تعليقُ منْح الحرس التونسي زوارقَ يربك الشراكة مع إيطاليا

روما – أثار قرار مجلس الدولة الإيطالي تعليق تسليم ستة زوارق دورية إلى قوات الأمن التونسية ضمن شراكة ثنائية لمواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية التساؤل عن مدى جدية التزام إيطاليا بهذه الشراكة وقدرتها على مواجهة ضغوط الجمعيات الإنسانية التي تسعى لعرقلة التنسيق بين البلدين في هذا المجال.
ورغم أن إيطاليا هي المستفيد النهائي من وصول الزوارق وتشغيلها، لأنها ستساعد على مراقبة تهريب البشر -وخاصة منهم الأفارقة- ومنعهم من الوصول إلى إيطاليا، فإن ذلك تصبح له حسابات أخرى عندما يتعلق بحقوق الإنسان.
وكان يُفترض أن تتسلم تونس ثلاثة زوارق في شهر يونيو الجاري، في سياق حزمة دعم متعددة الأوجه لقوات الأمن التونسية من أجل مساعدتها في مهمة التصدي لموجات الهجرة غير النظامية.
إيطاليا هي المستفيد من وصول الزوارق وتشغيلها، إلا أن الموضوع تصبح له حسابات أخرى عندما يتعلق بحقوق الإنسان
ويرى مراقبون أن تعليق قرار تسليم الزوارق إلى تونس أمر وقتي، وأن الحكومة الإيطالية ستجد الصيغ القانونية لتنفيذ الاتفاق، لكنهم حثوا روما وتونس على تذليل الصعوبات والحد من التجاوزات التي تثير شكاوى المنظمات الحقوقية، خاصة ما تعلق بالحملات الأمنية والتضييقات التي تستهدف المهاجرين -بعضها ناجم عن مخاوف أمنية والبعض الآخر جاء استجابة لمطالب السكان المحليين مثل ما يجري في بعض القرى المحيطة بمدينة صفاقس جنوب شرق تونس- أو حملات تجميع وعزل المهاجرين التي تقوم بها السلطات الإيطالية.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت في تصريح لـ”العرب” إن “الإشكال يكمن في أن المهاجرين يعتبرون أن السلطات التونسية تعيق عمليات وصولهم إلى السواحل الإيطالية وتؤدي بذلك دورا غير طبيعي، وتونس تتحمل تبعات سياسات رافضة للهجرة”.
ويبدو البعد الحقوقي محدودا في تفاصيل الشراكة بين تونس وإيطاليا. وكل بلد يعتقد أن الأولوية لمصالحه؛ فتونس تريد معادلة لحل الأزمة الحالية تقوم في جانب أول منها على دحض فكرة أنها يمكن أن تكون مكانا لتوطين الأفارقة، ويتمثل الجانب الثاني في الحصول على الدعم الأوروبي. أما إيطاليا فشعارها وقف الهجرة غير النظامية ومنع دخول أي مهاجر لا يمتلك الخبرات والمؤهلات التي تحتاجها البلاد.
وفي المحصلة ظلت المسألة الحقوقية مهمة الجمعيات والمنظمات الإنسانية التي تغالي أحيانا في موقفها من أجل ضمان حقوق المهاجرين حتى لو أدى الأمر إلى عرقلة الشراكة ومهاجمتها باستمرار.
وأكد المنذر ثابت أن “إيطاليا لا يمكنها التراجع عن الشراكة بخصوص ملف الهجرة، كما أن أي تراجع إيطالي يعني أن تونس ستفسح المجال أمام المهاجرين للعبور نحو السواحل الإيطالية، والاتحاد الأوروبي يعتبر اتفاقية الهجرة مع تونس مثالا مرجعيّا ونموذجيّا”.
ومن المقرر أن يقدم الاتحاد الأوروبي إلى قوات الأمن التونسية حوالي 164.5 مليون يورو (177.74 مليون دولار) بهدف مساعدتها على تطوير أدائها في التصدي للهجرة غير النظامية، في خطوة تثبت ثقة الأوروبيين بها وبأدائها في مواجهة تعقيدات ظاهرة الهجرة غير النظامية، خاصة إثر زيادة تدفق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء خلال الأشهر الأخيرة، واستمرار تونس في القيام بدورها كاملا على الحدود رغم الاختلاف مع الأوروبيين بشأن خطط توطين المهاجرين.
وتتضمن البرامج الممولة من الاتحاد لصالح قوات الأمن التونسية تدريبا للحرس البحري التونسي تنفذه الشرطة الاتحادية الألمانية، كما سيتم إنفاق الأموال على شراء معدات، منها رادارات وزوارق للحرس البحري، فضلا عن إنشاء نقاط حدودية برية.
وهناك شكوك في أن تكون التحركات الحقوقية موجهة إلى تونس بصفة مباشرة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون نقاشا أوروبيا داخليا، وهو ما أشار إليه ثابت بقوله إن “التعاطي مع المنظمات الحقوقية يأتي في ظرف الانتخابات الأوروبية، وهو يعني محاولة لخفض التوتر بين الحكومة الإيطالية والمنظمات الحقوقية وكسب أصوات الناخبين”.
واعتبر الناشط السياسي التونسي نبيل الرابحي أن “الموضوع إيطالي – إيطالي، وتونس غير معنية به إطلاقا؛ ذلك أن بعض المنظمات الحقوقية تعيب على السلطات الإيطالية الترحيل القسري للمهاجرين”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “هذا ليس له أي علاقة باتفاقية الشراكة المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص ملف الهجرة، بل إن المنظمات الحقوقية الإيطالية تقوم بحملة ضد اليمين الإيطالي، برفض ترحيل المهاجرين”.
وتعد تونس، إلى جانب ليبيا، إحدى نقاط المغادرة الرئيسية للمهاجرين الذين يخاطرون بعبور المتوسط على أمل الوصول إلى السواحل الأوروبية.
وتتزايد سنويا أعداد المشاركين في عمليات الهجرة غير النظامية من السواحل التونسية إلى السواحل الإيطالية، التي تقع على بعد أقل من 150 كيلومترا، مستفيدين من عامل الطقس، وخصوصا خلال الصيف.
وفي 19 مايو الماضي أعلن الحرس الوطني التونسي فقدان 23 مهاجرا تونسيا في البحر كانوا قد غادروا قبل أسبوعين من التاريخ المذكور مدينة نابل في شمال شرق تونس.
وقضى أو فقد أكثر من 1300 مهاجر العام الماضي إثر غرق قوارب مهاجرين بالقرب من سواحل تونس، وفقًا لـ”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وهو منظمة غير حكومية تهتم بملف الهجرة في تونس.
وحسب المنظمة الدولية للهجرة، وعلى مدى العقد الماضي، قضى أكثر من 27 ألف مهاجر في البحر المتوسط، من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف عام 2023.