مقترح نظام الحصة الواحدة يسهل على المرأة التوفيق بين الأسرة والعمل

تعيش المرأة التونسية الموظفة، حالة من الإرهاق بسبب كثرة ساعات العمل واضطرارها للبقاء يوماً كاملاً خارج المنزل، ما ينهكها ويؤثر سلبا على نفسيتها أولاً وعلى محيطها العائلي وخاصة أطفالها وزوجها ثانيا. وتسعى السلطات المسؤولة في البلد إلى محاولة تغيير نظام عملها إلى حصة واحدة بغاية إراحتها، ما ينعكس إيجابا عليها وعلى عائلتها، ويقلل من نسب العنف داخل الأسرة.
تونس - عاد الجدل من جديد في تونس بشأن ضرورة اعتماد نظام الحصة الواحدة للمرأة العاملة حتى يتسنى لها الاهتمام بعائلتها، حيث تستعد وزارة المرأة لتنظيم ورشات لدراسة جدوى هذا المقترح على المرأة والأسرة والمجتمع والمؤسسات المشغلة.
ومن غير المعروف كيف سيتم التعامل مع من يفضلن هذا النظام حيث يقترح خبراء تخفيض ثلث من رواتب من يخترن هذا النظام ويعملن في الوظيفة الحكومية. ومن غير المعروف أيضا ما إذا كان المقترح يشمل العاملات بالقطاع الخاص. وتواجه المرأة العاملة في تونس اختلاطا في الأدوار فهي خاضعة إلى ضغوط دورها الطبيعي وقيم ومعتقدات المجتمع تجاه دورها الأمومي من جهة وظروف التزامات عملها الخارجي من جهة أخرى، ما يتسبب في تشتت جهودها وهدر طاقتها.
وتعيش المرأة التونسية الموظفة، عموما، حالة من الإرهاق بسبب كثرة ساعات العمل واضطرارها للبقاء يوماً كاملاً خارج المنزل، وهو الأمر الذي ينهك قواها ويؤثر سلباً على نفسيتها أولاً وعلى محيطها العائلي وخاصة أطفالها وزوجها ثانيا. لذلك تسعى الجهات المختصة في تونس إلى إيجاد حلول كفيلة تجنب المرأة ضغوط العمل خارج المنزل ومن ذلك اعتماد العمل بنظام الحصة الواحدة ما من شانه أن يعيد للأسرة استقرارها ويقلل من نسب العنف الزوجي.
وقالت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى، خلال الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب المخصصة لتوجيه أسئلة إلى عدد من أعضاء الحكومة، على أن الوزارة في مرحلة متقدمة لطرح نقاش تشاركي يشمل كل الوزارات حول جدوى اعتماد نظام حصة العمل الواحدة لفائدة المرأة خلافا لما هو موجود حاليا.
وأوضحت في ردها على سؤال شفاهي للنائب طارق الربعي تعلّق بإستراتيجية الوزارة لمجابهة العنف المستشري داخل المجتمع التونسي، أن هذا النقاش التشاوري الذي سيتواصل في شكل ندوات وورشات عمل، سيجيب بشكل علمي عن جدوى اعتماد حصة العمل الواحدة وتأثيراتها المفترضة على الحياة اقتصاديا واجتماعيا وعلى منسوب العنف والعلاقات داخل الأسرة وعلى مستوى الحدّ من المصاريف التي يتم إنفاقها خلال نظام العمل المتبع حاليا.
ولفتت الوزيرة إلى أن هذا النقاش العمومي وفق مقاربة تشاركية حول نظام العمل وملاءمته مع الواجبات الأسرية سيشفع برفع تقرير يضم معطيات كمية واستنتاجات وأفكار حول الموضوع، إلى كل الأطراف المعنية للنظر فيه حسب المجالات.
وبخصوص تزايد ظواهر العنف داخل المجتمع التونسي أقرّت بلحاج موسى بأن ارتفاع وتيرة هذه الظواهر ليس بمعزل عن ما هو حاصل في العالم في علاقة بتفشي ثقافة الاستهلاك وآثارها على القيم الأخلاقية والمجتمعية مؤكدة في هذا الصدد سعي كل الهياكل الحكومية إلى الدفاع على المنوال الاجتماعي الصحي والمتوازن الذي يضمن الاستقرار وقيم المجتمع التونسي.
وذكرت الوزيرة بأن الوزارة تعمل على تطوير البعد الوقائي في التعاطي مع هذه الظواهر بما من شأنه حسب تقديرها أن يجنّب المجموعة الوطنية دفع التكلفة المادية والاجتماعية للتكفل بتبعات هذه الظاهرة في المجتمع مشيرة إلى أن الوزارة تمتعت هذه السنة بميزانية خصّصت لإطلاق حملة اتصالية لرفع ونشر الوعي بالقيم المجتمعية وهي حاليا بصدد نشر استشارات في الغرض.
من جانبها أكدت الدكتورة المختصة في علم النفس وتعمل على مواضيع متعلقة بالصغار وكبار السن والأسرة إيناس بن سليمة أن “العمل مهم للمرأة من أجل إثبات ذاتها ودعم شعورها بأنها ذات قيمة اجتماعية ولها استقلالية مادية وبإمكانها التفاعل مع المجتمع بصفة إيجابية وتملك حياة اجتماعية".
