طغيان المواقف الشكلية على حوار مصري - يمني في لحظة معقّدة للطرفين

القاهرة- اتّخذت مباحثات مصرية – يمنية جرت تحت يافطة “الحوار الإستراتيجي” منحى شكليا خلا من الجوانب العملية وطغت عليه إعادة إطلاق المواقف المعروفة سلفا من قبيل دعم القاهرة للسلطات الشرعية اليمنية والتأكيد على أهمية استقرار اليمن والتعبير عن القلق ممّا يجري من تصعيد في البحر الأحمر.
واختارت السلطات المصرية والسلطة اليمنية المعترف بها دوليا لحظة بالغة التعقيد لكليهما، لاستئناف الحوار الإستراتيجي المصري – اليمني المتوقف عمليا منذ أربعة عشر عاما، الأمر الذي يفسّر ضحالة نتائج الجولة التي احتضنتها العاصمة المصرية القاهرة، إن لم يكن انعدامها.
وتمرّ الشرعية اليمنية بمرحلة أزمة حادّة تكاد تعصف بدورها لولا الدعم السعودي الكبير لها. فعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي تواجه حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك أزمة مالية طاحنة أثّرت على قدرتها على إدارة شؤون المناطق الخاضعة لسلطتها وتوفير الضروريات لسكانها من مواد أساسية وخدمات عمومية، وعسكريا باتت جهود الشرعية لاستعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في حكم المتوقّفة عمليا في ظل تراجع الخيار العسكري وبروز خيار السلام كحل للأزمة اليمنية، أما سياسيا فتعاني الشرعية للحفاظ على وحدتها الداخلية وتماسكها في ظل تململ أحد أبرز أطرافها المجلس الانتقالي الجنوبي الممتعض من طريقة إدارة الحكومة للمناطق المحسوبة ضمن دائرة نفوذه، والقلق أيضا على مصير مشروعه الأصلي المتمثّل في استعادة دولة الجنوب المستقلّة.
أما على الجانب المصري فتبدو القاهرة غير قادرة على التأثير على مسار الأحداث الجارية في البحر الأحمر رغم آثارها السلبية المباشرة على أمنها واقتصادها، ولا تمتلك سوى انتظار ما سيؤول إليه تصعيد الحوثيين ضد السفن التجارية، والمواجهة المحدودة التي تخوضها ضدّهم الولايات المتحدة وبريطانيا.
وعلى هذه الخلفية لم يتعّد ما صدر عن جولة “الحوار الإستراتيجي” مع اليمن مجرّد التعبير عن القلق من تلك الأحداث.
وانعقدت جولة الحوار الإستراتيجي بين مصر واليمن على مستوى وزيري الخارجية سامح شكري وشائع الزنداني.
ومثلت هذه الجولة الدورة الثامنة للحوار الإستراتيجي بين البلدين والذي انطلق لأول مرة عام 1998 وجاءت بعد أربعة عشر عاما من انعقاد الدورة السابعة في العام 2010.
وبحسب بيان الخارجية المصرية “بدأت جلسة الحوار الإستراتيجي بين مصر واليمن على المستوى الوزاري، بلقاء ثنائى بين الوزيرين وأعقبته جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين”.
◄ القاهرة غير قادرة على التأثير في مسار الأحداث الجارية في البحر الأحمر رغم آثارها السلبية المباشرة على أمنها واقتصادها
وخلال المباحثات، أكد شكري “تأييد بلاده لكافة الجهود الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية”، مشددا على “دعم مصر الراسخ لوحدة الدولة اليمنية واستقلالها وسلامة أراضيها”.
ويشهد اليمن، منذ نحو عامين تهدئة للحرب التي بدأت قبل نحو عشر سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات الحوثيين المسيطرين على محافظات ومدن بينها صنعاء منذ سبتمبر 2014.
وعلى الرغم من العلاقات المتينة التي ربطت القاهرة بالرياض خلال السنوات الأخيرة والتي حصلت مصر بموجبها على دعم سعودي في فترة ما بعد سقوط حكم جماعة الإخوان، فقد تميّز الموفق المصري بقدر من البرود إزاء القضية اليمنية واختارت القاهرة الحياد ما جعلها لاحقا غير قادرة على التأثير في مسار الأحداث في اليمن.
وأعرب شكري عن “حرص مصر على تعزيز التعاون مع الحكومة اليمنية في جهودها لتطوير البنية التحتية وإعادة تأهيل الكوادر البشرية وانفتاحها على الانخراط في مشروعات التنمية وجهود إعادة الإعمار باليمن”.
وعرض الوزير لـ“الجهود المصرية لتقديم أوجه الدعم المختلفة للشعب اليمني، واستضافة أعداد كبيرة من مواطني اليمن”، دون ذكر عددهم.
وبشأن القضايا الإقليمية عكست المباحثات، وفق بيان الخارجية، “القلق البالغ لدى الطرفين من المخاطر المتزايدة للتوترات الجارية في البحر الأحمر، وتبعاتها على أمن الملاحة والتجارة في قناة السويس”.
وأعاد شكري التأكيد على موقف مصر الرافض لسيطرة إسرائيل عسكريا على الجانب الفلسطيني من معبر رفح منذ السابع من مايو الماضي، ما أدى إلى توقف تدفق المساعدات الإنسانية.
وحذّر الوزير من “تداعيات التصعيد المستمر بما ينذر بتزايد مخاطر توسيع رقعة الصراع، الأمر الذي ستكون له تداعيات شديدة السلبية على أمن واستقرار المنطقة”.
من جانبه رحب وزير الخارجية اليمني بـ”ما تم التوصل إليه من نتائج خلال جولة الحوار الإستراتيجي بين الدولتين على مستوى كبار المسؤولين”.
وشهد الاجتماع “استعراض نتائج تلك الاجتماعات بما شملته من موضوعات العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، خاصة موضوع أمن البحر الأحمر وتعزيز آليات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وتبادل الخبرات في مجال تدريب الكوادر الدبلوماسية اليمنية”، وفق البيان المصري ذاته.
كما تم التباحث بشأن إعادة تفعيل اللجنة المشتركة العليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين، وكذا تعزيز آليات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
وأكد الوزيران على عمق وخصوصية العلاقات المصرية – اليمنية عبر التاريخ، وحرص البلدين على تعزيز آليات التعاون والتضامن والتنسيق بما يحقق مصالحهما المشتركة ودعم استقرار الدول العربية والمنطقة.