ليبيا تفتح باب التسجيل للانتخابات البلدية في بروفة لباقي الاستحقاقات

طرابلس – أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، اليوم الأحد، البدء في تنفيذ انتخابات المجالس البلدية (المجموعة الأولى) البالغ عددها (60) مجلسًا بلديًا موزّعة على مختلف مناطق البلاد من ضمن (106) مجالس بلدية مستهدفة بالانتخابات لهذا العام، وسط طموحات كبيرة، أن يكون هذا الاستحقاق "بروفة" للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ما زالت معلقة بسبب الخلافات السياسية منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
ويرى مراقبون أن الانتخابات البلدية تعدّ اختبارا مباشر وحاسما لقدرة السلطات الرسمية على تنظيم الانتخابات العامة التي لا يزال مصيرها غامضا في ظل الانقسام السياسي، وسط مساع نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية والقائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا ستيفاني خوري لتغيير المشهد السياسي بالدفع نحو حكومة موحدة تشرف على الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي المتعثرين.
وقالت المفوضية في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك ستنطلق بتنفيذ المرحلة الأولى (مرحلة تسجيل الناخبين) التي ستدوم لفترة (15 يومًا) اعتباراً من تاريخ اليوم (الأحد) وإلى غاية 23 يونيو 2024.
وأشارت إلى أن التسجيل في انتخابات المجالس البلدية هو تسجيل جديد كُلياً ويقوم على أساس الإقامة في البلدية التي سينتخب فيها مقدم طلب التسجيل.
ويقتصر قبول طلبات التسجيل عبر منظومة تسجيل الناخبين باستخدام الرسائل النصية أو مراكز "لجان قبول طلبات التسجيل" على الطلبات المقدمة من المواطنين المقيمين في البلديات المستهدفة (المجموعة الأولى)، وفق بيان المفوضية.
وعقب الانتهاء من هذه المرحلة، من المقرر أن تشرع المفوضية في تنفيذ مرحلة "توزيع البطاقات" على المسجلين الجُدد الذين لم يتحصلوا على البطاقة في السابق، حسب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات التي بيّنت أن "البطاقات الانتخابية التي وُزعت العام 2021 تعتبر سارية المفعول، وسيُعمل بها في انتخابات المجالس البلدية، للتحقق من هوية الناخب يوم الاقتراع".
وحثّت المفوضية "الراغبين في الترشح لهذه الانتخابات الإلمام بشروط الترشح، والاطلاع على نصوص اللائحة التنفيذية لانتخابات المجالس البلدية رقم 43 لسنة 2023، خاصةً تلك المتعلقة بشرط (التزكية) الذي يعتمد تحققه على جمع أرقام الناخبين الواردة في البطاقات المستلمة من طرفهم، وليس الأرقام الوطنية كما كان معمولا به سابقا".
ومن المقرر بدء تنفيذ انتخابات المجالس البلدية "المجموعة الثانية" عقب إعلان النتائج النهائية لانتخابات "المجموعة الأولى"، المتوقع في النصف الثاني من شهر أغسطس 2024، وفق البيان.
ودعت المفوضية "مواطني البلديات المستهدفة بالعملية الانتخابية إلى ممارسة حقهم في تقرير مَن سيتحمل مسؤولية إدارة شؤون بلدياتهم، والإيفاء بمطالبهم واحتياجاتهم". كما حثت "كل مؤسسات الدولة ومسؤوليها إلى الانحياز لجانب المفوضية، وتقديم الدعم اللازم لنجاح هذه الانتخابات".
ومن جانبه، أكد رئيس مجلس المفوضية عماد السايح خلال مؤتمر صحافي عقده اليوم الأحد أن "إعادة بناء الإدارة المحلية على أسس سليمة يمهد الطريق نحو سلطة تنفيذية قادرة على الاستجابة لمطالب مواطنيها وفهم احتياجاتهم وتخطيط مستقبلهم".
وقال إن "الانتخابات ليست وهماً كما يسوق البعض ويحاول أن ينشر الجهل والتخلف"، لافتا إلى أنها "وسيلة لتعزيز روح الانتماء للوطن قبل أن يكون للأفراد وسيلة لأن يكون الشعب هو مصدر السلطات ومركز القرار ومنتجا للقيادات".
