تعويم الجنيه المصري يؤخر إنجاز المشاريع العقارية

التعثر مرده الخلافات بين المطورين وشركات المقاولات على المستحقات جراء ارتفاع تكاليف التشييد.
السبت 2024/06/22
السلامة في مواقع البناء لا تقل أهمية عن توفير التمويل

تواجه العديد من شركات التطوير العقاري في مصر مشكلة في إنهاء المشاريع وفق مواعيد التسليم التي التزمت بها، بسبب ارتفاع تكاليف البناء جراء تعويم العملة المحلية في مارس الماضي، الأمر الذي قد يعطل خطط الدولة في جعل هذه الصناعة محفزا للنمو.

القاهرة - يطالب المطورون العقاريون في مصر منذ فترة السلطات الحكومية بمنحهم مهلة إضافية دون تحميلهم أعباء مالية جديدة من أجل إتمام المشاريع القائمة على غرار ما حدث إبان الأزمة الصحية.

وتأتي هذه العثرة بينما تسعى القاهرة إلى زيادة مساحة عمران أراضيها من 7 إلى 14 في المئة، في ضوء رؤية 2030، مستفيدة من الإصلاحات التي تقوم بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

وأكد مطوّرون لبلومبيرغ الشرق أن شركاتهم تحتاج إلى مهلة إضافية قبل تسليم المشاريع في ظل انقضاء المواعيد القانونية دون إتمام عمليات الإنشاء.

وأرجعوا هذا التأخير إلى خلافات مع شركات المقاولات على المستحقات جرّاء ارتفاع تكاليف التشييد بعد تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار.

وسبق للحكومة أن منحت الشركات والجمعيات والنقابات أثناء الوباء مهلة استثنائية لإتمام المشاريع في المدن الجديدة مدتها نصف عام دون تحمليهم غرامات.

وتضع غالبية الشركات العقارية التي تعمل في السوق المحلية مدة سماح لنفسها لتسليم الوحدات في العقود المبرمة مع الزبائن تتراوح بين 6 أشهر إلى عام.

ويشير طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري التابعة لاتحاد الصناعات المصرية أن الشركات حديثة العهد بالسوق لديها مخاوف من التأخر في التسليم عن المدة القانونية.

طارق شكري: الشركات حديثة العهد بالقطاع ملاءتها المالية ضعيفة
طارق شكري: الشركات حديثة العهد بالقطاع ملاءتها المالية ضعيفة

وقال إن السبب في ذلك هو أن “ملاءتها المالية ضعيفة، ولا تمتلك محفظة متنوعة من المشاريع تمكّنها من تعويض أيّ خسائر، على عكس كبار المطورين”.

وشدد على أن تأجيل مواعيد التسليم لعامٍ إضافي يُعدُّ أمراً مقبولاً في ظل التغيرات التي تشهدها السوق في الوقت الحالي.

وتهاوت قيمة الجنيه بنحو 60 في المئة عقب تحرير سعر الصرف في مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين تشهد ثالث أسوأ العملات أداءً أمام الدولار خلال العام الجاري تذبذبات في نطاق يتراوح بين 46.8 و49.6 جنيه لكل دولار.

ويرجح محمد سامي، رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، عدم قدرة الشركات على تسليم مشاريعها في المواعيد المقررة.

ويعزو سامي ذلك إلى تأخرها عن سداد مستحقات المقاولين، لاسيما بعد تراجع مبيعاتها من الوحدات العقارية منذ تعويم الجنيه.

وأوضح أن تأخر الشركات في سداد تعويضات خسائر العملة “سيدفع المقاولين لوقف العمل بالمشاريع واللجوء إلى التحكيم، وهو ما سيؤدي إلى تأخير مواعيد التسليم بين عامين إلى ثلاثة أعوام”.

