تأثيرات عميقة لهجرة المهندسين التونسيين على تنمية الاقتصاد

معدل الهجرة المثير للقلق يؤثر بشدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد واستدامة نموذجها الاقتصادي.
الجمعة 2024/07/05
أخبرونا عن بيئة عملكم

حملت تحذيرات المحللين في تونس حول احتمال اتساع دائرة هجرة المهندسين بسبب عوامل كثيرة مركبة، أخبارا محبطة للمتابعين، حيث تجد السلطات نفسها على ما يبدو تائهة بين مواجهة نزيف خسارة الكفاءات والإغراءات المحفزة للعمل في الخارج.

تونس - كشفت دراسة حديثة نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في وقت سابق هذا الأسبوع عن تقييمات صادمة لهجرة المهندسين والتي يبدو أنها نتاج تراكم الأزمات وسوء الوضع في البلاد على امتداد سنوات منذ العام 2011.

وذكر معدو الدراسة بعنوان "هجرة الأدمغة من بين المهندسين في تونس: الأسباب والعواقب ومقترحات للسياسات الاقتصادية"، أن معدل الهجرة المثير للقلق يؤثر بشدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد واستدامة نموذجها الاقتصادي.

وأشاروا إلى أن هذا الأمر يتسبب أيضا في إضعاف قدرتها التنافسية الدولية ويحد من قدرتها على تحقيق انتقالها في مجالات ملحة تتعلق بالطاقة والرقمنة والبيئة.

وتشكل هجرة المهندسين من تونس تهديدا حقيقيا لنمو البلاد، حيث يغادر نحو 3 آلاف مهندس سنويا البلاد، وبلغت هذه الهجرة ذروتها سنة 2022، مع مغادرة 6500 مهندس، وفق معطيات تضمنتها دراسة صادرة عن عمادة المهندسين التونسيين.

معدل الهجرة المقلق يضعف التنافسية ويحد من تحقيق التحول الأخضر والرقمنة
◙ معدل الهجرة المقلق يضعف التنافسية ويحد من تحقيق التحول الأخضر والرقمنة

وكان تصريح لعميد المهندسين، كمال سحنون، في شهر مايو الماضي، قد أثار صدمة بشأن تنامي ظاهرة هجرة الأدمغة حينما قال إن حوالي 39 ألف مهندس من بين 90 ألفا مسجلين في العمادة قد غادروا البلاد خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020.

وتظهر الدراسة التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن تأثيرات هذه الهجرة لا تقتصر على الجيل الحالي، بل يمكنها، أيضا أن تؤثر على الفرص المستقبلية، حيث انتقال التأثيرات بين الأجيال.

وتطرق المعهد إلى هذه التأثيرات، من بينها انخفاض الخبرة والتجديد في تونس، حيث تفضي المغادرة الكثيفة للمهندسين إلى تعطل الخبرة والتجديد بالبلاد، ما يؤثر على الإنتاجية الصناعية والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية والاستثمارات في البحث والتطوير. ويترتب عن ذلك حلقة مفرغة، حيث لا يشجع نقص التجديد على الاستثمار في رأس المال البشري وفي التكنولوجيا.

ومن المتوقع اتساع الفوارق بين البلدان الصناعية والنامية، ذلك أن هجرة المهندسين تتسبب في تآكل قاعدة الكفاءات اللازمة للتدريس والبحث المحليين، وتعيق بالتالي مبادرات البحث والتطوير وتحد من قدرة البلاد على الاستجابة لتحديات محلية محددة.

ولفت المعهد إلى أنه لا يمكن، أيضا، استبعاد مخاطر الارتهان التكنولوجي على تونس، لاسيما وأن هجرة المهندسين تعيق قدرة البلاد على تطوير حلولها الخاصة لاحتياجات الطاقة والبيئة والصناعة.

كما تنعكس هجرة المهندسين، بحسب الدراسة، على قدرة البلد الذي حقق نموا في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.4 في المئة، وهو من بين الأضعف في المنطقة العربية على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتثبط عزيمة المستثمرين المحتملين وتقلل التمويل المتاح للبحث والتطوير.

وتابعت الدراسة “ويعيق فقدان المهارات الهندسية، بالتالي، التنمية الاقتصادية في القطاعات الحيوية، على غرار الطاقة والبيئة والصناعة المعملية، وهو ما يفضي إلى حالة من الارتهان التكنولوجي ويحد من قدرة البلاد على التجديد وإحداث المشاريع، ومن ثمة إعاقة القدرة التنافسية والتنويع الاقتصادي”.

وتضبط الدراسة التدخلات ذات الأولوية للإبقاء على المهندسين والتوقي من هجرة الكفاءات في تونس. وتتعلق هذه التدخلات مثلا، بتحسين ظروف العمل وتثمين المسارات المهنية والتدريب وملاءمة المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق الشغل إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتنشيط منظومة ريادة الأعمال.

ونصح خبراء المعهد بزيادة الدعم الموجه لنشاط البحث والتطوير وتعزيز الاستثمار الخاص وإرساء أنظمة ضريبية مميزة للمهندسين وسياسات جبائية تحفيزية لشركات التكنولوجيا.

وعلاوة على ذلك، القيام بتحديث أساليب الإدارة ودفع الشراكات مع المؤسسات الدولية والنهوض بإدماج المهندسين التونسيين المغتربين في المشاريع المحلية.

◙ 3 آلاف مهندس يغادرون البلاد سنويا وبلغت الذروة في 2022 مع خروج 6500 مهندس

والمهندسون الهاربون بحثا عن فرص أفضل، ليسوا وحدهم من يجعل التوظيف في تونس عموما يعاني، بل إن كوادر الرعاية الصحية، والمختصون في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يشكلون شريحة كبيرة أيضا.

وتعكس أرقام وكالة التعاون الفني، ذلك الوضع بوضوح، حيث أن نسبة التحاق هذه الفئة بالعمل في الخارج ارتفعت خلال العام الماضي، بواقع 28 في المئة، بمقارنة سنوية، لتصل إلى 4510 طلبات.

ويتفق الخبراء على أن تدني مستوى الأجور واستفحال البطالة وتعطل منظومة تشغيل خريجي الدراسات العليا والاختلال بين ما توفره الجامعات من شهادات علمية في بعض الاختصاصات وبين ما تطلبه سوق العمل من حاجيات،  تسهم جميعها في تفاقم هجرة الكفاءات.

وبحسب دراسة نشرها معهد الإحصاء في مارس الماضي، فإن متوسط الأجور في تونس يبلغ 924 دينارا (295.8 دولار)، وهذا ما يجعل البلد يحتل المركز والحادي عشر عربيا و96 عالميا في سلم الرواتب.

وبالنسبة للبطالة، فقد أنهت المعدلات العام الماضي على ارتفاع ليبلغ 16.4 في المئة، مقارنة مع 15.2 في المئة تم تسجيلها قبل عام. وتشير بيانات المرصد الوطني للهجرة في تونس إلى أن أكثر من 30 ألفا من الكوادر في المتوسط يغادرون البلاد كل عام، وهو رقم كبير في بلد يعد نحو 12 مليون نسمة.

ويستحوذ الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس على النسبة الأعلى من الطلب على الكفاءات التونسية بما في ذلك الأطباء والمهندسون وخاصة في اختصاص تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

10