وأوضحت أن "العمل بنظام الحصتين أصبح عبئا على المرأة بحكم أنها مطالبة بوظيفتين (وظيفة العمل، ووظيفة والأم وربة البيت والزوجة). وقالت “بحكم تعاملي المباشر مع بعض الموظفات لاحظت أن العمل بحصتين يرهق المرأة، من الجانب الجسدي لأنها أصبحت مجبرة على النهوض باكراً من أجل ضمان توافق بين واجباتها اتجاه عائلتها وعملها مثل أن تطبخ طعامها في المساء بعد عودتها من قضاء يوم كامل مرهقة وقلقة وفي مرحلة أخرى تهتم بأولادها".
وأشارت إلى أن الأمر الذي يزعج راحة الزوج ويتهمها بقلة الاهتمام وإذا اهتمت بزوجها يتهمها أطفالها بالإهمال والتقصير وهذا من شأنه أن يؤثر على صحتها الجسدية ولا تجد الوقت للاهتمام بجمالها وأنوثتها وممارسة الرياضة.
ومع مرور الوقت، أصبحت المرأة الموظفة مطالبة بأن تكون امرأة مثالية في العمل لتثبت وجودها وفي نفس الوقت مطالبة بإتمام وظيفتها كأم من رعاية ورضاعة ومراجعة دروس لأولادها، إضافة إلى دورها كزوجة فهي مطالبة بالقيام بكل هذه الوظائف بنجاح كل يوم، كما قالت.
وتساءلت إيناس بن سليمة عن الحل الممكن اتباعه إذا كانت المرأة تطالب بحقها في العمل من أجل ضمان استقلالها الذاتي وفي الوقت نفسه تريد أن تكون زوجة صالحة وأما مثالية، واقترحت بهذا الخصوص تخصيص ساعات عمل أقل أو العمل بحصة واحدة للتفرغ بقية الوقت وتنظم وقتها بين العمل والعائلة لأنه الحل المناسب لمنح المرأة الموظفة متسعا من الوقت للاعتناء بأولادها ومنزلها وزوجها، مؤكدةً أن هذا الأمر سيمنحها طاقة ورغبة في التجديد والتغيير وإثبات ذاتها بطريقة إبداعية.
◙ النقاش حول نظام العمل سيشفع برفع تقرير يضم معطيات واستنتاجات وأفكار حول الموضوع إلى كل الأطراف المعنية
وبينت أن مجموعة من النساء والرجال أطلقوا سابقاً حملات توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي حول موضوع التوقيت الإداري الأنسب اعتماده في تونس، توجت بعريضة حملت أكثر من 10 آلاف توقيع وتضمنت العريضة تضرر الأغلبية من العمل بالتوقيت الإداري الحالي، المتمثل في ثماني ساعات عمل في اليوم وعلى امتداد حصتين، والمطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية للطفل، مشيرة إلى أنه تصدر المطالبين بهذا النظام الموظفات المتزوجات، معتبرات أن ذلك سيساعد على استقرار أسرهن وسيوفر لهن وقتاً أطول مع أولادهن ويرون إن فائدة العمل ليست في عدد الساعات بقدر ما هي في نوعية أدائه.
ويؤدي العمل بنظام الحصتين إلى زيادة الأعباء الملقاة على كاهل المرأة، والتي تضطرها لمضاعفة جهودها محاولةً الجمع بين مسؤولياتها في بيتها وفي عملها، كما قد لا تجد الوقت الكافي للاهتمام بأمورها الخاصة، وهذا يعرضها للإجهادات الجسدية والنفسية. وتواجه المرأة العاملة النظرة الدونية من قبل بعض المجتمعات، لأنها وحسب نظرة تلك المجتمعات مازالت تعتبر أن المرأة خلقت لمتعة الرجل ولخدمته ولرعاية أولاده.
كما تعاني المرأة العاملة من عدم توفر الوقت الكافي لها لرعاية أولادها في المنزل، بسبب انشغالها في عملها وصعوبة سيطرتها ومتابعتها لسلوك وتصرفات أولادها داخل المنزل وخارجه. وينعكس غياب الأم العاملة عن أطفالها بسبب ساعات العمل الطويلة، وانشغال الأب عن أسرته سلبا على الأولاد من جميع النواحي، سواءً كانت المدرسية أو التربوية أو التوجيهية، لذلك تحتاج الأم إلى أن تبذل المزيد من الاهتمام والرعاية لأطفالها، خاصة في المراحل العمرية الصغيرة.
كما ينتج غياب المرأة لساعات طويلة عن بيتها حصول توترات وصدامات بينها وبين وزوجها، إذ أن الكثير من الرجال يكونون غير راضين عن عمل زوجاتهم، لكنهم مضطرون لتقبل الوضع، بسبب الوضع المالي للأسرة. كما تؤدي ساعات العمل الطويلة إلى تدني اهتمام الزوجة العاملة بزوجها بسبب انشغالها وإرهاقها، والذي ينعكس سلبا على علاقتهما الجنسية، ويحدث شقاقاً بينهما.