الغضب السوري ورقة تربك تركيا في الداخل وعلى الحدود

مناطق المعارضة السورية تثير حنق الأتراك باحتجاجات "نكران الجميل".
الأربعاء 2024/07/03
تساوت الرؤوس

أنقرة – لم تنجح مساعي التهدئة ونزع الفتيل التي لجأت إليها السلطات التركية لوقف موجة العنف ضد اللاجئين السوريين وممتلكاتهم، وتطور الوضع إلى ما هو أسوأ من خلال احتجاجات وأعمال عنف ضد الوجود التركي في مناطق سيطرة المعارضة السورية التي يفترض أنها أكثر ولاء لأنقرة.

وليس من مصلحة السلطات التركية انفلات الوضع باستهداف السوريين على أراضيها، وبفورة احتجاجات مناوئة لها في مناطق المعارضة التي كان لأنقرة دور مهم في حمايتها من هجمات القوات السورية والروسية.

ومن شأن التوتر المفاجئ أن يربك رغبة أنقرة في التقارب مع دمشق والحوار مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد خاصة أن مساعي التقارب لا تشمل عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم. كما أن تركيا ليس من الوارد أن تتخلّى عن مناطق سيطرة المعارضة من دون أن تحقق مكاسب من ورائها في عملية التفاوض تتعلق بتأمين حدودها بضمانات واضحة من دمشق.

ومن المستبعد أن يكون التصعيد ضد السوريين مرتبطا بوجود خطة لدى أنقرة لدفعهم إلى المغادرة والتمهيد للتوافق مع الأسد، كما تفترض بعض القراءات، لأن الموضوع قديم ومتراكم منذ سنوات ويتداخل فيه السياسي بالاجتماعي والاقتصادي والأمني وليس مجرد حدث طارئ أو مفتعل.

التصعيد ضد السوريين قديم ومتراكم منذ سنوات ويتداخل فيه السياسي بالاجتماعي والاقتصادي والأمني وليس حدثا طارئا

وتعليقا على الأحداث، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الثلاثاء إن” النظام العام خط أحمر بالنسبة إلى الدولة التركية ولا تسامح مع من يتجاوز هذا الخط أو ينتهكه تحت أيّ ذريعة”. وأضاف “نعلم من كتب هذا السيناريو، لا نحن ولا شعبنا ولا إخواننا السوريون نقع في هذه المؤامرة، ولن نخضع للتطرف والعنصرية”.

وتابع “من لجأ إلينا وطلب حمايتنا لن نسمح لأيّ كان أن يتعرض له”، و”تركيا لن تتخلى عن أصدقائها وسط الطريق”. وفي رسالة لطمأنة السوريين قال “لا نطمع في أرض أحد ولا نستهدف سيادة أيّ كان، نحمي وطننا من النوايا الانفصالية فحسب”.

ولا شك أن تظاهر مسلحين تابعين للمعارضة وإطلاق الرصاص على مواقع رسمية تركية لن يمر دون ردة فعل عقابية من القوات التركية، في وقت يرى فيه مراقبون أن أنقرة ستتولى تأجيج الغضب من ردود فعل السوريين في المناطق التي تتداخل فيها السلطات بين تركيا والفصائل بسبب ما ترى أنه عدم اعتراف بجميل أنقرة وفضلها بتدريب وتأهيل وتأمين المسلحين التابعين للفصائل.

وشهدت احتجاجات الاثنين “أعمال عنف وإطلاق رصاص واعتداءات” في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل متحالفة معها في شمال سوريا، وفق المرصد، إضافة إلى “اعتداءات على العربات التركية وقطع طرقات”. وشملت التظاهرات مناطق في إدلب المجاورة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها.

وتظاهر العشرات في مدينة أعزاز في شمال سوريا، وأطلق مسلحون النار على شاحنات بضائع تركية في مدينة الباب.

وأثارت الاحتجاجات غضب وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا الذي قال “لن نتسامح وسنقاتل بحزم السوريين الذين أنزلوا العلم التركي في شمال سوريا وهاجموا الجيش التركي”.

وقال أحد النشطاء الأتراك معلقا على ما جرى في مناطق سيطرة المعارضة السورية “العلم التركي الذي أطعمهم ودعّمهم وحماهم واحتضنهم ولازال يدافع عنهم .. ممزق في مناطق سيطرتهم”.

