تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين الأردنيين يحرج المملكة

عمان - أعلنت السلطات الأردنية الحرب على شبكات وسماسرة يديرون عمليات للهجرة غير الشرعية، في محاولة منها لاستيعاب الظاهرة التي باتت تشكل إحراجا كبيرا للمملكة.
وقرر مدعي عام إربد الأربعاء توقيف شخص لمدة 15 يوما في مركز الإصلاح والتأهيل بتهمة الاتجار بالبشر بعد أن عمل سمسارا في تسهيل سفر أشخاص إلى دول أجنبية بطرق مخالفة للقانون وتعريض حياة الضحايا للخطر والتي باتت تعرف بقضايا الهجرة غير الشرعية.
وأمرت النيابة العامة أيضا بمنع شخص آخر ويعمل كصاحب مكتب خدمات سياحية من السفر لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد لمدة سنة على ذمة القضية بموجب قانون منع الاتجار بالبشر.
وسجّل منذ بداية العام الجاري تنام لظاهرة الهجرة غير الشرعية بين الأردنيين، وهو أمر لم يكن معهودا في السابق، ما يشكل إحراجا للمملكة، خصوصا وأن معظم المهاجرين يستغلون التسهيلات الغربية في منح الأردنيين الفيزا الميسرة.
وتبدي السلطات الأردنية قلقا من أن يقود تفاقم الظاهرة إلى دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في التسهيلات المقدمة. ويرى مراقبون أن التحرك القضائي ربما كان وليد تحذيرات صدرت من دول مثل الولايات المتحدة اشتكت من تدفق الأردنيين إليها عبر المكسيك.
سُجّل منذ بداية العام الجاري تنام لظاهرة الهجرة غير الشرعية بين الأردنيين، وهو أمر لم يكن معهودا في السابق
وانتشرت مؤخرا مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي تروج وتشجع على الهجرة غير الشرعية في المملكة، حتى إن العديد من المدن والمحافظات الأردنية بدأت تفرغ من الشباب الذين اضطر الكثير منهم للاقتراض من البنوك، بهدف الهجرة، خاصة إلى الولايات المتحدة.
وبحسب مصادر مطلعة فإن العديد من الشباب استغل فتح بريطانيا باب الحصول على التأشيرة السياحية للأردنيين، للسفر عبرها إلى دول أميركا الوسطى ومنها إلى الولايات المتحدة.
ووفق وكالة “عمون” الأردنية بدأت الظاهرة في محافظتي الزرقاء وإربد، قبل أن تنتقل إلى قرى في شمال المملكة، ثم انتشرت في مختلف المناطق بالبلاد.
وفي تحقيق مطول، نقلت وكالة الأنباء الرسمية “بترا” عن مسؤولين حكوميين قولهم إن الأردن بأجهزته كافة يتواصل باستمرار لمواجهة الهجرة غير الشَّرعية، وقد أعادت السلطات المختصَّة أكثر من 100 شخص من المطار وبدأت بمراقبة المكاتب والأشخاص المتورطين بالهجرة غير الشّرعية واستغلال النَّاس والاحتيال عليهم وتعريضهم للخطر، والإضرار بالعلاقات الأردنية مع الدول التي تقدِّم تسهيلات كبيرة في مجال السَّفر للأردنيين بالمجالات كافة من دراسة وعمل وعلاج وسياحة.
السلطات الأردنية تبدي قلقا من أن يقود تفاقم الظاهرة إلى دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في التسهيلات المقدمة
وقالت مصادر مسؤولة لـ”بترا” إنه يتم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لوضع آلية جديدة للتَّعامل مع هذه القضية وضبطها.
وتقدر كلفة الوصول إلى الولايات المتحدة للفرد الواحد بـ35 ألف دينار. وحصلت “بترا” على حديث بين مهاجر أردني دخل بطريقة غير قانونية إلى الولايات المتحدة وبين أحد المحامين الخبراء في شؤون الهجرة بأميركا، وفيه يحاول المهاجر الأردني البحث عن طريقة للحصول على أوراق رسمية للإقامة ويدَّعي أنَّ سبب هجرته هو الجوع، لكنَّ المحامي يخبره بأنَّ الأردن من الدول المصنَّفة الآمنة وتسمح بالتعددية السياسية ولا يدخل ضمن تصنيف الجوع العالمي الصادر عن الامم المتحدة، ولا تعترف بهذا السَّبب لمنحه الأوراق الثبوتية، ويسترسل المحامي في حديثه بقوله إنَّ الحل إمَّا بتغيير الدِّين أو التَّحول الجنسي، أو إثبات الاضطهاد، وفي هذا تنازل عن الكثير من القيم رغم أنَّ طريق الهجرة الطَّبيعية الآمنة أفضل حتى ولو أخذت وقتًا أطول.
