سلاح لقتلي بعدة طرق مختلفة".
وكان الطائي قد أجبر على الهجرة إلى المنفى بسبب التهديدات السابقة ضده وعائلته، وهو يعيش حاليا في تركيا، ويعمل صحافيا في قنوات عراقية، بما في ذلك "يو.تي.في".
وذكر التقرير أن دستور عام 2005 نص على حرية التعبير وحرية الصحافة، وتلاه قانون يستهدف حماية الصحافيين، إلا أن العراق بعد الغزو، وبعيدا عن تسهيل الصحافة الحرة والمستقلة، أنتج مشهدا إعلاميا حزبيا وطائفيا تزايد فيه العنف ضد الصحافيين.
وقتل ما لا يقل عن 282 صحافيا في العراق منذ عام 2003، وفقا لتقديرات لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، وقد سقطت غالبيتهم على أيدي مسلحين مجهولين أو فصائل مسلحة، بينما سقط آخرون على أيدي القوات العراقية.
ويحتل العراق مراتب متقدمة في مؤشر الإفلات من العقاب العالمي الصادر عن لجنة حماية الصحافيين، بعد الصومال وسوريا وجنوب السودان وأفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك تم اختطاف 74 صحافيا ومساعدين إعلاميين، وجرى قتل معظمهم.
وتناول التقرير قصة أفراح شوقي التي تعمل صحافية منذ منتصف التسعينات وكانت مراسلة لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، عندما قام نحو 20 مسلحا مقنعا بتقييد عائلتها وخطفها من منزلها في بغداد خلال ديسمبر 2016. واتهمت أفراح شوقي "بأنها تلقت أموالا من سفارتي السعودية والولايات المتحدة للكتابة ضد بلدها، وبخيانة زوجها مع رجال آخرين، وأجبروها على توقيع أوراق لتأكيد ذلك". وقالت أفراح أنه "كلما رفضت التوقيع، كانوا يضربونني بهراوة".
◙ ناشطون يرصدون واقعا آخر لا يتعلق بالدعاوى المرفوعة ضد الصحافيين وإنما يتصل بالاستهداف المباشر لهم وتصفيتهم أو اختطافهم خارج إطار القانون
ولفتت إلى أنها اضطرت إلى الهجرة إلى فرنسا بعد إطلاق سراحها في يناير 2017، وسط حملة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي مدافعة عنها. وذكرت شوقي أن “التواجد في المنفى مسألة صعبة بالنسبة إلى الصحافيين، ومن الصعب التواصل بعيدا عن الوطن".
وتناول التقرير تجربة الصحافية أميرة التي أمضت الكثير من طفولتها وهي تنتقل من مكان إلى آخر، بعد أن غادرت بغداد متوجهة إلى الموصل في عام 2006 عن عمر يناهز 14 سنة بسبب الصراع الطائفي، ثم نزحت مرة أخرى بسبب وجود تنظيم القاعدة هناك، مضيفا أنه في عام 2014 أجبرت أميرة على العودة إلى بغداد بعد احتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل.
واضطرت أميرة إلى اللجوء إلى منفاها في لندن بعد حملة ضدها وضد صحافيين آخرين قبل اندلاع احتجاجات أكتوبر 2019، والتي قتل خلالها المئات من المتظاهرين. وقالت "احتجبت تماما عن شوارع احتجاجات أكتوبر".
وأشارت إلى أنها لم تعد قادرة على العودة إلى العراق بعد تلقيها المئات من التهديدات والاتهامات بالعمل ضمن أجندات مختلفة، مضيفة أنها اضطرت إلى متابعة حياتها المهنية في أحد مكاتب القنوات العراقية في تركيا، حيث لا تزال تعمل. وتقول "أفكر في الـ20 سنة من حياتي التي أمضيتها في الهرب والهجرة، ولا أريد أن يرث طفلي هذه التجربة".
كما كشفت تجربة الصحافي عبدالرحمن عدم قدرة الأمن على حماية الصحافيين؛ فعندما كان يصور مع فريقه في بغداد خلال فبراير 2023، استدعاه مسؤول أمني ليقول له إن القوات الأمنية غير قادرة على حمايته، فتوقف فورا عن التصوير وغادر.
ويعمل عبدالرحمن في قناة إخبارية أجنبية معروفة بتغطية القضايا الاجتماعية المتعلقة بالشباب، وهم مثل صحافيين آخرين يتعرضون للتضييق من جانب "الجيوش الإلكترونية" التابعة لسياسيين، على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال رئيس رابطة حرية الصحافة مصطفى ناصر إن "هؤلاء الناس غالبا ما يحرضون ضد الصحافيين وصولا إلى موتهم، أو أنهم ينشرون أخبارا كاذبة عن وفاتهم، ويتتبعون هؤلاء بهدف الانتقام وليس من أجل عملهم كصحافيين".
وحتى الصحافيون الذين لديهم الحظ الكافي في التمكن من الهرب، مثل الطائي، مازالوا يفضلون أن يكونوا قادرين على العمل بأمان في العراق والتحدث إلى السياسيين وغيرهم بشكل مباشر. ويقول الطائي "أنا مهدد دائما، وتعرضت للاضطهاد منذ أن بدأت العمل في الصحافة، وأحيانا من جانب تنظيم القاعدة أو من قبل الفصائل المسلحة التي تعتبر اليوم جزءا من الحكومة".