المعارضة المصرية تستشعر خطر الانكفاء وتعيد ترتيب أوراقها

استأنفت الحركة المدنية التي تمثل المعارضة المصرية اجتماعاتها بعد غياب طويل، في تمش يعكس رغبة الحركة في نفض غبار الجمود وإعادة تفعيل حضورها في المشهد العام، لاسيما في ظل إدراكها بأن انكفاءها قد يقود إلى ظهور أجسام بديلة تملأ الفراغ الساسي.
القاهرة - استشعرت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم في عضويتها عددا من الأحزاب والشخصيات العامة المعارضة خطر العزوف السياسي الذي تبنته منذ انتخابات الرئاسة في ديسمبر الماضي، ودفعت باتجاه إعادة ترتيب أوراقها خشية تعرضها لخسائر جديدة في ظل أجواء انفتاح نسبي مع ارتفاع صوت الانتقادات في بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة واستضافة رموز من المعارضة.
وانعقد مجلس أمناء الحركة المدنية لأول مرة منذ فترة طويلة مؤخرا بعد أن توقف إثر خلافات نشبت بين أحزاب الحركة حول تأييد مرشح محسوب عليها في الانتخابات الرئاسية للترشح أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقدمت خلال الاجتماع رؤية لنشاطها الفترة المقبلة، وأوضحت موقفها من بعض القضايا السياسية والاجتماعية التي فضلت عدم الاشتباك، ما يشير إلى تراجع عن الجمود الذي أصاب الحركة.
وقررت الحركة الاستعداد لخوض الانتخابات القادمة، البرلمانية والمحليات، من خلال تحالف انتخابي يضم أحزابها، “وكل من يرغبون في خوض معركة تغيير السياسات الحالية، بعيدا عن السلطة والموالين لها الذين صنعوها وتسببوا فيما وصلنا إليه”.
لم تقطع الحركة المدنية الحوار مع الحكومة، لكنها شددت على اعتراضها على الحوار الوطني الذي يعقد جلسات من وقت لآخر، وعبرت عن “رفضها المنطق والطريقة اللذين أدير بهما الحوار في مرحلته الأولى ولم يسفرا عن نتائج واقعية أو خطوات إيجابية من قبل السلطة للتحول إلى الديمقراطية الدستورية”.
وفسر غياب الحركة المدنية عن التفاعل مع القضايا ذات الارتباط بحياة المواطنين مع اتجاه الحكومة لاتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة على أنها تنشط في مواقف خارجية لا تجد أولا التوافق المطلوب الذي يجعلها قادرة على التعامل مع أزمات الداخل.
الحركة المدنية تجهز مسودات خاصة تتعلق بإدخال تعديلات على ميثاق عملها وتنظر في طلبات الانضمام إليها
كما أن تراجع حضورها السياسي لم يؤثر في المشهد العام، فالحكومة استمرت في عقد جلسات الحوار الوطني دون أن تكون الحركة ممثلة مؤسسيا، مع مشاركة بعض المنتسبين إليها بصفتهم الحزبية وهو دليل على عدم القدرة على اتخاذ موقف موحد من الاستمرار في الحوار أو مقاطعته تماما.
وحال غابت الحركة التي تبرز كممثلة عن المعارضة المدنية في مصر، فذلك يخصم من رصيدها السياسي، وقد تجد تحالفات أخرى حيزا لسد فراغها، ما تطلب العودة لاستعادة النشاط حاليا، وإن لم تكن قد حسمت مواقف الأحزاب التي جمدت عضويتها داخلها إثر خلافات سابقة، فالغياب في ظل حراك سياسي متدرج يبدو تقاعسا.
ووجدت الحركة المدنية بعض وسائل الإعلام تفتح ذراعيها لمعارضين لديهم مواقف لا تتفق بشكل كامل مع التيار الناصري المهيمن على الحركة، ما شجعها على الإعلان عن نفسها مجددا، أملا في إيجاد مساحة للحركة السياسية تخدم توجهاتها.
وقال منسقها العام مجدي عبدالحميد إن الحركة تجهز مسودات خاصة بشأن إدخال تعديلات على ميثاق عملها وتنظر في طلبات الانضمام إليها، وتناقش الموقف مع أحزاب جمدت عضويتها، وتأمل أن تكون الأجواء السياسية مواتية الفترة المقبلة وتتحقق انفراجة مأمولة منذ فترة.