ويقول أحد المسؤولين عن إحدى صفحات الهجرة غير الشَّرعية على موقع التَّواصل الاجتماعي فيسبوك والمقيم في المكسيك لـ”بترا” إنَّه يقوم بهذا العمل منذ سنوات، وفي الواقع هو يقوم بعملية ربط بين الأشخاص الذين يرغبون بدخول الولايات المتحدة وبين أشخاص محليين في المكسيك من أجل عبور الحدود، ولا يعنيه ماذا يحدث بعد عبور الحدود مع هؤلاء الأشخاص.
ويوضح الباحث الحقوقي الرئيسي ومدير البرامج والأبحاث في معهد السياسة والمجتمع حسين الصرايرة لـ”بترا” أنَّ الظاهرة بدأت بالبروز إلى السطح تدريجياً منذ مطلع العام الجاري، حيث كان انعكاس تسهيل دول غربية كثيرة لإجراءات الفيزا الميسرة الأثر الأهم في تصاعد عدد الحالات، التي قررت مع دول أوروبية أخرى أن تترجم العلاقات المتينة مع الأردن وثقتها باستقرار المملكة وتقدّم مرتبتها على مؤشرات الصعد الأمنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية مقارنة بدول عديدة في منطقة الشرق الأوسط.
العديد من المدن والمحافظات الأردنية بدأت تفرغ من الشباب الذين اضطر الكثير منهم للاقتراض من البنوك، بهدف الهجرة، خاصة إلى الولايات المتحدة
وقال إنَّ الأردنيين يغادرون بلادهم بطريقة قانونية؛ أوراق ثبوتية صحيحة، فيزا معتمدة وبمدد كافية تكفي للوصول إلى أيّ من دول أميركا اللاتينية التي تبني ثقتها باستقبال الأردنيين على إجراءات نظيراتها في أوروبا، ومن هناك تبدأ الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
وأوضح أن قانون الهجرة الأميركي يختلف عن أيّ قانون هجرة في العالم، معتمداً على دستور هذا البلد وفلسفة نشوئه كبلد للمهاجرين بالأساس، فمجرد وصول الأردني إلى الأراضي الأميركية يتعامل معه قانون الهجرة بعدة مسارات معظمها لا ينتهي بترحيل المهاجر غير الشرعي بل بتصويب أوضاعه، لكن مدة وطريقة تصويب الأوضاع يشوبها الكثير من المخالفات القانونية لأمور أخرى أهمها حقه في العمل والصحة والسكن والأمن وغيرها.
وقال إنَّ الرحلة قد يصل سعرها إلى أربعين ألف دولار أميركي وتبدأ من 10 آلاف على أقل تقدير، وكلما دفعت أكثر، كلما كانت نسبة المخاطرة في الرحلة أقل، لكنها بالطبع، لن تحمي من نيران العصابات المتناحرة في أميركا اللاتينية.
وبين أنَّ المشكلة الأخرى هي أن الأردني حينما يصل الولايات المتحدة وباتفاق مع المهربين يخفي أوراقه الثبوتية أو يتلفها، بمعنى أنه لا يعرف كمواطن أردني أمام السلطات هناك، الأمر الذي يصعب عملية إحصائهم ومتابعة السفارة الأردنية هناك، ووزارة الخارجية في عمّان، فتخلّيه عن صلته بالأردن وجنسيته يجعله بلا مرجعية قانونية، ما يجعل تعامل الحكومتين الأميركية والأردنية أصعب مع الظاهرة.
وقال الصرايرة إنَّ المطلوب اليوم هو تنسيق أكبر لمكافحة عصابات الاتجار بالبشر، وليس منع الناس من التنقل أو حقهم من ذلك. وأكد أنَّ المعالجة والتحليل العلمي لهذه الظاهرة واجبان، وهو ما يشير إلى وقوع الشباب في فخ الوهم والأحلام غير الواقعية، حتى باعوا أراضي أهاليهم ومركباتهم ودعمهم أقاربهم بالمال، حتى يستثمروا في رحلة المجهول هذه، على اعتبار أن من يصل أميركا سيصرف على أقاربه ويزيد دخلهم جميعاً، إنه استثمار في اليأس.