إستراتيجية جديدة تكرس للمكاشفة مع تغيير رؤساء هيئات الإعلام في مصر

تعتمد رؤية الحكومة المصرية تجاه التعامل مع الصحافة خلال الفترة المقبلة على الوجوه الجديدة التي تقود الهيئات الإعلامية والتي تميل إلى تقديم المعلومات في القضايا محل النقاش العام، وتقريب المسافات بين المنابر الإعلامية المختلفة.
القاهرة - يترقب المشهد الإعلامي في مصر تغيرات على مستوى أسلوب الإدارة والعلاقة مع السلطة، مع اقتراب تشكيل الهيئات الإعلامية الجديدة، والاستعانة بعناصر مشهود لها بالكفاءة، بالتوازي مع تعهد الحكومة الجديدة بالتواصل الدائم مع وسائل الإعلام للرد على كل ما يثار في الشارع من شكاوى واستفسارات ومطالب، ينقلها ممثلو الصحف والقنوات التلفزيونية إلى رئاسة مجلس الوزراء.
ومن المقرر أن يتولى ضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات برئاسة الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، وهو من الخبرات الصحافية التي تملك رؤية طموحة لعلاقة الإعلام بالسلطة، وتربطه علاقة قوية بدوائر النظام والصحافيين والإعلاميين، وسبق له أن فاز بمنصب نقيب الصحافيين، وهو أيضا رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني بين السلطة وأنصارها، والمعارضة ورموزها.
وتقرر بقاء رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجي في منصبه لفترة جديدة، بينما تتم الاستعانة بنقيب الإعلاميين وعضو لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ طارق سعدة لرئاسة الهيئة الوطنية للإعلام، مع ضم أسماء بارزة في عضوية الهيئات الإعلامية الثلاث، بينهم إعلاميون وصحافيون كبار وخبراء وأكاديميون في كليات الإعلام.
وأعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة الجديدة تخصيص يوم كل أسبوع للاجتماع بممثلي وسائل الإعلام المختلفة دون انتقائية أو تمييز، للحوار معهم في كل ما يدور على الساحة من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية، لشرح وتفنيد القرارات ورؤية الدولة تجاه التحديات، وهو إجراء كان يمكن اعتباره من الأمور النادرة في الماضي.
وبعث ضياء رشوان برسائل إيجابية حول رؤيته لعلاقة الحكومة بالإعلام خلال المرحلة المقبلة، مؤكدا أن الأخيرة ليست في خصومة مع أي جهة أو معارضة أو أي رأي في الإعلام، وعليها أن تتعامل مع النقد بأنه ينير لها الطريق لكشف ما يغيب عنها، لأن المعارضة تمثل مصابيح بالنسبة للحكومة في ملفات عدة، بالتالي عليها الانفتاح مع الآخرين مهما اختلفوا معها.
وقال رشوان في تصريحات إعلامية إن الحكومة مطالبة بأن تدرس بعناية شديدة أي حديث يدور في وسائل الإعلام وتضعه في الاعتبار، لأن المواطنين هم العنصر الرئيسي للاستقرار، ورضا الشعب يفترض أن يكون أولوية، وهذا يتحقق بالتقارب الحكومي مع الإعلام عندما يكون الأخير وسيطا مع الرأي العام.
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن رؤية الحكومة تجاه التعامل مع الإعلام خلال الفترة المقبلة تقوم على تقديم المعلومات في القضايا محل النقاش العام، كي لا تتحول الحكومة إلى متهمة طوال الوقت، بحيث تُظهر حقيقة ما يحدث أولا بأول، مع تحجيم دور المنصات كمصدر للمعلومات والشائعات، مقابل إعادة الاعتبار للإعلام.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن رئيس الحكومة يخطط لتكون هناك جلسات مفتوحة كل شهر مع الكتاب والمفكرين وكبار الصحافيين والإعلاميين للتشاور معهم بشأن رؤية الحكومة للملفات المختلفة، والاستماع إلى وجهات نظرهم بشأن المشكلات والحلول، والطريقة المُثلى للتواصل مع الرأي العام ولن تعمل الحكومة في جزر منعزلة.
ويرتبط تغير علاقة الحكومة بالإعلام بأنها وجدت أن الاصطفاف خلفها من أغلبية الصحف والمواقع الإخبارية والبرامج التلفزيونية غير مفيد لأي طرف مع استمرار الفجوة، ويجلب منغصات لأنها لا تقدم للناس ما يبحثون عنه من خلال إعلامهم المحلي، ولا تتركه ينقل نبض الشارع، ورأت أنه لا بديل عن قيام الإعلام بالمهمتين.
