"الزمن الجميل" مجاز عربي خطير يمنع المجتمعات من التطور

يتطرق الباحث غسان إسماعيل عبدالخالق في كتابه الجديد “خرافة الزمن الجميل، نحو ثقافة تنويرية جديدة” إلى معطى ثابت في تصوراتنا المشتركة التي تجعل من الماضي زمنا جميلا لا يمكن تكراره وتغرق في تمجيده بشكل يجعله شبيها بالخرافة التي يتفنن المخيال في ترتيبها وإضافة القداسة إليها، ما يجعلها من أكبر العراقيل أمام محاولات التجديد.
إن مصطلح “الزمن الجميل”، وفق ما يبينه المؤلف، يمثل أبرز المجازات الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحياة العربية. مضيفا “لن أُبالغ إذا قلت أيضا: إن هذا المجاز يمثل أخطر أنواع المخدرات الذهنية؛ لما ينطوي عليه من خداع مقصود أو غير مقصود للذات الفردية والجمعية على حد سواء، ولما يتدثر به من غلالات الرومانسية المفرطة، التي لا تعدو كونها طبقة سميكة من الحنين المَرَضي الجارف إلى الماضي، على حساب التعايش مع استحقاقات الحاضر والمستقبل بشجاعة وإقدام”.
ويتابع عبدالخالق أنه “بلغة خبراء علم النفس؛ فإنني أزعم أن ‘الزمن الجميل’ هو الاستعارة التي أطلقها المخيال العربي المعاصر على ‘منطقة الراحة’ التي برعت المجتمعات العربية المعاصرة في التمترس خلفها، لتسويغ خوفها الشديد من الإقدام على ما ينبغي الإقدام عليه -فرديا أو جمعيا- من تحديث ومواكبة ومبادرة وابتكار. وهي التي تضخم مخاطر الاتجاه إلى الديمقراطية السياسية والحرية الفكرية والتنوع الثقافي على الصعيد الجمعي، كما تضاعف شعورنا بالذنب كلما امتلكنا الرغبة في مساءلة الماضي القريب أو البعيد، وتدفعنا إلى الاكتفاء بالثناء على ‘فردوسنا المفقود’ الذي لو أننا امتلكنا الجرأة الكافية لأدركنا أنه لم يكن مثاليا تماما أو خاليًا من العيوب كما نتوهم، ولأدركنا أيضًا أن حاضرنا -بدوره- سيغدو لمن يأتي بعدنا زمنا جميلاً ومنطقة مريحة”.
ويقر المؤلف بأن ما تقدم لا يعني أننا ملزمون بمقاطعة الماضي، بل يعني أننا ملزمون بتعشيبه وتطهيره من الأعشاب الضارة التي حجبت أشجاره المثمرة الباسقة.
ويضيف “ما تقدم لا يعني أيضا أننا ذاهبون في هذا الكتاب باتجاه سلسلة من المواعظ الاجتماعية، بل نحن ذاهبون باتجاه طائفة من المقاربات الثقافية المتنوعة قصدًا، لنجرب الإطلال على كثير من القضايا والظواهر والمسائل الراهنة على نحو صادم للقارئ الكسول، وعلى نحو يهدف إلى إخراج القارئ من شِباك الزمن الجميل وأسرِ منطقة الراحة، والإلقاء به في حمأة الأدب والنقد الأدبي تارة، وحومة الفكر والفلسفة تارة، والاقتصاد والاجتماع تارة، وساحة الفن تارة”.