وارتفعت حصيلة قتلى الاحتجاجات الدامية المناهضة لتركيا في شمال سوريا إلى سبعة أشخاص، كما أفاد مصدر طبي والمرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء.

oo

وساد هدوء حذر الثلاثاء بعد تظاهرات على طول الشريط الحدودي الخاضع لسيطرة تركيا وفصائل موالية لها، عبّر خلاله المئات عن غضبهم غداة أعمال عنف اندلعت إثر اتهام سوري بالتحرش بطفلة واستهدفت أعمالا تجارية وممتلكات تابعة لسوريين في مدينة قيصري التركية.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن “حصيلة القتلى بلغت سبعة، ستة منهم قتلوا في مدينة عفرين وآخر في جرابلس، قضوا في تبادل إطلاق نار مع حرس نقاط تركية” خلال الاحتجاجات الاثنين. ولم يحدّد ما إذا كان القتلى مسلحين أو لا. وأفاد المرصد كذلك عن إغلاق تركيا أربعة معابر حدودية في شمال سوريا بعد هذه الأحداث.

وأدان الرئيس التركي موجة العنف الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا. وقال “بغض النظر عن هوياتهم، فإن إضرام النيران في الشوارع وفي المنازل هو أمر غير مقبول”، مشددا على وجوب عدم استخدام خطاب الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية.

وأوقفت السلطات التركية 474 شخصاً بعد التظاهرات المناهضة للسوريين في عدة مدن، كما أعلن وزير الداخلية التركي عبر موقع إكس الثلاثاء. وتعرضت ممتلكات وسيارات مملوكة لسوريين لأعمال تخريب وإحراق في مدينة قيصري بوسط تركيا، وأججتها تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي ذكرت أن رجلا سوريا اعتدى جنسيا على طفلة. وقال يرلي قايا إن الحادث قيد التحقيق.

وقالت وكالة المخابرات التركية في بيان إن أعمال العنف امتدت إلى محافظات هاتاي وغازي عنتاب وقونية وبورصة ومنطقة إسطنبول.

وخلق التحريض السياسي على السوريين وتحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية في تركيا مناخا يتسم بالكراهية ضدهم والاستعداد لتصديق أيّ اتهامات أو إشاعات تتعلق بهم والرد عليها بالعنف حتى لو كانت غير قابلة للتصديق.

وانطلقت الهجمات على السوريين في مدينة قيصري بعد اتهام لأحد السوريين بالتحرش. وسعت الحكومة التركية لتهدئة الغضب بالقول إن الفتاة التي تم التحرش بها سورية وكأن من المسموح أن ينتهك السوريون حقوق بعضهم البعض. لكن التبرير الحكومي لم يوقف عمليات الانتقام.

opo

وتسود تركيا موجات كراهية ضد السوريين على وجه الخصوص، حيث استغلت الأحزاب الرئيسية في البلاد، بعض الحوادث الفردية لإثارة مشاعر معادية ضدهم تؤدي بدورها إلى زيادة توتر الأتراك ومجاميع اللاجئين الذين يقطنون، في الغالب، في أحياء فقيرة، ويقومون بأعمال رثة من أجل العيش.

ففي أغسطس 2021، دمرت عصابة قوميين أتراك محلات سورية في أنقرة، بزعم أن أصحابها لا يدفعون الضرائب ويعيشون على المساعدات الحكومية. وفي يناير 2022 قتلت مجموعة مقنعة لاجئا سوريا يبلغ من العمر 19 عاما في إسطنبول أثناء نومه في شقته.

وفي يونيو 2022، أطلقت القوات الأمنية التركية النار على 35 لاجئا في مدينة عصمانية، لأنهم حاولوا الهرب من ملجأ اللاجئين. وبالرغم من أن الآلاف من اللاجئين كانوا ضحية للدمار الذي نجم عن زلزال العام الماضي، وأدى إلى تشرد من بقي حيا، فإن هؤلاء المشردين تعرضوا لاعتداءات من جانب الأتراك.

وبحسب استطلاعات الرأي، فإن أغلبية تصل إلى 70 في المئة من اللاجئين السوريين يرغبون بمغادرة تركيا. إلا أنهم بين فكي الرحى، لا يجدون مكانا يؤويهم في بلادهم، كما لا يجدون سبيلا للرحيل إلى بلد آخر.

 

اقرأ أيضا:

        • إعادة العلاقات التركية - السورية بين السهل والسهل الممتنع

1