لا إنجازات تسوقها الحكومة المصرية في الذكرى الحادية عشرة لثورة يونيو

يأتي الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين في توقيت حرج بالنسبة إلى السلطة السياسية في مصر، في ظل الأزمات الاقتصادية المتوالدة وما تثيره من غضب شعبي متنام.
القاهرة - اعتادت الحكومة المصرية توظيف ذكرى ثورة 30 يونيو كل عام لاستعراض إنجازاتها، لكن هذا العام وجد الإعلام الرسمي نفسه في ورطة وبدا عاجزا عن القيام بالمهمة في ظل تراكم الأزمات ووصول الغضب الشعبي لمستوى مرتفع، وهو ما استثمرته جماعة الإخوان المسلمين (محظورة في مصر) لتوجيه ضربة استباقية للسلطة كنوع من الثأر السياسي منها في ذكرى الثورة، غدا الأحد.
وضجت شبكات التواصل الاجتماعي في مصر بغضب عارم ضد قرار زيادة فترات انقطاع الكهرباء أمام عجز الحكومة عن إيجاد حل تام للأزمة، ما صعّب من مهمة الإعلام في التسويق للإنجازات التي اعتاد عليها في تلك المناسبة لإعادة التفاؤل بين المواطنين كجزء من تثبيت الاستقرار.
واعتادت المنابر الرسمية التي تتبع الحكومة أن تستثمر ذكرى ثورة يونيو 2013 لتبييض صورة النظام سياسيا واقتصاديا من خلال تذكير الشارع بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي أنقذ البلاد من مستقبل غامض، ونجح في انتشالها من أزماتها، وأنه بصدد صناعة نهضة تنموية. ومن سوء حظ السلطة هذا العام أن الذكرى تزامنت مع أزمة اقتصادية طاحنة لن تفلح الحكومة في إيجاد الأدوات اللازمة لتخفيف حدتها.
وانسحب إعلاميون معروف عنهم الولاء للسلطة السياسية من دعم الحكومة وربما أظهروا انقلابا عليها، حيث وجه عدد منهم انتقادات إلى أدائها العام، بينهم عمرو أديب ولميس الحديدي وأحمد موسى وإبراهيم عيسى، حيث اصطفوا خلف الشارع في غضبه من السياسات الاقتصادية والأزمات المتراكمة، واستخدموا لغة لم يعتدها الناس منهم، ما ضاعف المنغصات السياسية للحكومة من أصوات كانت داعمة لها.
وتعتقد دوائر مراقبة أن الحكومة التي على وشك إعادة تشكيلها وإجراء تغييرات في عدد من حقائبها، خسرت عندما راهنت على صمت الشارع طويلا، وسط اعتقاد منها أنه سيظل حريصا على الاستقرار مهما زادت الصعوبات عليه، ما جعلها تعاني في توقيت حرج، داومت فيه على استثمار ذكرى ثورية لاستدعاء التحالف السياسي والشعبي المناهض لتنظيم الإخوان، لكن لم تستطع تكرار ذلك أخيرا مع تهاوي صورتها في ظل تذمر الرأي العام.
وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس (شرق القاهرة) إن الحكومة افتقدت الكثير من الحنكة في تعاملها مع متطلبات الشارع في الوقت الراهن، وكان عليها ألا تقدم لخصوم السلطة هدايا مجانية، خاصة تنظيم الإخوان الذي يستهويه النفخ في كل أزمة، ما يفرض على العقلاء في الدولة التدخل لاستعادة الأمل.
وأضاف زهران في تصريحات لـ”العرب” أن اتساع الغضب ليس في صالح أي طرف وطني، والحديث عن إنجازات الآن يحمل استفزازا للرأي العام، والمفترض البحث عن حلول جذرية للأزمات قبل الخروج على الناس وتسليط الضوء على ما تحقق من تقدم في بعض الجوانب، فالشارع ينتظر إجراءات تعيد له الأمل في المستقبل ولا تأخذه إلى الماضي.
وأظهر غضب شعبي على شبكات التواصل حول أزمة انقطاع الكهرباء أن لدى شريحة من المصريين إحباطا لا يفرق بين أنصار النظام ومعارضيه، بسبب الشعور بضيق الأفق لحل الأزمة الاقتصادية التي قادت إلى السوء في مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار والتضخم والفقر، وتآكل شريحة عوّل عليها النظام لمواجهة خصومه.
