عشائر الأردن تستنفر قواها للدفاع عن حظوظها في انتخابات نيابية استثنائية

تشكل الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في الأردن في سبتمبر المقبل تحديا كبيرا بالنسبة إلى العشائر على ضوء تعديلات قلصت من حصة هذا المكون داخل البرلمان. ويقول مراقبون إن الاستحقاق المقبل يمثل اختبارا للعشائر للتأكيد على أنها رقم مهم في المعادلة الأردنية يصعب تجاوزه أو كسره.
عمان - تحركت الماكنة العشائرية في الأردن مبكرا من أجل هندسة قوائمها الانتخابية، استعدادا لاستحقاق نيابي مصيري لا يخلو من تحديات، بعد التحديثات التي أدخلت على المنظومة السياسية في المملكة، والتي قلصت من قدرة العشائر على احتكار السيطرة على مجلس النواب.
وعلى خلاف الأحزاب التي اعتمدت على آلية اللجان لحسم أسماء ممثليها، فقد توجهت العديد من العشائر الأردنية إلى إجراء انتخابات داخلية من أجل اختيار ممثليها في الانتخابات المقررة في العاشر من سبتمبر المقبل.
وتسعى عشائر الأردن إلى الحفاظ على الحد الأدنى من تأثيرها في المنظومة السياسية داخل المملكة في ظل استشعارها بأن هناك عملا ممنهجا لتحجيمها وهو ما ترجم في التعديلات السياسية التي أجريت خلال العامين الماضيين.
وتعد الانتخابات الداخلية دخيلة نسبيا على الممارسة السياسية في الأردن، وقد برز هذا التوجه خلال العقد الأخير، حيث كان في السابق يجري تشاور بين شيوخ العشائر للتوافق على ممثليهم في الانتخابات. ويعتقد مراقبون أن اعتماد العشائر الأردنية لهذه الآلية يأتي تأثرا بدول خليجية محيطة.
ويلاحظ أن السلطات الأردنية لم تتعمد التدخل في الانتخابات الداخلية للعشائر، وفسحت المجال لها لعقد مثل تلك الاستحقاقات، على عكس دول في المنطقة على غرار الكويت بدأت تحارب هذه الظاهرة، لما تتضمنه من تشوهات تضر بالعملية الديمقراطية.
ويعتقد المراقبون أن الدوائر العليا في المملكة لا تريد المزيد من التوترات مع العشائر خصوصا في ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها المملكة جراء التطورات الإقليمية المرتبطة بحرب غزة، وهي تفضل أن يكون هناك نوع من التوازن بين العشائر والقوى السياسية في البرلمان المقبل.
عشائر الأردن تسعى إلى الحفاظ على الحد الأدنى من تأثيرها في ظل استشعارها بأن هناك عملا ممنهجا لتحجيمها
وتسعى العشائر الأردنية من خلال عقد انتخابات داخلية لضمان فرص فوز أوفر لممثليها، وعدم تشتت الأصوات، بما يسمح لها بالحفاظ على تأثير قوي داخل قبة البرلمان المقبل، في ظل التعديلات التي طالت قانوني الانتخابات والأحزاب، والتي منحت الأخيرة فرصة الفوز بـ41 مقعدا في المجلس، إلى جانب ما يمكن أن تحققه عبر الدفع بمستقلين للمشاركة في الاستحقاق.
ويرى متابعون للشأن الأردني أن العشائر باتت تخشى فعليا من خسارة امتياز هيمنتها على البرلمان، وهو ما دفعها إلى الاستنفار والتحرك في عدد من المحافظات من أجل بناء تكتل انتخابي يضمن تحقيق فوز ممثليها.
ولم تخل الانتخابات الداخلية للعشائر في بعض المدن والبلدات من تجاوزات حيث سجل بعضها مخالفات عدة من رشاوى ومحاولة لفرض مرشحين بعينهم بالقوة.
