أزمة كهرباء تفاجئ الكويت في مطلع صيف لاهب

العامل المناخي مثّل سببا منطقيا للأزمة التي أرجعتها السلطات إلى حدوث انفجار في معدلات استهلاك الكهرباء للتكييف.
الجمعة 2024/06/21
خطوط النقل تجاوزت طاقتها

الكويت - فاجأت أزمة كهرباء حادّة الكويتيين في ذروة تزايد الحاجة للطاقة الكهربائية مع تجاوز الحرارة نصف درجة الغليان. ووفّر العامل المناخي وتحديدا ظاهرة الاحترار التي طالت بلدان المنطقة بشكل مباشر سببا منطقيا للأزمة التي أرجعتها السلطات إلى حدوث انفجار في معدلات استهلاك الكهرباء للتكييف، دون أن يعفيها ذلك من المسؤولية عن الأزمة التي قالت جهات كويتية إنّها كانت متوقّعة إلى حدّ كبير.

وتبدو مثل هذه الأزمات غير منطقية بالنظر إلى المقدرات المادية الهائلة التي تمتلكها الكويت التي تحتل مرتبة متقدمة بين كبار منتجي ومصدري النفط في العالم بإنتاج يومي يقارب 2.6 مليون برميل، في مقابل عدد محدود من السكان لا يتجاوز 4.4 مليون ساكن.

لكن البلد يواجه اليوم تبعات فترة طويلة نسبيا من تباطؤ التنمية وتعطّل الإصلاح والهدر المالي وسوء التخطيط، الناتجة جميعها عن حدّة التجاذبات السياسية وعدم استقرار الحكومات والبرلمانات المتعاقبة جرّاء كثرة الصراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وواجهت عدة مناطق في الكويت الخميس، ولليوم الثاني على التوالي انقطاعا مؤقتا للتيار الكهربائي خلال ذروة الاستهلاك، بسبب عجز محطات توليد الطاقة عن تلبية الطلب المتزايد الناجم عن الطقس الحار، وفق ما أعلنته سلطات البلاد. وأعلنت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الكويتية في بيان الخميس عن "المناطق التي سيتم قطع التيار الكهربائي عنها خلال فترة الذروة تباعا من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الخامسة مساء لمدة تتراوح  بين ساعة إلى ساعتين".

وكانت السلطات قد أوضحت في بيان سابق أصدرته الأربعاء أن الانقطاعات “جاءت نتيجة لعدم قدرة محطات توليد الطاقة الكهربائية على الإيفاء بالطلب المتزايد على الأحمال الكهربائية خلال فترة الذروة” في ظلّ “ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بنفس الفترات من الأعوام السابقة”.

خالد السعيد: سبب الأزمة التقاعس الحكومي والتعطيل النيابي والبطء الرقابي
خالد السعيد: سبب الأزمة التقاعس الحكومي والتعطيل النيابي والبطء الرقابي

وهذه المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات مثل هذه الإجراءات بسبب عجز في إنتاج الكهرباء. وشملت الإجراءات العاجلة لمواجهة الأزمة، أيضا، تقديم العطلة الدراسية الصيفية وذلك لترشيد استهلاك الطاقة وتخفيف الأحمال الكهربائية على خطوط النقل ومراكز التوليد. وكشفت وزارة التربية أنه تقرر تقديم العطلة الصيفية للهيئتين التعليمية والإدارية للمرحلة الابتدائية ابتداء من نهاية دوام الخميس مع تقديم عطلة كافة العاملين بالمرحلة المتوسطة والثانوية ابتداء من يوم الاثنين القادم.

ولفتت الوزارة إلى أنه سيتم دمج مقار لجان امتحانات الدور الثاني للمرحلة المتوسطة وتحديدها في كل منطقة تعليمية وفق جدول تفصيلي سيتم الإعلان عنه لاحقا. ودعت الإدارات المدرسية في لجان الاختبارات إلى ترشيد استهلاك الكهرباء في المؤسسات التعليمية وتطبيق إرشادات وتعليمات وزارة الكهرباء والماء بشأن تخفيف الأحمال على وحدات الطاقة من خلال إغلاق أنظمة التكييف بالمرافق غير المستخدمة داخل المدارس.

ورغم أن سكان الكويت معتادون على طقس الخليج الحار، إلا أنّ البلد أخذ يتأثر بشكل متزايد بالتغيّر المناخي الناجم بشكل أساسي عن استهلاك الوقود الأحفوري مثل النفط الذي تُعد الكويت واحدا من أكبر مصدّريه. وقال الخبير الكويتي عادل السعدون لوكالة فرانس برس “غالبا ما كانت درجة الحرارة تتجاوز الخمسين في يوليو لكنها بلغت الأربعاء51 درجة مئوية”. وأضاف “ما نعيشه اليوم هو نتيجة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم كله”.

وقالت الكويتية أم محمد التي تقيم في منطقة أم الهيمان جنوبي البلاد إنها شهدت انقطاع الكهرباء عن بيتها لساعتين الأربعاء. وأضافت المرأة الستينية “لم نتأثر كثيرا، فالبيت كان مغلقا وحافظ على برودته. وغالبا ما كنا نطفئ التكييف لفترة معينة يوميا”، مشيرة إلى أن “البعض يحوّل منزله إلى ثلاجة من دون وجوده في البيت وهذا يرفع الأحمال الكهربائية”.

وكتب أحد الناشطين على منصة أكس “الله يعين الذين لديهم مرضى وكبار سن” مضيفا “ما زلنا لم ندخل الشهرين السابع والثامن”، في إشارة إلى إمكانية تعمّق الأزمة مع تقدمّ الصيف وارتفاع الحرارة. ووقّعت الكويت الشهر الماضي عقودا قصيرة المدى لشراء 300 ميغاوات من سلطنة عمان و200 ميغاوات من قطر من خلال هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، تغطي فترة فصل الصيف.

وقال الخبير الكويتي في الطاقة كامل الحرمي “هذه بداية الأزمة وسيستمر القطع المبرمج للكهرباء خلال السنوات المقبلة إذا لم نسرع في بناء محطات كهربائية من خلال إجراءات استثنائية”، داعيا السلطات إلى “التوجه نحو الطاقة النووية والشمسية وطاقة الرياح”. وتملك الكويت، العضو في منظمة البلدان المصدّرة للنفط سبعة في المئة من احتياطات النفط الخام في العالم. ويعتبر صندوق الثروة السيادي التابع للدولة من الأكبر في العالم. لكنها تشهد أزمات سياسية متلاحقة تعوق التنمية والإصلاحات.

وكتب وزير الصحة الكويتي الأسبق خالد السعيد على منصة إكس “أزمة الكهرباء ليست جديدة بل ظهرت بوادرها منذ أكثر من عقدين وقد يكون لها أسباب منها التقاعس الحكومي والعوائق النيابية التي كانت تصطدم بها الحلول ولكن الطرف الثالث هو الجهات الرقابية وقوانينها التي تبطئ، إن لم تعق، عجلة التطوير في جميع مرافق الدولة".

والشهر الماضي، حلّ أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مجلس الأمة وعلّق العمل ببعض مواد الدستور وتولى مع الحكومة مهام السلطة التشريعية، فاتحا بذلك الباب لتجاوز معوقات الإصلاح الذي يقول متابعون للشأن الكويتي إنّه لم يعد يحتمل التأجيل بدليل ما تواجهه البلاد من أزمات لا تتناسب مع ثرائها الماديّ الكبير.

3