حرب السودان تقطع أوصال الأحزاب مع قواعدها الشعبية

كوادر تتصرف حسب مصالحها وليس وفقا للتوجهات السياسية.
السبت 2024/06/15
شعارات تاهت في ضجيج الحرب

تأثرت الأحزاب السودانية بشدة بالحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفقدت المرجعيات العليا لتلك الأحزاب سبل التوصل مع قواعدها الشعبية، فضلا عن التضييقات الأمنية لاسيما من جهاز المخابرات العسكرية.

الخرطوم - تعرضت العديد من الأحزاب السودانية إلى هزات سياسية عنيفة منذ اندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، وتركت آثارها السلبية على تماسكها الداخلي وفقدت القيادات العليا التي يتواجد أغلبها خارج البلاد قدرتها على التواصل مع قواعدها الشعبية في ولايات مختلفة، وسط استهداف ممنهج تتعرض له بعض الكوادر الحزبية من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية ومجموعات مسلحة، وأصبح النشاط السياسي هدفًا لقوى تسعى لإطالة الحرب.

وأدان حزب الأمة القومي، مؤخرا اعتقال أمين تنظيم الحزب بمحلية الرهد محمود جراد زايد دون إبداء أسباب من جانب الأجهزة الأمنية بولاية النيل الأبيض، وحمّلها مسؤولية سلامته، ودعاها لإطلاق سراحه وكافة المعتقلين، وطالب الجيش بوقف ما وصفه بـ”المحاكمات الجزافية وغير القانونية”، والتي طالت مدنيين بلا إجراءات قانونية.

واعتبر الحزب الأكبر في السودان استمرار الاعتقالات التعسفية من قبل الاستخبارات العسكرية بحق الناشطين والسياسيين والمدنيين بكل الولايات “انتهاكا صارخاً لحقوق الإنسان وتعدياً سافراً علي الحريات”، وسط ترهيب يتعرض له كل شخص يعلن عن رأيه بشأن وقف الحرب، ويجري تصنيفهم على أنهم موالون لقوات الدعم السريع.

محمد الهادي محمود: القبضة الحديدية أضحت سيفا مسلطا على رقاب قوى سياسية عديدة
محمد الهادي محمود: القبضة الحديدية أضحت سيفا مسلطا على رقاب قوى سياسية عديدة

وشكلت فعالية الأحزاب الثورية في فترة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، هاجسا لمحسوبين على الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل، وجزءا من خطة الحرب الدائرة للإجهاز على قوى تشكل رقمًا سياسيًا مهمًا، ما يفسر العداوة التي تتعرض لها حاليا، وإن لم تكن تنتمي إلى قوى الحرية والتغيير أو تنسيقية “تقدم” المتهمتان من جانب الجيش بـ”الموالاة للدعم السريع”.

ويتعرض قادة بعض الأحزاب غير المحسوبة على التحالف المدني الأوسع في السودان (وأبرزهم المنتمون للحزب الشيوعي)، وأعضاء غرف الطوارئ ولجان المقاومة ويتركز نشاطهم على الجهود الإنسانية، لانتهاكات عديدة.

وشهدت مدينة سنجة حملة اعتقالات ومداهمات مؤخرا استهدفت سياسيين، ترتب عليها اعتقال القيادي بالحزب الشيوعي سيف عبدالباقي وآخرين من غرف الطوارئ ولجان المقاومة والمجتمع المدني، وعدد من أفراد أسر بعض الناشطين.

ويواجه قادة الأحزاب الساعية لإيقاف الصراع مشكلات جمة، لأنهم يتخذون مواقف سياسية لا تتم بالتنسيق مع قيادات الداخل، ترتبت عليها انشقاقات في بعض الأحزاب.

ويدرك سياسيون أن ذلك أمر طبيعي في ظل حالة الاستقطاب الواسعة التي ترتبت على اندلاع الحرب واستمرارها أكثر من عام وتمددها إلى غالبية ولايات السودان.

وهناك توافق على أن الأحزاب السودانية خسرت ما حققته في السنوات الماضية من مكاسب، بعد تعزيز حضورها السياسي بفعل حرية الحركة التي تمتعت بها ووصولها إلى السلطة عبر تشكيل الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك.

وقال القيادي بحزب الأمة القومي صديق الأنصاري إن الأحزاب واجهت صعوبات في التواصل مع الكوادر المحلية في ولايات عديدة، ومع اندلاع الحرب ازدادت الأوضاع سوءاً، خاصة أن جزءا من الأحزاب لا تملك كفاءة تنظيمية تسهل مرونة العمل دون اتصال مباشر، ما دفع بعض حواضن الأحزاب تتخذ مواقف تتماشى مع الأوضاع العسكرية والسياسية في ولايات تتواجد فيها بلا التزام بالخط السياسي العام للحزب.

