أزمة الغاز في مصر تشوّه صورة الحكومة الجديدة قبل تشكيلها

الحكومة تسعى لتحسين الأوضاع بما يحقق الهدوء الداخلي ويخفف الانتقادات الموجهة لها.
الجمعة 2024/06/28
هذا ما كان ينقص المصريين

القاهرة - تحركت الحكومة المصرية التي تقوم بمهمة تسيير الأعمال حاليا لإيجاد حلول سريعة لأزمة تراجع إمدادات الغاز الطبيعي، وأعلنت مصانع أوقفت أعمالها عن إعادة تشغيلها، ما أوحى بتعامل رئيس الحكومة سياسيا مع التأثيرات السلبية لأزمة الغاز قبل إعادة تشكيلها، وسط انتقادات حادة بسبب انقطاع الكهرباء.

وقالت شركة سيدي كرير للبتروكيماويات المصرية، الخميس، إنها أعادت تشغيل مصانعها بعد عودة إمدادات الغاز الطبيعي إلى الشركة، مع توقعات أن يعود العمل بانتظام إلى شركات الأسمدة والإسمنت التي أعلنت الأيام الماضية توقفها عن العمل.

وجرت الأربعاء ترسية عطاء مصري لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم خلال الصيف بعلاوة 1.6 – 1.9 دولار عن السعر القياسي لمنصة تجارة الغاز الهولندية، وتخطط القاهرة لشراء ما بين 15 إلى 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة خلال فصل الصيف.

وهدف التحرك سريعا إلى التأكيد على أن الحكومة تمتلك قدرة للتعامل مع الأزمة التي ترتبط بارتفاع درجات الحرارة ومشكلات تحيط بحقول الغاز، وأنها لن تترك الأمر وارتداداته العميقة على اقتصاد يعاني من مشكلات جمة، وتسعى لتحسين الأوضاع بما يحقق الهدوء الداخلي ويخفف الانتقادات الموجهة للحكومة.

أمينة النقاش: جزء من الأزمة الاقتصادية في علاقة بمضايقات تتعرض لها القاهرة
أمينة النقاش: جزء من الأزمة الاقتصادية في علاقة بمضايقات تتعرض لها القاهرة

وترتبط السرعة بأهداف سياسية لها علاقة بتشكيل الحكومة الجديدة، فبقاء رئيسها الحالي مصطفى مدبولي وضعها أمام انطباعات سلبية مسبقة، كما أن زيادة وتيرة الأزمات التي لها علاقة بالأوضاع المعيشية وانتقال تأثيرها إلى مؤسسات صناعية في وقت تتحدث فيه الحكومة عن دعم الإنتاج المحلي ما يشوه صورة الحكومة المزمع تشكيلها قبل أن يتم الإفصاح عنها.

ووجهت وسائل إعلام محلية انتقادات لافتة، ووصلت إلى أن طالب الكاتب محمد أمين في مقاله المنشور الخميس بصحيفة “المصري اليوم” (خاصة) بعنوان “حكومة مصر الآن” بإعادة النظر في تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة والبحث عن آخر.

ويرى متابعون أن تحميل الحكومة الجديدة أزمات نظيرتها القديمة ليس في محله وأن التأخير في الإعلان عنها يشي بوجود رغبة في تدقيق اختيار الوجوه ولا ينفصل عن إمكانية البحث في تغيير السياسات، وتصويب الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة المستقيلة، ما يضمن عدم تكرار الأخطاء.

كما أن مواجهة مدبولي للمواطنين بطبيعة الأزمة وإعلانه قبل أيام عن خطة للتعامل معها هو تطور في الأداء الحكومي لمصارحة المواطنين بمشكلات البلاد.

وقالت المحللة السياسية أمينة النقاش إن الواقع يشير إلى تعرض مصر لأزمات اقتصادية طاحنة، نجم بعضها عن تطورات خارجية، والبعض الآخر بسبب مشكلات داخلية تتعلق بسوء التعامل الرسمي مع الملف الاقتصادي، ما يجعل الحكومة المستقيلة جزءا من أسباب الوضع القائم، لكنها لا تتحمل المسؤولية كاملة.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الرأي العام في مصر تخفى عليه الضغوط السياسية القوية التي يتعرض لها النظام المصري من أجل القبول بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، حيث رفعت القاهرة شعارات أسهمت في تغيير الموقف الدولي تجاه ما يدور في قطاع غزة بعد أن رفضت تصفية القضية الفلسطينية وعدم التهجير القسري وضغطت باتجاه ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وأن جزءا من الأزمة الاقتصادية نتج عن مضايقات تتعرض لها القاهرة بشكل مباشر أو غير مباشر في ظل حصار حركة الملاحة في البحر الأحمر والتصعيد المنتظر في شرق البحر المتوسط.