وتشير السياسة الجديدة التي ترغب الحكومة في اتباعها مع الإعلام إلى وجود توجه عام داخل النظام الحاكم لتقريب المسافات بين المنابر الإعلامية المختلفة، ما يفسر قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعيين اللواء محسن عبدالنبي مدير مكتبه السابق ليكون مسؤولا عن ملف الإعلام بمؤسسة الرئاسة وحلقة وصل مع الصحف والقنوات.
وقالت المصادر المصرية لـ”العرب” إن مستشار الرئيس للإعلام من الشخصيات التي تقدّر قيمة الإعلام داخل مؤسسة الرئاسة، وينقل للسيسي كل ما يدور على شبكات التواصل والصحف والقنوات، ولو كانت تحوي آراء ناقدة لبعض السياسات.
وتسبب غياب المعلومات المرتبطة بملفات حيوية السنوات الماضية في مشاكل عديدة للحكومة، لأنها تعاملت في بعض الأحيان ببطء ودون اكتراث بتوضيح المواقف وتفنيد التصرفات والتوجهات من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ما أحرج أجهزة الدولة، وكان يوحي عدم التجاوب مع الإعلام بوجود كوارث مطلوبة التغطية عليها.
وأكد أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم أن هناك بوادر إيجابية توحي بأن الحكومة تعلمت من دروس الماضي، واقتنعت بأن التأخر عن المكاشفة في قضايا تشغل الرأي العام يمنعها من تحقيق مكاسب مضمونة، كما أن عدم توفير المعلومات المطلوبة في ملفات جماهيرية فتح الباب لظهور تخمينات تضاعف التحديات.
وأضاف لـ”العرب” أن قطيعة المسؤول مع الإعلام تقود إلى قطيعة مع الشارع، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا تسمح بذلك، والتقارب بين الحكومة والإعلام ينطوي على فائدة للطرفين، لأن دور الإعلام ينير بصيرة الناس ويوفر لهم المعرفة، وهذا يقطع الطريق على الشائعات ويمنع تقديم هدايا مجانية لخصوم النظام.
وما يلفت الانتباه أن رئيس الحكومة تعهد خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس بأن يكون لقاؤه الأسبوعي مع ممثلي وسائل الإعلام على الهواء مباشرة، بما يعزز مصارحة الرأي العام، مع منح الحرية الكاملة لأي صحافي أو مراسل لطرح استفساره وما جمعه من نبض الشارع والرد عليه بوضوح وبلا إخفاء لأي معلومة.
رؤية الحكومة تجاه التعامل مع الإعلام خلال الفترة المقبلة تقوم على تقديم المعلومات في القضايا محل النقاش العام، كي لا تتحول الحكومة إلى متهمة طوال الوقت
ويرى خبراء في مجال الإعلام أن تعهد الحكومة بالانفتاح غير المحدود على وسائل الإعلام بادرة إيجابية على مستوى توافر المعلومات، لكنها تحتاج إلى البدء تدريجيا في تغيير الكثير من الوجوه الإعلامية المرفوضة جماهيريا لتعزيز مصداقية خطابها الموجه إلى الرأي العام، بحيث تغير صورة الناس عنها ويستطيع الإعلام نفسه توصيل رسائلها بلا طعن في توجهاته.
وتضم المنظومة الإعلامية في مصر العديد من الوجوه القديمة المحسوبة على أنظمة سابقة، دأبت على التصفيق للحكومة في الصواب والخطأ، وصار هناك رفض جماهيري ضدها، ما جعل السلطة تخسر كثيرا باعتمادها عليهم كوسطاء بينها وبين الشارع دون أن تبدأ مرحلة التصفية وتصعيد عناصر شبابية من أصحاب الكفاءة.
وتظل العبرة أن يصبح التناغم بين الحكومة والإعلام على مستوى التقارب المعلوماتي سمة عامة وليس مقتصرا على رئيس الحكومة، لأن الكثير من المسؤولين يرفضون الظهور الإعلامي للرد على الأسئلة التي تشغل الناس أو تمس صميم حياتهم، ما تسبب في تهاوي صورة بعض المنابر.
ويصعب التغلب على التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه النظام المصري في غياب مشاركة الناس في التصورات التي تتحرك على أساسها السلطة، ولن يتحقق ذلك قبل التعامل مع الإعلام كوسيط موثوق به بشكل مستدام وليس وفق متطلبات المرحلة، فقبول الجمهور باصطفاف الإعلام خلف الحكومة له معايير، أهمها المصداقية والمكاشفة.
وإذا كانت هناك نوايا لدى الحكومة لترك المساحة أمام الإعلام لينتقد بتوازن، لن يتمكن من القيام بهذا الدور، مع غياب المعلومات الكاملة حول كل قضية وملف، وبالتالي فأي انفتاح يتطلب وفرة معلوماتية يمكن بناء المواقف عليها، بالتأييد أو النقد، ومن المهم عدم استبعاد الجمهور من المعادلة إذا وجدت رؤية لتوصيل خطاب موثوق به للشارع.