المصريات هن الأكثر مساهمة في الفكر النسوي العربي

الموسوعة مثلت مدخلا لكل مثقف يطمح إلى استكشاف مسالك الفكر العربي والتمكّن من مفاتيحه.
الثلاثاء 2024/07/02
النسوية العربية لها تأثيرها (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

عمان - يضم كتاب "الفكر النسوي ورواد التنوير" مقالات مختارة من "موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر" لمؤلفها الأكاديمي أيوب عيسى أبودية، والتي نُشرت في طبعات أربع بين عامي 2008 و2018.

ومثلت الموسوعة مدخلا لكل مثقف يطمح إلى استكشاف مسالك الفكر العربي والتمكّن من مفاتيحه. من هنا، سعى أبو دية إلى تقديم عمل يتناول الفكر العربي الحديث في الحقبة الحديثة، فقام بإعداد قائمة تضم أهم المفكرين العرب الذين تميزت أعمالهم بالأصالة والإبداع، علاوة على تركيزه بشكل خاص على الفكر النسوي ورموزه.

وتولّى الباحث رشيد عبدالرحمن النجاب اختيار مقالات من الموسوعة وقام بتصنيفها في مجموعات، على غرار: الفكر النسوي، والأدباء المفكرون والتنويريون الأوائل، والمفكرون القوميون. وتنبع أهمية هذه التصنيفات من كون الموسوعة الأصلية ضخمة، إذ تقع في ألف صفحة، فضلا عن أن أسماء المفكرين فيها وردت وفقا للترتيب الألفبائي، فتمت إعادة تجميع الأعلام وفق اتجاهاتهم الفكرية المتشابهة للتسهيل على المهتمين الوصول إليهم معا.

وتضم الموسوعة 218 علما من أعلام الفكر العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وبما أن عدد الرجال الذين شملتهم الموسوعة يمثل أضعاف عدد النساء، فإن الظروف السائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، يمكن أن تفضي إلى تفسير لهذه الظاهرة، فالمجتمعات العربية كانت بالكاد تصحو من غفوة تباطأت خلالها الحركات العلمية وشهد دور المرأة حالة أقرب إلى التجمد، وارتبط ذلك بشُحّ الفرص المتاحة لتعليم المرأة، وصعوبة المواصلات، والاستجابة لعادات وتقاليد تُعيب توجه المرأة للتعليم.

◙ "الفكر النسوي ورواد التنوير" يقدم جردا تاريخيا لأهم المفكرين والمفكرات العرب مضيئا على ملامح من أفكارهم
◙ "الفكر النسوي ورواد التنوير" يقدم جردا تاريخيا لأهم المفكرين والمفكرات العرب مضيئا على ملامح من أفكارهم

وفي سياق الحديث عن "الفكر النسوي"، يجد القارئ أن المرأة المصرية شكلت النسبة الأكبر من النساء اللواتي وردت أسماؤهن في الموسوعة. ولا يبدو هذا الأمر غريبا بالنظر لما شهدته مصر من بداية مبكرة للنهضة، بتأثير من حملة نابليون بونابرت في نهاية القرن الثامن عشر، وحكم أسرة محمد علي باستقلالها النسبي عن الحكم العثماني، ناهيك عن كون مصر البلد الأكبر من حيث عدد السكان عربيا. ويستعرض الكتاب سِيَر وجهود المفكرات المصريات: هدى الشعراوي، وملك حفني ناصف، وإنجي أفلاطون، وأميرة مطر، ونوال السعداوي. كما يتناول سيرة كلّ من زينب فواز من لبنان، وفاطمة المرنيسي من المغرب.

وتتوسط صورة المرنيسي غلاف الكتاب نظير دورها الريادي البارز في استكمال مسار التنوير الذي خاضته النساء العربيات بجرأة واقتدار، فقد اختارت المفكرة المغربية أن يكون مشروعها الفكري والنضالي منحازا للمرأة، ومدافعا عن قضاياها، دون أن تجعل من الرجل عدوا، لأنها تؤمن بقيمة الإنسان قبل كل شيء. ولم تنتقد المرنيسي وضعية المرأة في العالم العربي الإسلامي فقط، بل مضت إلى نقد وضعيتها في المجتمع الغربي، وما يجعلها من أهم التجارب النسوية.

ومن خلال الكتاب الجديد نتبين كيف راح صدى النسوية يتردد بشكل أوسع في أنحاء العالم العربي، إذ لم يكن الفكر النسوي غائبا عن أذهان المفكرين والباحثين العرب الذين تابعوا ما يجري في الغرب، لهذا ظهر في العالم العربي، منذ أوائل عصر النهضة، خطاب نسوي كجزء من المشروع الحداثي لدى الكثير من المفكرين أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين، وغيرهم، حيث تزامن انبثاق الخطاب النسوي العربي مع نظيره الغربي، كما انطلق من مبادئ الفلسفة الليبرالية داعيا إلى تغيير أوضاع النساء في العالم العربي ومساعدتهن على تطوير أنفسهن ومساواتهن مع الرجال، وفي هذا الصدد يتناول تجارب فكرية مهدت الطريق للفكر النسوي العربي والمسار التحرري الذي لا تزال تخوضه النساء العربيات.

كما يضم الكتاب تعريفا ببعض الأعلام من النهضويين مثل: رفاعة رافع الطهطاوي، وبطرس البستاني، وأحمد فارس الشدياق، وإبراهيم اليازجي، وجرجي زيدان، وشبلي الشميل، وجبران خليل جبران، وجميل صدقي الزهاوي، وسلامة موسى، وإسماعيل مظهر، وعباس محمود العقاد، وحمزة شحاتة، وطه حسين وميخائيل نعيمة.

ولا يزال سؤال الوضع الفكري الراهن في العالم العربي يطل برأسه كلما غاص العالم العربي في وحل مشكلاته التي لا تنتهي وفي أزماته التي تتمادى عاما بعد عام، ولا يزال التساؤل عن سُبل الخروج من ذلك النفق المظلم الذي يعيش فيه العرب يتجدد، من هنا تأتي أهمية كتاب "الفكر النسوي ورواد التنوير"، الصادر أخيرا عن دار الخليج للنشر والتوزيع، في التأسيس لرؤية تاريخية للفكر العربي ومن الضروري الوعي بها والبناء عليها وتجاوزها.

13