وأوضح السائح "ما نقدمه اليوم ليس ترفا بل مسار أنتجته البشرية لتنال حق الحياة ولدينا مقومات البناء، وفرص نجاتنا مما نحن فيه باتت تنحسر وتضيق فاغتنموا هذه الفرصة للرجوع لدولة المؤسسات والقانون، وفرصة لإعادة تنظيم الشأن المحلي وترتيب البيت الداخلي مما يتوافق مع ما ننشده من استقرار".
وبحسب القانون المعتمد، فإن البلديات التي يتجاوز عدد سكانها 250 ألف نسمة، سيتكون مجلسها البلدي من تسعة مقاعد من بينها سبعة مقاعد للفئة العامة ومقعد للمرأة ومقعد لذوي الاحتياجات الخاصة من الثوار.
أما البلديات التي يبلغ عدد سكانها أقل من 250 ألف نسمة فيتكون مجلسها البلدي من سبعة مقاعد من بينها خمسة مقاعد للفئة العامة ومقعد للمرأة ومقعد لذوي الاحتياجات الخاصة من الثوار، بحيث تضم القائمة الرئيسية خمسة مرشحين رئيسيين وخمسة احتياطيين.
ويجب ألا تكون بين المرشحين في القائمة الواحدة صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة، وذلك سعيا لقطع الطريق أمام التحالفات القبلية والعشائرية التي يمكن أن تسيطر على المجالس البلدية في حالة عدم وضع حد لنفوذها وسطوتها الاجتماعيين.
وبالنسبة لمقعد المرأة ومقعد ذوي الاحتياجات الخاصة فسيتم انتخابهما بالنظام الفردي، وسيكون الهدف منهما تمكين النساء والمسلحين السابقين ممن تعرضوا إلى إعاقات في ساحات المعارك أثرت على قدراتهم الجسدية، من المشاركة الفعلية في صياغة واتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة الاجتماعية في إطار سلطات الحكم المحلي.
والانتخابات البلدية هي ثاني اقتراع ستشرف عليها المفوضية العليا للانتخابات، بعد أن كانت لجنتان في شرق البلاد وغربها تتولى تنظيمها، بسبب الصراع بين حكومتين الأولى الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة والثانية برئاسة أسامة حماد في سرت وبنغازي معينة من البرلمان وتحظى بدعم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
وجرت انتخابات المجالس البلدية الليبية في يناير من العام الماضي في مدن الشرق والغرب، وقد بيّنت اتساع حجم الانقسام السياسي والمؤسساتي في البلاد، حيث رفضت بلديات الشرق انتخاب مجالسها بإدارة من اللجنة التي مقرها طرابلس بعد تشكيل لجنة مركزية موازية في بنغازي تعمل بقوانين انتخابية مختلفة عن تلك التي تعتمدها نظيرتها في العاصمة.
وكانت تلك الانتخابات التي استمرت لأشهر عدة، أول عملية انتخابية على كل المستويات في البلاد منذ عام 2014 الذي أجريت فيه آخر انتخابات برلمانية وبلدية. وخلال عامي 2019 و2020، أُعيد انتخاب معظم البلديات في الدورة الثانية. وبموجب القانون، تنتهي ولاية المجالس البلدية غير القابلة للتجديد خلال 4 أعوام.
ورغم أن الطبقة السياسية لا تهتم كثيرا بالانتخابات البلدية، لأنها تعرف أن طبيعة عمل البلديات خدماتي بالمقام الأول، وبالتالي تأثيرها على دائرة صنع القرار محدود، إلا أن إجراؤها تحت إشراف مفوضية الانتخابات سينهي التنازع بين لجنتين مركزيتين منقسمتين تماما وتعملان بقوانين متضاربة.
وفي يوليو الماضي، أصدر مجلس النواب التعديل القانوني الخاص بنقل سلطة إجراء انتخاب المجالس البلدية من اللجنة المركزية للانتخابات المحلية إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وذلك بموجب القانون رقم 20 لسنة 2023 بشأن تعديل القانون رقم 8 لسنة 2013 بشأن إنشاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وتعتبر أوساط ليبية أن الانتخابات البلدية يمكن أن تكون تمهيدا جيدا للاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، وأن تعد السكان المحليين للمسار الديمقراطي الذي لا يزال مهددا بخطر نشوء دكتاتوريات جديدة في البلاد، تحاول الاستفادة من حالة الانقسام لتكريس مصالحها الشخصية والأسرية والفئوية والمناطقية والقبلية على حساب تطلعات الشعب إلى مستقبل تعددي يمكن أن يحتوي جميع الاختلافات الموروثة والطارئة في البلاد.