زي مذيعة يفجر أزمة في التلفزيون السوداني

فجرت حادثة اقتحام التلفزيون السوداني الرسمي بسبب اعتراض مديره على زي مذيعة يعكس هويتها المحلية، أزمة الهوية والتهميش التي تعاني منها مجموعات سكانية كبيرة في السودان ذي الطبيعة متعددة الأعراق. واعتبر صحافيون أن أزمة التلفزيون في بورتسودان هي صورة مصغرة لأزمة البناء الوطني في البلاد.
بورتسودان (السودان) - يزداد تفاعل الناشطين السودانيين مع حادثة اقتحام عدد من الأشخاص للتلفزيون الرسمي في مدينة بورتسودان (العاصمة المؤقتة) وإيقاف بثه، بسبب زي مذيعة يعكس هوية إحدى المكونات في البلاد كان اعترض عليه مدير التلفزيون ما أثار غضبا واسعا.
وسلطت الحادثة الضوء على التوترات الثقافية والهوياتية في السودان، حيث طالب المحتجون بإقالة مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إبراهيم البزعي، على خلفية ما وصفوه بـ”التقليل من شأن أحد المكونات الإثنية في شرق البلاد”، بسبب ما أُشيع عن اعتراض البزعي على ظهور مقدمة برامج بزي شعبي “بجاوي” علىالشاشة.
وردد المحتجون من داخل استديوهات التلفزيون هتافات تمجد قبيلتهم وقالوا “بجا حديد… بجا دولة”، وطالبوا بإقالة مدير الإذاعة والتلفزيون فورا، وتعيين المذيعة بديلا له. إلا أنهم عادوا لاحقا وأخلوا المقر بعد اقتحامه، استجابة لطلب والي البحر الأحمر، متعهدا بالتحقيق السريع في الحادثة.
وجاءت الحادثة على خلفية كتابة مقدمة البرامج زينب إيرا على صفحتها الشخصية في فيسبوك منشورا بعنوان “هويتي ليست عيبًا”، ساردة ما جرى بينها وبين مدير التلفزيون.
وقالت إيرا “أثناء تواجدي في استوديوهات تلفزيون السودان، الذي يفترض أن يعبر عن كافة أطياف المجتمع بتعددنا المميز، دار بيني وبين السيد البزعي مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حديثٌ، أعرب فيه عن غضبه من ارتدائي للزي (البجاوي) في القناة، وتحدث بأسلوب أدهشني وهدّد (بطردي) فقط لهويتي. دار الحديث بحضور بعض الزملاء الذين حاولوا احتواء الموقف وتجميل كلامه بأنه (لا يقصد)، ولكنه أصرّ على ذلك. وكان ردي بأن هذا الزي هو هويتي ولن أتنازل عنه. لم أكن أتوقّع أن أسمع حديثًا من شخص يشغل منصبًا حساسًا كإدارة الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون”.
كما أضافت كاتبة في تعليقها “أنا فخورة بالكربة والسديري، بالتوب والجلابية والعمّة، وأفتخر بكل زي سوداني يعبر عن السودانيين كلهم بتنوعنا الغني. أعتقد أن ما تمر به البلاد بحاجة لتكاتفنا كسودانيين ونبذ أي فكرة تهدد وحدة بلادنا”.
وانتشر منشور زينب كالنار في الهشيم، ليثير ردود فعل واسعة النطاق، وشن رواد منصات التواصل الاجتماعي هجوما عنيفاً على قرار مدير التلفزيون بحجة أنه يرأس جهازا قوميا يجب أن يراعي ويعكس التعدد الثقافي والإثني في البلاد. وجاء في تعليق:
وعلق آخر:
وعبرت ناشطة:
@karmen_saeed
بورتسودان: قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان مؤتمر البجا تعلن استلامها مقر إذاعة وتلفزيون السودان التابعة لفلول النظام البائد والحركة الإسلامية الإرهابية، بسبب التمييز الثقافي الذي تعرضت بت الشرق الاستاذه المذيعة زينب أيرا.
وقال مدون:
وجاء في تعليق:
في المقابل، سارعت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلى إصدار بيان توضيحي، في محاولة للتعامل مع الأزمة المتصاعدة، ونفت اتهامات المذيعة بإساءة مديرها العام إليها بسبب زيِّها. كما أشارت إلى أن الحديث جرى قبل أربعة أشهر ولم يتضمن أي إساءة لأي مكون قبلي، معبرة عن استغرابها من إعادة إثارة الأمر الآن.
وذكرت أن الملاحظات كانت تتعلّق بالتحية باللغة البجاوية في الأخبار، ولم تكن تتضمن أي إساءة لأي مكون قبلي، مؤكدة احترامها لجميع المكونات القبلية في شرق السودان. فيما أمهل المجلس الأعلى لنظارات البجا، وزير الإعلام 24 ساعة لإقالة مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من منصبه.
ثم غادر المحتجون لاحقا المبنى بعد طلب والي البحر الأحمر إمهاله ريثما يشكل وزير الثقافة والإعلام الاتحادي، لجنة تحقيق حول الواقعة المذكورة.
يذكر أن الاستوديوهات الرئيسية للتلفزيون الرسمي بالسودان، انتقلت إلى مدينة بورتسودان (العاصمة المؤقتة) بعد اندلاع الحرب في السودان وسيطرة قوات الدعم السريع على المقر الرئيسي بمدينة أم درمان إحدى المدن الثلاث المكوِّنة للعاصمة السودانية الخرطوم.
وفجرت الحادثة أزمة الهوية والتهميش التي تعاني منها مجموعات سكانية كبيرة في السودان ذي الطبيعة متعددة الأعراق. واعتبر صحافيون أن أزمة التلفزيون في بورتسودان هي صورة مصغرة لأزمة البناء الوطني، وانقضاء أجل المشروع الوطني القديم. ورأوا أن حديث البزعي يمثل عقلية ومفهوم قديميْن ومتعسفيْن من مفاهيم البناء الوطني لا يعترفان بالتنوع ولا بحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، ولا يتعرفان بالمواطنة بلا تمييز، والبزعي نفسه ضحية من ضحايا المشروع الوطني القديم وعجرفة المشروع الحضاري المتعالي الذي لا صلة له بالأرض أو بالسماء.
ورأت ناشطة أن الحادثة ليست إلا مناكفة سياسية:
وتشتهر المرأة البجاوية بارتداء “الفوطة” وهي ثوب مع بعض الحلي لتزيين الشعر، فيما يرتدي الرجال الجلباب السوداني والسديري وسروالاً طويلاً.
ورأى الأمين العام السابق لمجلس الصحافة والمطبوعات حسام الدين حيدر، أن المدير العام للإذاعة والتلفزيون أخطأ باعتراضه على “زي” المذيعة، مفسراً ردة الفعل من المكون القبلي باقتحام مقر التلفزيون بأنه “ناتج عن الاستقطاب الذي تتعرض له مكونات شرق السودان، وهو ما جعل ردة فعل البعض على هذا النحو الحاد”.
وقال حيدر إن حالة اللادولة في السودان يتم فيها التعيين والإقالة دون اتباع أسس المهنية والكفاءة؛ لارتباطهما بمصالح بعض الجهات في السلطة الحاكمة ببورتسودان.
وطرحت “قبائل البجا” بشرق السودان قبيل اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” في أبريل الماضي، رؤية لتطبيق الحكم الكونفدرالي، تمنح إقليم الشرق حكما ذاتيا مع سيادة كاملة واستقلالية في إدارة موارده ورسم مستقبله.