إيهاب الخراط: الحكومة الجديدة قد تجد نفسها أمام صعوبات لإعادة الثقة
إيهاب الخراط: الحكومة الجديدة قد تجد نفسها أمام صعوبات لإعادة الثقة

وشددت النقاش على ضرورة التفرقة بين الانتقادات التي تواجهها الحكومة لتصويب المسار الحالي وبين أخرى تقودها جماعة الإخوان من خلال منصاتها وأذرعها على المنصات الرقمية التي ترمي لهدم الدولة المصرية، ما جعل المسؤولية كبيرة على من يتخذون قرار تشكيل الحكومة الجديدة التي ستكون في حاجة إلى تغيير جذري في المنهج.

وهناك اتفاق بين دوائر سياسية في مصر على الخطوات التي بمقتضاها يمكن التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية، في مقدمتها تغيير السياسات الاقتصادية وليس الأشخاص فقط، والتوجه نحو التنمية الإنتاجية وليس الاستهلاكية، والتوقف عن القروض من المؤسسات المالية الدولية.

ولدى البعض من هذه الدوائر قناعة بأن تغيير السياسات سيحدث لا محالة لأن تكرار الأخطاء يؤدي إلى تكرار المشكلات، ولا توجد رفاهية سياسية تسمح بالوقوع في الأخطاء مرة أخرى مع رغبة الحكومة الجديدة في كسب ثقة الرأي العام المصري.

وأشار نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط إلى أن ضعف تعامل الحكومة المستقيلة مع المشكلات المعيشية خلال السنوات الماضية جعل بعض المواطنين لا يكترثون بالتغيير الوزاري أو طبيعته، لإدراكهم أنه لن يحمل جديداً على مستوى السياسات وتطويرها في السنوات الماضية، مع الاتجاه نحو إقامة مشروعات رآها مواطنون ليست ذات جدوى حاليا، وتم تنفيذها بطريقة بها استعجال.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن تعطل المصانع ذات الطبيعة الحيوية مع وجود ضغوط كبيرة على المواطنين جراء الأزمات الحياتية وزيادة أوقات انقطاع الكهرباء واتجاه الحكومة لتخفيض الدعم عن السلع الرئيسية، أوجد احتقانا في حاجة إلى التعامل معه سياسيا وإقناع الرأي العام بوجود تغيير في خطط الحكومة الجديدة.

ولفت إلى أن استمرار الوضع الراهن جعل هناك أخطارا كبيرة على الاقتصاد وقد تجد الحكومة الجديدة نفسها أمام صعوبات لإعادة الثقة بقدرتها لتجاوز الأزمات.

وألقت أزمة الغاز وتداعياتها بظلال قاتمة على أكبر ثلاث شركات أسمدة في مصر وهي أبوقير وموبكو وكيما التي أعلنت خلال الأيام الماضية وقف جميع مصانعها عن العمل إلى حين تحسن إمدادات الغاز الطبيعي، والتي تساعد في توليد الكهرباء، مع ارتفاع الطلب على الطاقة في ظل العدد المتنامي للسكان الذي يقترب من 110 ملايين نسمة والتنمية العمرانية، فضلا عن زيادة الاستهلاك خلال الصيف.

وقررت الحكومة المصرية مؤخرا تمديد انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد لمدة ساعة إضافية للسماح بإجراء صيانة وقائية لشبكات الغاز والكهرباء الإقليمية وبسبب زيادة الاستهلاك الناجم عن موجة الحر لتصل إلى ثلاث ساعات يومياً، ثم عقد مصطفى مدبولي مؤتمرا صحفيا أكد فيه انتهاء فترة تخفيف الأحمال في قطاع الكهرباء في البلاد نهائيا في الأسبوع الثالث من يوليو المقبل.

2