ويعاني المطورون من فجوة تمويل بين أسعار البيع والتكلفة، وقال سامي إن “التسليم في المواعيد القانونية مرهون حاليا بشكل كبير بحل الأزمة القائمة بين شركات التطوير والمقاولين والمتعلقة بصرف التعويضات وفروق الأسعار الناتجة عن تحرير سعر الصرف”.

وفي ضوء هذا الوضع، تزايد احتمالات أن تجتمع شركات المقاولات وغرفة التطوير العقاري للخروج بآليات تضمن سداد مستحقات المقاولين، لضمان استمراريتهم في تنفيذ الأعمال المتعاقد عليها مع المطورين.

معظم الشركات تضع مدة سماح لنفسها لتسليم الوحدات في العقود المبرمة مع الزبائن تتراوح بين 6 أشهر إلى عام

وتسبب اضطراب سوق المقاولات في مصر مؤخرا في توجه الشركات المحلية لتوسيع أعمالها في الخارج بهدف اقتناص الفرص في الدول التي ترصد استثمارات كبيرة للإعمار والتنمية، خاصة في ليبيا والعراق.

ويأتي هذا التوجه وسط تباطؤ الاستثمارات الحكومية في مجالي البنية التحتية والمقاولات، ضمن خطة لإفساح المجال للقطاع الخاص.

وخفضت القاهرة إنفاقها الاستثماري بميزانية العام المالي الجاري الذي ينتهي هذا الشهر بنحو 15 في المئة، غير أنها استثنت المشاريع التي تجاوزت نسبة الإنجاز فيها 50 في المئة

وعلاوة على ذلك، تم حظر إبرام أيّ تعاقدات على مشاريع سواء بالأمر المباشر أو المناقصات العامة حتى نهاية السنة المالية الحالية.

ويعتقد عبدالله سلام الرئيس التنفيذي لشركة مدينة مصر، أن المطورين سيسعون الفترة المقبلة لتسريع البناء والتسليم بأسرع وقت تجنبا لارتفاع التكلفة. وقال إن “تسريع الإنشاءات في مصلحة المطور أكثر من العميل نظراً إلى تغير التكلفة بشكل مستمر”.

وأوضح سلام أن المطور عادة ما يتأخر في التسليم عاما عن المدة المذكورة في العقد، وهو أمر طبيعي بسبب متغيرات السوق، ولكن إذا زادت مدة التأخير عن عام فهناك مشكلة.

ويتفق هيثم عبدالعظيم الرئيس التنفيذي لشركة أورا ديفلوبرز مع موقف سلام. وقال لبلومبيرغ الشرق إن “المطورين اتجهوا أخيراً لتسريع عمليات البناء لتجنب حدوث فجوة بين أسعار البيع وتكلفة التنفيذ”.

وأكد رئيس ديفلوبرز المملوكة للملياردير المصري نجيب ساويرس أن التعامل مع المقاولين بنظام السداد العاجل للمستحقات هو “الضامن الحقيقي للالتزام بالجداول الزمنية الموضوعة، كما يمنع حدوث أزمات مالية”.

ولا يختلف موقف المسؤولين في شركة ميلي للتطوير العقاري عن باقي المنافسين في السوق المحلية بأن الشركات تتجه حالياً للتوسع في بنود العقد لتشمل فترات سماح أطول للتسليم.

ويقول الرئيس التنفيذي للشركة جاسر بهجت إن تأخر التسليم من قِبل بعض الشركات في المدة الأخيرة أمر طبيعي، وهو لا يزال في النطاق الآمن والمقبول.

ويعتقد أن التأخيرات ستكون في حدود عام إلى عام ونصف العام، “وهي مدة مقبولة لدى الزبائن، لكن الأزمة الحقيقية ستكون لدى الشركات التي باعت وحداتها قبل عام 2022 وبدأت في تنفيذها الآن”.

وتظهر التقديرات أن مساهمة القطاع بلغت بنهاية العام 2022 نحو 18 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي البالغ 320 مليار دولار.

11