ومع استمرار التململ الشعبي أصبح الحديث عن الإنجازات التنموية والمشروعات الضخمة دعاية من الصعوبة تصديقها، لأن الناس لا يشعرون بمردودها مباشرة، بينما تواصل الحكومة استفزاز المواطنين بإجراءات اقتصادية، وهو ما تستثمره جماعة الإخوان لإنهاك النظام المصري معنويا.
ويرى مراقبون أن الخطر على الاستقرار يرتبط بوجود نغمة شعبية يرددها البعض بأن الظروف الراهنة مشابهة لما كانت عليه في ظل أنظمة سابقة، عندما كانت المهرباء تنقطع، والبلاد تعاني من أزمة في العملات الصعبة، وارتفاع كبير في الأسعار، واختفاء بعض السلع، وهو شعور يتطلب طمأنة الناس بصورة حقيقية.
وتجيد جماعة الإخوان وأنصارها على شبكات التواصل تكريس الشعور السلبي عند المواطنين من خلال تذكيرهم بالأسباب التي قادت الشعب للثورة على الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي عام 2013، وأنها تتكرر الآن، في محاولة جديدة لتأليب المواطنين على السلطة السياسية وتحريضهم على الخروج في تظاهرات.
وتكمن المعضلة في أن الإعلام المصري وهو يجاهد لاستدعاء تحالف ثورة 30 يونيو وترميم قوامه الأساسي للوقوف خلف السلطة يصطدم بعدم اكتراث فئة كبيرة من المصريين بخطاب قد يلمس وجدانهم ووحدتهم ووطنيتهم لكن لا يلمس عقلهم، ويمكن أن تقود التطورات في هذا المسار إلى عدم الحديث عن حل ناجع للأزمات المزمنة.
ويؤخذ على الحكومة أنها لم تتدخل لتصويب مسار الإعلام كوسيط بينها وبين الشارع في ذروة الغضب الشعبي، وتركته يروج لحملات غير عملية، وتجاهل ما تواجهه البلاد من أزمات اقتصادية أحيانا، ما أضعف المردود الإيجابي للخطاب الرسمي.
مع استمرار التململ الشعبي أصبح الحديث عن الإنجازات التنموية والمشروعات الضخمة دعاية من الصعوبة تصديقها
ويمكن للحكومة أن تحقق مكاسب سياسية لو سمحت للإعلام بنقل نبض الشارع بدلا من ترك الساحة لشبكات التواصل ومنابر الإخوان للاصطياد في الماء العكر.
ولم تتعلم بعض المؤسسات الرسمية من دروس الماضي عندما تجاهلت غضب الشارع وعوّلت على نغمة الإنجازات وتوظيفها سياسيا بلا إدراك للمخاطر على مستوى استفزاز الناس بإجراءات تعسفية أو مسكنات، جلبت نتائج سلبية للحكومة.
وتعتقد أصوات معارضة أن الترويج للإنجازات بذكرى مرتبطة بحدث شعبي ملهم، يتناقض مع إحساس الناس بأوضاع معيشية صعبة، بالتالي فالعائد السياسي بات ضئيلا، لأن المواطنين لهم مقياس خاص يختلف عن الإعلام، ولا يعنيهم حجم المشروعات بقدر ما تعنيهم نتائجها على حياتهم اليومية.
ويعلم الكثير من المصريين أن الرئيس السيسي شيد مشروعات تنموية في مجالات مختلفة، لكن المشكلة في بعض الدوائر، على رأسها حكومة تصر على الدخول في خصومة، وربما قطيعة مع الشارع، فهي لا تستمع إلا إلى صوتها.
وبعيدا عن المردود السياسي لما يتم التسويق له من إنجازات في ذكرى ثورة 30 يونيو، يصعب الرهان كثيرا على إيجابيات الماضي، فقد يتم استثمار التعثر، ضد السلطة من قبل خصوم يجيدون توظيف ذلك على أنه مؤشر على الضعف وقلة الحيلة، مع أن النظام المصري يبدو أقوى من الصورة المهتزة التي يصدرها الإعلام الرسمي.