قرار أميركي يستهدف السلطة القضائية العراقية يثير غضب الإطار التنسيقي

الحكومة العراقية تستنكر تدخل السيناتور مايك والتز السافر، فيما يعتبر البرلمان اتهام فائق زيدان سابقة خطيرة.
الأحد 2024/06/30
اتهام فائق زيدان بأنه يدفع بمصالح إيران في العراق

بغداد – أثار مشروع قانون مطروح على أجندة الكونغرس الأميركي، من شأنه معاقبة مسؤولين كبار في الدولة العراقية بتهمة "الولاء" وخدمة المصالح الإيرانية في العراق، غضبا واسعا داخل الجماعات والشخصيات والأحزاب المؤتلفة ضمن الإطار التنسيقي، الذي يضم معظم القوى الشيعية، عدا مقتدى الصدر وتياره.

ويبدو أن وضع رئيس أعلى هيئة قضائية في البلاد على رأس لائحة المستهدفين من المشروع الأميركي ضاعف من منسوب الغضب الإطاري، لتجد حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مجبرة على الرد على تصريحات عضو الكونغرس الأميركي مايك والتز التي اتهم فيها رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان بأنه "يدفع بمصالح إيران في العراق ويساعد الميليشيات الموالية لها".

 وأعربت وزرارة الخارجية السبت عن رفضها لتلك التصريحات معتبرة أن ذلك "مساسا" بشخص زيدان، وتدخلا في سيادة الدولة العراقية ونظامها القضائي.

 وقالت الخارجية العراقية، في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع)، إنها "تابعت تصريحات وتوجيهات النائب في الكونغرس الأميركي مايك والتز تجاه رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي".

وأكدت رفضها "التام لما جاء في هذه التصريحات من مساس بشخص زيدان وبالحقوق الأساسية للدولة العراقية، التي يمثل فيها القضاء العراقي الضامن الأساسي للحقوق والحريات".

وشددت الوزارة على أن "تلك التصريحات تدخل سافر في الشأن الداخلي العراقي"، معتبرة أن "محاولة التأثير على السلطة القضائية هو مساس بأهم مقومات كيان الدولة، الذي يقع على عاتقه تحقيق العدالة والمساواة واستقرار البلاد"، مضيفة "نأسف لمحاولات إقحام الكونغرس في قضايا كهذه لكونها تمثل تدخلا في سيادة الدول وأنظمتها القضائية".

من جهته، حذر رئيس مجلس النواب العراقي "بالنيابة" محسن المندلاوي من "مشروع الكونغرس الأميركي بحق رئيس السلطة القضائية العراقية".

 وقال في بيان "ما تناقلته وسائل إعلام أميركية بشأن تقديم عضو الكونغرس الجمهوري مايك والتز مشروع تعديل قانون وتضمينه بندا يمس رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان هو سابقة خطيرة تضاف لسجل أعمال حكومة (الرئيس الأميركي جو) بايدن، التي ساندت وبشكل علني أبشع مذبحة جماعية اقترفتها العصابات الصهيونية بحق شعب غزة، واليوم، تلوّح بالمساس بسيادة الدول ورموزها دون مسوغ قانوني يُبيح لها ذلك".

ودعا المندلاوي وزارةَ الخارجية العراقية إلى "التحرك عبر وسائلها الدبلوماسية، وإيصال رسالة مباشرة برفض العراق، بجميع سلطاته، تدخلات كهذه مسيئة له، جاءت على لسان عضو الكونغرس الأميركي، بوصفها أدوات نفوذ لدول أخرى"، مؤكدا أن "العراق بلد ذو سيادة، وعلاقاته مع جميع البلدان مبنية على أساس الاحترام المتبادل".

وأضاف أن "مشروع القانون المزمع تقديمه للكونغرس من قبل النائب الجمهوري، وفي حال إقراره، سيشكل منعطفا خطيرا يؤثر بشكل أو بآخر في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين"، مؤكدا "دعم مجلس النواب العراق الكامل لرئيس السلطة القضائية ورفضه المطلق لأي إساءة لسلطته ولجميع السلطات، وحرص رئاسة المجلس على متابعة هذه الأفعال غير المشروعة واتخاذ كل ما يلزم لرفضها".

وكان والتز قد أعاد الخميس نشر تغريدة لتقرير موقع "واشنطن فري بيكون" الأميركي حول استعداده لتصنيف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه زيدان على أنهما "أصول تسيطر عليها إيران" من خلال خطوة تشريعية بتقديم مسودة تعديل للقانون تتضمن بندا لدعم ادعائه.

وذكر موقع "واشنطن فري بيكون" الأميركي أنه من المرجح أن يحظى هذا التعديل "بدعم من الحزبين" في المجلس، وسيكون أول تشريع يسمي قادة ومسؤولين عراقيين بالاسم باعتبار أنهم يمكنون إيران من التحكم في زمام الأمور في العراق.

وأكدت مصادر للموقع الأميركي أن نواب أميركيين يعولون على أن يكون هذا الإجراء بمثابة دعوة للاستيقاظ "للحكومة العراقية من تحول البلاد إلى دولة" تحت سيطرة إيران.

وقال والتز للموقع "إن النظام الإيراني يحتاج إلى أن يفهم أن الكونغرس الأميركي لن يسمح لآية الله (علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران) بتحويل العراق إلى دولة عميلة".