فعالية الأحزاب الثورية في فترة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير شكلت هاجسا لمحسوبين على الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل

وأضاف الأنصاري في تصريح لـ”العرب” أن الكوادر المحلية للأحزاب تتصرف وفق مصالحها، وقد تكون هناك رؤى سياسية خاصة بأعضاء الحزب في دارفور تختلف عنها في ولاية وادي النيل، وهكذا، وهو ما قاد إلى حدوث تشظ وتفسخ في أجسامها.

واعتبر القيادي في حزب الأمة أن الرؤية التي وضعها الزعيم الراحل الصادق المهدي تساعد على وجود تيارات مختلفة تتعايش مع بعضها تحت إطار الحزب، وأن غيابه يخلق تحديا يرتبط بالقدرة على التماسك مع تباين التوجهات، لافتا إلى أن انقسام الحزب غير وارد وحال حدث فعواقبه وخيمة على السودان بأكمله.

وبرزت مجموعة داخل حزب الأمة مؤخرا أطلقت على نفسها “الإصلاح المؤسسي” تخالف توجهات الحزب السياسية الرافضة لاستمرار الحرب، وتصطف بجانب الجيش وتعارض مشاركة حزب الأمة في تنسيقية “تقدم” وقوى الحرية والتغيير، وتحاول إعادة هيكلة مؤسساته، وتمارس عملها من بورتسودان التي تتواجد فيها الحكومة السودانية. ويصعب أن تحقق محاولات تفتيت الأحزاب من أطراف مناوئة للتيارات الثورية الغرض منها، فهي لا تحظى برضاء شعبي، وإذا نجحت في تنفيذ خطة الانقسام سيكون التأثير مباشرا على قوى رئيسية في الحزب، فالأمة يتعرض لضغوط هائلة لتغيير موقفه ظهرت في الحكم بإعدام أحد قياداته بزعم تقويض النظام الدستوري.

وتشير تقارير محلية إلى مواصلة السلطات السودانية حملة اعتقالات واسعة واحتجاز دون أوامر من القضاء في بعض المناطق، أبرزها سنار ونهر النيل والنيل الأبيض وكسلا والقضارف والبحر الأحمر.

صديق الأنصاري: الأحزاب تواجه صعوبات في التواصل مع الكوادر المحلية
صديق الأنصاري: الأحزاب تواجه صعوبات في التواصل مع الكوادر المحلية

واستهدفت الاعتقالات قيادات في المجتمع المدني ولجان المقاومة وناشطين في العمل الطوعي بلا أسباب واضحة، ويستمر اعتقالهم في ظروف صعبة بسجن بورتسودان.

وحررت النيابة العامة في السودان في مايو الماضي بلاغات جنائية ضد 40 من قادة تحالف قوى الحرية والتغيير وتحالف تنسيقية “تقدم”، بتهم زعمت إثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري، وإثارة التذمر بين القوات النظامية، وارتكاب جرائم ضد الممتلكات والحقوق الأخرى، وضد الإنسانية، تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وذكر الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي في السودان محمد الهادي محمود في تصريحات لـ”العرب” أن عمل الأحزاب بات تحت الأرض في بعض الولايات بفعل تضييق الاستخبارات العسكرية وأجهزة الأمن الداخلية عليها، وأضحت القبضة الحديدية سيفاً مسلطًا على رقاب قوى سياسية عديدة، ولا يتوقف التهديد بالاعتقال والسجن، ما جعل النشاط السياسي شبه مجمد، باستثناء مجموعات تحاول تنسيق مواقفها السياسية.

واعترف محمد الهادي أن جميع الأحزاب معرضة للمزيد من الانقسامات، والحد الأدنى الذي تبحث عنه غالبية القوى هو أن تحافظ على وجودها بعيدا عن وجود اتصالات بين قيادات الداخل والخارج من عدمه، وهناك قناعة بأن الأوصال ستظل متقطعة إلى حين انتهاء الحرب، فالسجن والاعتقال والتنكيل تدفع إلى عدم ممارسة النشاط في العلن.

وشدد في حديثه لـ”العرب” على أن الروح الثورية التي تتسم بها الأحزاب ستظل حاضرة، لأن القوى السياسية لديها تاريخ طويل من العمل السري وخبرت التعامل مع التضييق في ظل أنظمة مستبدة وسرعان ما تخرج إلى العلن كلما أتيحت الفرصة.

وأجاز مجلس السيادة الانتقالي تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة، منحته سلطات واسعة، تضمنت الاعتقال التحفظي والاستجواب والمصادرة وحظر النشاط التجاري، وأعادت للجهاز سلطاته التي ألغتها الحكومة المدنية بعد الثورة على البشير.

2