أهم ما في انتخاب رئيس معتدل دوره في مرحلة ما بعد خامنئي

طهران- في الانتخابات الرئاسية بإيران لا تكمن أهمية انتصار الإصلاحي مسعود بزشكيان فقط في وصوله إلى الحكم ضمن دولة يتحكم فيها المتشددون، وإنما أهم ما في انتخاب رئيس معتدل دوره في مرحلة ما بعد المرشد الأعلى علي خامنئي.
ويعتبر الرئيس هو الشخصية الأهم بعد المرشد الأعلى، وهو المؤهل قانونيا لخلافته في حال تعذر عليه الاستمرار في منصبه لسبب أو لآخر، وهي فرضية تمهد الطريق لتأثير التيار الإصلاحي في رسم مستقبل إيران داخليا وخارجيا وكسر نفوذ المتشددين وأجنداتهم، خاصة ما تعلق بالإنفاق على الحروب الخارجية وتمويل الميليشيات والوكلاء ووضع البلاد في حالة حرب أو انتظار للحرب.
وبوجود الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي كانت خلافة المرشد أشبه بحالة انتقالية كتلك التي أعقبت خلافة الخميني عندما كان خامنئي مرشح الاستمرار. لكن الأمر صار مختلفا الآن، وستكون عملية الانتقال صعبة وقد تقود إلى صدام بين المتشددين الماسكين بكل دواليب الدولة ومؤسساتها من جهة والإصلاحيين الذين يريدون تغيير ملامح المستقبل بانتخاب بزشكيان من جهة أخرى.
وفي ظل المعادلة الجديدة ليس بوسع المرشد أو الحرس الثوري أن يبطشا برئيس معتدل منتخب بسهولة مثلما حدث مع أبوالحسن بني صدر في السابق والانقلاب على خيار الإيرانيين. وصعود إصلاحي في هذه المرحلة يظهر أن المرشد لم يعد قويا وأن الناس ملوا من الثورة ومعاركها الخارجية.
والسبت حث الرئيس المنتخب الإيرانيين على التمسك به في “الطريق الصعب” الذي سيمضي فيه، وذلك بعد فوزه على منافس من غلاة المحافظين في الانتخابات الرئاسية.
وجرت الجولة الثانية الجمعة بين بزشكيان، المعتدل الوحيد بين أربعة مرشحين، والمفاوض النووي السابق سعيد جليلي، وهو من غلاة المحافظين.
وتعهد بزشكيان، جراح القلب البالغ من العمر 69 عاما، بتبني سياسة خارجية عملية وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.
لكن الكثير من الإيرانيين يشككون في قدرته على الوفاء بوعوده الانتخابية بسبب السلطة الأعلى لخامنئي.
وقال بزشكيان في منشور عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس “إلى الشعب الإيراني العزيز: انتهت الانتخابات، وهذه مجرد بداية لعملنا معا. أمامنا طريق صعب. ولا يمكن أن يكون سلسا إلا بتعاونكم وتعاطفكم وثقتكم”. وأضاف “أمد يدي إليكم وأقسم بشرفي أني لن أتخلى عنكم في هذا الطريق. فلا تتركوني”.
وبعد أن تؤكد الهيئة المعنية بمراقبة الانتخابات نتيجة التصويت ويصدق عليها خامنئي، سيؤدي بزشكيان اليمين أمام البرلمان في طهران خلال الأيام المقبلة.
وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت الجمعة نحو 50 في المئة. وشهدت الجولة الأولى في 28 يونيو إقبالا منخفضا لم يسبق له مثيل إذ أحجم أكثر من 60 في المئة من الناخبين عن التصويت.
وتمكن بزشكيان من الفوز بفضل ثقة قاعدة انتخابية يُعتقد أنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي سحقت على مدى السنين أي معارضة علنية للحكم الديني.
وقال مصدر إيراني إن بزشكيان يتمتع بمكانة داخل النظام ومقرب من خامنئي وربما يكون قادرا على بناء الجسور بين الفصائل لتحقيق الاعتدال، لكنه لن يتمكن من تحقيق تغييرات جوهرية يتوق إليها الكثير من الإيرانيين.
وشهدت الجمهورية الإسلامية نهجين إصلاحيين؛ الأول من عام 1997 إلى عام 2005 عندما سعى الرئيس آنذاك محمد خاتمي إلى إجراء إصلاحات سياسية وبناء مجتمع مدني أقوى ومنح الصحافة المزيد من الحرية، لكنه واجه معارضة من خامنئي والحرس الثوري صاحب النفوذ الكبير.
وقاد الرئيس البراغماتي السابق حسن روحاني نهج الإصلاح الثاني من عام 2013 إلى عام 2021 مستخدما رصيده السياسي ضمانة لموافقة خامنئي على الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه لم يترك شيئا للإصلاحات الداخلية.
وعزز فوز بزشكيان آمال تحسين علاقات إيران مع الغرب، ما قد يوجِد مجالا لتسوية خلافاتها مع القوى العالمية حول أنشطتها النووية.
وأشاد خامنئي بزيادة الإقبال على الانتخابات، وهنأ بزشكيان على فوزه ونصحه بمواصلة سياسات رئيسي.
وأظهرت مقاطع مصورة نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدي بزشكيان وهم يرقصون ابتهاجا في شوارع الكثير من مدن إيران وبلداتها بينما يطلق سائقو السيارات أبواق عرباتهم احتفالا بفوزه.
وتزامنت الانتخابات مع تصاعد التوتر في المنطقة بسبب صراعي إسرائيل مع كل من حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهما من حلفاء إيران، فضلا عن زيادة الضغوط الغربية على إيران بشأن برنامجها النووي سريع التقدم.
وفي ظل النظام الإيراني المزدوج الذي يجمع بين الحكم الديني والجمهوري لا يستطيع الرئيس إحداث أي تحول كبير في السياسة بشأن البرنامج النووي أو دعم الجماعات المسلحة في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط؛ ذلك أن خامنئي هو من يتحكم في القرارات المتعلقة بالشؤون العليا للدولة.
غير أن الرئيس يمكنه التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية، وسيشارك بشكل وثيق في اختيار خليفة خامنئي، الذي يبلغ من العمر حاليا 85 عاما.
ويحظى بزشكيان بدعم من المعسكر الإصلاحي الإيراني بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي. وهو موال للحكم الديني في إيران ولا يعتزم مواجهة صقور الأمن الأقوياء والحكام الدينيين.
وبعث قادة دول برسائل تهنئة إلى بزشكيان من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.