وأضاف "يجب على المتعاطفين مع إيران في العراق مثل فائق زيدان وآخرين أن ينتبهوا لذلك".

وأثار مقترح السيناتور الأميركي بمعاقبة رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي ردود فعل غاضبة وإدانات واسعة في الأوساط السياسية والمجتمعية العراقية، فيما قللت بعض القيادات العراقية من هذه المنطلقات الأميركية، ووصفتها بأنها لا قيمة لها.

فقد اعتبر ائتلاف دولة "القانون" بزعامة نوري المالكي تصريحات السيناتور الأميركي "مساسا بجميع العراقيين".

وقال النائب عن الائتلاف عارف الحمامي، في تصريح صحافي مساء السبت "المساس بالقضاء العراقي يعني المساسَ بكلِ العراقيين، وهذه سابقة خطيرة كونها استهدفت مجلس القضاء الذي نعتبره صمام أمان للدولة العراقية".

وأضاف "ندين ونستنكر هذا التجاوز الصارخ، وأن تصريحات كهذه أصبحت متكررة ويجب على القوى السياسية التعامل معها بحزم".

وبدوره، قال السياسي المقرب من قوى الإطار التنسيقي عزت الشابندر، تعليقاً على مشروع القرار الأميركي، في تدوينة عبر منصة إكس، إن الاقتراح الأخير الذي قدّمه الجمهوريون في الكونغرس (لتصنيف القادة العراقيين) بصفتهم أدوات للنفوذ الإيراني في العراق، ويضع المؤسسة القضائية في المقدمة، مستهدفاً رئيسها بالاسم؛ هو إجراء مُدان، وتدخل سافر في الشأن الداخلي العراقي.

ورجّح عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي، أن "يُسهم مشروع القانون في عزل العراق دولياً، كما أسهمت من قبل سياسات الرئيس الراحل صدام حسين".

وقال البياتي، في منشور على إكس، إن "تحرك (الكونغرس) الأميركي بتشريع قانون يفرض عقوبات على مجلس القضاء الأعلى ورئيسه خطوة خطيرة جداً، وتحتاج إلى جهود دبلوماسية سريعة، وليس تصريحات وبيانات من سياسيين بغرض المجاملة"، وتوقع "جهوداً عملية واضحة وجدية لعزل العراق دولياً".

وتابع البياتي "قبل يومين صدر تقرير صادم وخطير من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف (بشأن حقوق الإنسان في العراق)، وللأسف كان رد الفعل العراقي غير مهتم، وكأن التقرير يتحدث عن بلد آخر، وليس العراق".

وفي المقابل، عدّ رئيس حركة حقوق النائب حسين مؤنس، أن ما صدر من أحد أعضاء الكونغرس الأميركي تجاه السلطة القضائية ورئيسها فائق زيدان يؤكد أن هكذا تصريحات مدفوعة الثمن ولا قيمة لها في بلدنا الرافض لسياسات واشنطن العدوانية.

ويمثل مشروع القانون الجديد تطورا أميركيا يشترك فيه أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس تجاه هيمنة إيران واتساع نفوذها الاقتصادي والسياسي والأمني في العراق.

وتعد الولايات المتحدة الأميركية إيران مشروعا إرهابيا، وتصف نظامها باعتباره الراعي الأول للإرهاب في العالم، ويشكل تشخيص قيادات سياسية وقضائية وارتباط هذه القيادات الوثيق مع الأجهزة الإيرانية واحدا من القضايا الحساسة بين الإدارة الأميركية وحكومة بغداد الممثلة لقوى الإطار التنسيقي الشيعية.

ويرى مراقبون من شأن كل ذلك تعقيد العلاقة بين واشنطن وبغداد، وإثارة مزيد من الأزمات الجديدة والمضافة في العلاقات الثنائية، ولعل جوانب من هذه التوترات قد أزيح عنها الستار في خطاب مرشحة الإدارة الأميركية لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى بغداد تريسي آن جاكوبسون التي استبقت استلام مهامها ولوحت بالتصدي لنفوذ إيران والجماعات المرتبطة به.

وقال الكاتب والباحث السياسي يحي الكسيبي في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك "إذا ما نجح النائب مايك والتز 'الجمهوري عن ولاية فلوريدا'، عضو لجنتي القوّات المُسلحة والشؤون الخارجية بمجلس النواب، في تمرير مُقترحه لتعديل قانون المُخصصات الأجنبية، الذي من شأنه وضع مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه فائق زيدان، على قائمة الجهات التي تسيطر عليها إيران"!

وأضاف "رغم أن مشروع التعديل يخلط بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية! وربما سيتم وضع الجهتين ضمن هذه القائمة! فسنكون أمام خطوة جبّارة لتعرية ما يُسمى 'القضاء العراقي'! ووضعه تحت الأضواء التي ستجعل كل قراراته المُسيّسة وغير المهنية تحت المراقبة الصارمة! وستكون هذه الخطوة، إن نجحت خطوة تأسيس باتجاه إعادة إصلاح الدولة العراقية!!!"

وفي عام 2021، أصدر القضاء العراقي بناء على أوامر القاضي زيدان مذكرة توقيف بحق الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تتعلق بـ"مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراقي أبومهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني" في ضربة جوية في عام 2020.

ويوجد في العراق عدة جماعات مسلحة تتهم بأنها تتلقى الدعم والتوجيهات من طهران بحسب تقرير سابق لوكالة الصحافة الفرنسية.