الحركة المدنية لم تقطع الحوار مع الحكومة، لكنها شددت على اعتراضها على الحوار الوطني الذي يعقد جلسات من وقت لآخر
وأضاف عبدالحميد في تصريح لـ”العرب” أن الحركة ليست ضد الحوار مع الحكومة في المطلق، ولديها موقف من الحوار الجاري، وترى أنه لا تتوافر به مواصفات الحوار الحقيقي، وآليات انعقاده لا تفي بالغرض منه، وهناك قناعة بأن الحوار مع المعارضة يجب ألا يقتصر على دعاوى الحضور للغرف والجلسات المغلقة، وهناك حوار علني قد يكون أكثر إيجابية عبر وسائل الإعلام المختلفة وطرح هذه القضايا وإتاحتها للنقاش.
وأشار إلى أن الحركة المدنية حريصة على أن تشارك في الاقتراعات المقبلة، وتؤمن بالتغيير عبر الأدوات الديمقراطية، وتحرص على استغلال هذه الآلية لتكوين رؤية مغايرة عن تلك السائدة حاليًا، وكانت سببا في الأزمات المعيشية، وترى بأن توظيف هذه الآليات يتطلب وجود مسافة بينها وبين الحكومة التي صنعت هذه السياسيات، وليست هناك مبررات للتحالف مع الحكومة لتحقيق أهداف سياسية.
وذكر في حديثه لـ”العرب” أن الحركة المدنية تؤمن بوجود اختلاف بين التوافق على أسس وطنية وبين الشراكة مع الحكومة التي تدافع عن سياساتها في حين أن الحركة تنتقدها ويوجد اختلاف كبير معها، ما يتطلب اتخاذ خطوات نشطة لتشكيل تحالف انتخابي مدني معارض للسياسات الحالية.
وخاضت بعض أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية انتخابات البرلمان الماضية تحت تحالف حكومي حمل اسم “القائمة الوطنية من أجل مصر” وكانت أحزاب العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب الإصلاح والتنمية، جمدت عضويتها ضمن هذا التحالف وتمكنت من نيل عدد من المقاعد، لكنه تحالف انفض بعدالانتخابات.
أحزاب الحركة المدنية فشلت في التوافق على دعم ترشيح الرئيس السابق لحزب الكرامة أحمد طنطاوي في الانتخابات الرئاسية الماضية
وأعادت الحركة التي خرجت إلى النور قبل ست سنوات تعريف نفسها، وقالت إنها “ائتلاف بين أحزاب وتيارات سياسية متباينة التوجهات، تلتزم وتعمل وفق القواسم الوطنية والديمقراطية المشتركة التي تجمعها والتي تعكس كونها حركة تمثل المعارضة المدنية الديمقراطية للسياسات التي تتبناها السلطة الحالية وعلى وجه الخصوص مواقفها من الحريات السياسية والحقوق الطبيعية والدستورية”.
وتضم الحركة حاليًا في عضويتها: حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي المصري، حزب الدستور، الحزب الشيوعي المصري، حزب العيش والحرية، الحزب العربي الديموقراطي الناصري، حزب الكرامة، حزب المحافظين، حزب الوفاق القومي، الإصلاح والتنمية، وبعض الشخصيات العامة.
وفشلت أحزاب الحركة المدنية في التوافق على دعم ترشيح الرئيس السابق لحزب الكرامة أحمد طنطاوي في الانتخابات الرئاسية الماضية قبل أن يفشل في استكمال توكيلات الترشح، وبررت موقفها بوجود آخرين عزموا على الترشح من داخل الحركة، وبعد أن جرت تسمية فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي مرشحًا رسميًا فشلت في التوافق لدعمه، ما تسبب في شروخ عديدة.
وذكر مجدي عبدالحميد في حديثه لـ”العرب” أن الحركة تسعى لاستعادة مكانتها وتقديم طرح جديد بديل في كافة المجالات التي تحظى باهتمامات الرأي العام، وأن تعديلات الميثاق لتلافي الوقوع في مسألة التباينات السياسية، لن تكون ضمانة لعدم وقوع خلافات مجدداً، فالحياة السياسية متحركة وثمة اتفاق على بعض القضايا، تعمل الأحزاب على الالتزام بها، وقد يحدث تعديل في مواقف البعض، وفي حال كان الخلاف متباعدا بما يستحيل التنسيق معه يصعب إرغام أحد على البقاء.
وأوضح أن المعارضة ليست “بعبعا” يخاف منه الجميع ولا السلطة كذلك، والوصول إلى قطاعات كبيرة من الشباب يمكن أن تتبنى مواقف متزنة لا تخرج عن المشتركات الوطنية العليا، يتطلب توصيل صوت العقل إليهم في مناخ أكثر حرية وهو أمر يعود بالنفع على الحكومة والمعارضة معًا، ولابد أن يشعر الشباب الساخط بوجود أفق يمكن من خلاله إدخال تعديلات تتوافق مع طموحاتهم.