وكانت انتخابات داخلية في مدينة جرش شمالي الأردن انتهت بمشاجرة وتكسير لمحتويات صناديق الاقتراع مما استدعى تدخل قوات الأمن.
وبحسب صفحة “أبناء جرش” على موقع فيسبوك فإن الاجتماع تحول إلى شجار وعنف بعدما فاز بالعد الأولي في الصندوق أحد المرشحين من النواب الحاليين، وهو ما اعتبره آخرون تجاوزا لما اتفق عليه سابقا بخصوص تنويع الفرص داخل العشيرة الواحدة.
وبالنظر إلى الثقل العشائري داخل المملكة فإن العديد من الأحزاب تسعى بدورها لاستقطاب شخصيات عشائرية وازنة في العديد من المناطق والمحافظات.
وكشفت مصادر مقربة من حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في وقت سابق أن الأخير أعد قائمة بأسماء عشائرية معروفة، لخوض الاستحقاق النيابي ضمن قائماته.
حزب جبهة العمل الإسلامي أعد قائمة بأسماء عشائرية معروفة، لخوض الاستحقاق النيابي ضمن قائماته
وذكرت تقارير إخبارية أن من بين هؤلاء شيخ عشيرة بارز كان له موقف مناصر لجماعة الإخوان وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر الماضي، وناشطون شباب ينتمون إلى عشائر بارزة، وتقول المصادر إن الجماعة تعمل على استقطاب العشائر الغاضبة من إقصائها ومن السياسات الاقتصادية للحكومة.
وفي غمرة الاستعدادات العشائرية لخوض الانتخابات التشريعية، قررت عشائر أخرى في جنوب المملكة مقاطعة الاستحقاق، في سابقة هي الأولى من نوعها، وهي رد فعل من تلك العشائر على ما تعتبره تهميشا ممنهجا لها، من قبل الحكومة.
وأصدر مجلس إحدى العشائر في مدينة الطفيلة بيانا الشهر الماضي أعلن فيه أن العشيرة قررت مقاطعة الانتخابات المقبلة، واقترحت تأجيلها إلى أن يتغير نهج مؤسسات وأجهزة الدولة في إدارة الانتخابات والتمثيل لأبناء العشائر الأردنية.
وقالت عشيرة العوران إن قرارها يندرج في سياق الاحتجاج على النهج الذي اتبعته الحكومة في إقصاء أبناء العشيرة وتعرضهم للظلم من مختلف المناصب والمواقع في أجهزة الدولة.
وتحدث البيان عن نهج مؤسسي يستهدف إبعاد ممثلي العشيرة ورموزها والقادرين من أبنائها عن مختلف الدوائر والوظائف في أجهزة الدولة.
ووجه البيان اتهامات مباشرة للحكام الإداريين ولمدراء أجهزة الأمن. وأشار بيان عشيرة العوران إلى ما حصل في الانتخابات البلدية الاخيرة. وعبّر البيان عن الخوف من العبث في الانتخابات النيابية المقبلة في الاتجاه المعاكس لمقتضيات العدالة والإنصاف التي ينبغي أن تسود بين جميع أبناء المناطق.
ويقول مراقبون إن بيان عشيرة العوران والذي تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، يحمل غضبا متصاعدا على نهج الدولة، محذرين من أن الخطوة قد تؤسس لمقاطعة مستقبلية أوسع للاستحقاقات الانتخابية من قبل العشائر التي تشتكي من التهميش لاسيما في جنوب البلاد.
وتمثل العشائر ركيزة أساسية في النظام السياسي والاجتماعي في الأردن، وقد لعبت دورا أساسيا ومؤثرا في مختلف المحطات التي مرت بها المملكة، وكانت درعا رئيسية لحماية النظام السياسي الأردني، لكن العلاقة شهدت نوعا من الفتور في السنوات الأخيرة وتعمقت مع تفجر قضية التآمر على أمن الدولة في العام 2021، والذي كان أحد المتهمين فيها الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني.